ابراهيم محمود
عن قصيدة ” أنا وأنت ” لـ” Vejîna Kurd”
نص شعري هادىء، صاخب، بسيط، عميق، قصير، طويل المدى! هو ما يمكن قوله في قصيدة الشاعرة الكردية ” Vejîna Kurd “: ” Ez û Te “، والمنشورة في موقع ” ولاتي مه “. نص في الحب، وليس أي حب، في نسج علاقة تشمل الجغرافيا وهي تدوَّن خلَل المشاعر والأحاسيس وتداعيات الصور والخيالات. ربما تكون ” عفرين ” الشاعرة، أكثر من كونها ” عفرينـ:ـها”، أي أن تتجاوز نطاقها المحلي، أو يقرَأ من خلالها سواها كردياً. ربما هو معادل اسمها “Vejîn : انبعاث “، ربما هو أبعد من حدود الاسم بالذات، بقدر ما يظهر الاسم انبعاث الذات الشاعرة، من اسمها الآخر: الفعلي، شأن شاعرات كثيرات، الكثير من الشعراء، وما في ذلك من رغبة في التحوَّل، في التغيير، بالمفهوم القومي للقول.
هذا التوحد القائم والذاتي الدفْع، بين كيانها النفسي والعضوي، والسحاب، ودلالة السحاب ومتضمناته، لا يعدو أن يكون انتظاراً لعالم يُتلهَّف إليه. هي ترجمة رغبة شعرية، ومعايشة الخارج حباً في الداخل، في الموسومة ” عفرين “، ومن قبل امرأة ربما جمالية التحولات في الداخل أكثر من الرجل، جرّاء تقابل بين كيانها الجسدي والطبيعة، وهو المعهود تاريخياً !
ورغم أن النسيج الشعري مألوف، لحظة إمعان النظر في قصائد ترجع كتابتها إلى ثمانينيات القرن الماضي على الأقل، من خلال تجارب شعرية كردية مختلفة، ولاحقاً أكثر، إلا أن المودَع في هذا النص الشعري هو بنية تكاملية، هو كيفية إطلاق سراح قصيدة، رغم قِصرها ” وخفة وزنها ” بالمقابل، لكنه قِصر يختزن رحابة، وخفة وزن تختزن ثقل عمق في الداخل، إذ ليس من السهولة بمكان قراءة متلونات المشهد الأول، حيث تكون هي ونومها وزجر سحبها ومساءاتها ونومها والأعين المبتلة…الخ، ثمة جغرافيا تتعدى حدودى الأرضي، وتدعو القارئ إلى التحرر من المكان العادي.
والمشهد الثاني وإن كان محتفظاً باستقلالية معناه، لكنه يضاء بالأول، بقدر ما يضيئه، إذ يستحيل الفصل بين ذائقة عفرين الشاعرة ولون مكابداتها، والسحب المنظورة والخيال المحلق إلى منتهاها، والليالي المتسلسلة، والمطر المغنَّى، والشتاء الذي يتحشرج من الداخل، ليكون الربيع عاقبته.. وهي خاصية القصيدة المتتابعة أو الحلزونية الطابع.
سوى أن هناك إشكاليتين: تقنية ذوقية: الأولى تخص العنوان، إذ إن تقديم اسمها على عفرين إنقاص من فضيلة المعنى، من قيمة الاسم، المكان الذي تنتمي إليه الشاعرة، أو تتمثله شعرياً، وكان الأجدى أن تأتي هكذا “ Tu û ez: أنت وأنا “، وربما يوجد هنا انسياق مع المتداول، أي اعتيادنا للصيغة الأولى: البدء بـ” أنا ” ثم ” أنت “، لكن بلاغة القول وبهاء المعنى هما في منح الصدارة للمخاطَب، فكيف إذا كان مكاناً وليس أي مكان ” عفرين ” ؟
الإشكالية الثانية، هي في ورود مفردة ” الشتاء ” مرتين، وبينهما فارق كبير في التوجه الدلالي: من جهة الزمان الذي ” يعدِم ” الشتاء، بمفهومه السلبي ” يخيط كفنه ” عاجلاً أم آجلاً “، وهو معنى مقلق من حيث الأثر النفسي، ومن جهة البشارة، أو انتظار الموعود، حين يكون الشتاء ” رحم ” الربيع، إذ بدونه لا ربيع البتة .
نعم، ربما كانت الشاعرة مأخوذة بوطأة الشتاء، بلياليه الطويلة، وأن لا بد من نهاية له، كما هو المنتظر في ليالي عفرين، وما يقابل عفرين من مدن كردية أخرى راهناً بجلاء، فاستأثرت المفردة باهتمامها، كما هو رمزها المعتاد، إلا أن إيداع نصها المفردة ذاتها وبالطريقة هذه، يقلّل من فطنة القول الشعري، والتحكم الذوقي بمناخ القصيدة الواحد طبعاً.
شاعرتنا لا تنام، تلك بداهة، لأن ثمة ما تتلهف للقائه، فثمة ما يضطرم داخلها، ما يتشكل طيَّ كلماتها التي هي الأخرى كانت حصيلة مخاض روحي بالنسبة إليها، ولو أنها نامت، لما قامت في الجانب الآخر، وتلك هي المقايضة الكبرى، والتي لا تعوَّض، أو تثمَّن بالتأكيد، بين جسد ينام ويُستهلَك مع الزمن،وجسد يعاند النوم لغاية في روحه، وفي ليالي الشتاء الطويلة، وهي تعدُ بالبروق، بالمطر، بصباحات تطل بها على موعودها تالياً: الربيع، وإلا لما كانت : ” Vejîna Kurd!
أي ما لا تريد أن تكونه باسمها الفعلي، إنما بما يبقيها في عهدة الزمن الذي لا يتاح الدخول إليه من قبل أي كان.
===
ترجمة القصيدة :
عفرين… أنا وأنت !
لا نوم يأتيني
ولا حتى
زجْر السحب
يسلّم النومَ لياليك الغافية
تُرى !
ماالذي تتذكره السحب
إذ ترتّل قصائدها
في آذان مساءاتك ِ
من الذي نسج
من أجلك
هذه الليالي المبتلة الأعين
****
سحب..
إنها تغنّي أغاني المطر
زمان..
رويداً رويداً يخيط كفن الشتاء
ذكرياتي
تنهمر مع ضفائر المطر
المشاعر المسوسحة
تدخل شارع خيالاتي
نفَسُك ِ
سليل نرجس الربيع
تغضُّن النرجسات
سليل لونك ِ
أي نعم..نعم نعم، يا بلد الآمال
أنا وأنت
نتفرج
من الشبّاك
طي حشرجات الشتاء البارد
وصحبة ولادة ربيع زاه ٍ
دهوك، في 4-2-2017