الذكرى الثانية بعد المائة على المجزرة الأرمنية وقصة خالي الأرمني فاهان اوسيب

كونى ره ش
   مع قدوم الذكرى الثانية بعد المائة على المجزرة الأرمنية يوم 24 نيسان 2017م، التي حلت بالشعوب المسيحية في الإمبراطورية العثمانية من ارمن وسريان وكلدوآشور والايزيدية ايضاً، عادت بي الذاكرة الى خالي (خلف إسماعيل/ فاهان اوسيب)، من (سيس)، الذي توفي قبل اكثر من ثلاثة عقود من الزمن في مدينة القامشلي. أتذكر مدى تعلق والدتي به، اذ كانت تراه كأخ شقيق لها، من أمها وأبيها وكانت تحن عليه وترأف به كثيراً.. واتذكر ايضاً عندما كان يأتينا صيفاً الى القرية مرفقاً معه احد أولاده، كان يقص على والدتي معاناته مع مشاكل الحياة..
وقصة خالي (خلف) أو (فاهان) هذا، تعود الى العقد الثاني من القرن الماضي، الى أيام المجازر بحق الشعب الأرمني، حينما قتل والداه وهو لم يبلغ من العمر اكثر من ست سنوات، شارداً جائعاً بشوارع وازقة بلدة نصيبين، كالمئات من أبناء قومه.

   حينذاك كانت جدتي لأمي (عاليا عبد الله)، في زيارتها الاعتيادية من قرية (نجم/ نجموك) الى بلدة نصيبين لبيع منتجاتها الريفية مع صديقتها (منجا قادرو)، وإذ بهما تلتقيان بهذا الطفل التائه والعاري والجائع والخائف.. بداية تغريانه بالخبز والحلاوة وشيئاً فشيئاً يطمئنانه بالحنان والرأفة، وهذا ما كان يبحث عنه هذا الطفل الشارد والجائع.. وبالتالي تحضرانه معهما الى قريتهم (نجم)، القريبة من نصيبين.
   بداية لم يفهموا منه شيئاً، كون لغته كانت أرمنية او تركية، سوى معرفة مقتل والدية وان اسمه (فاهان اوسيب) وهو من بلدة او قرية (سيس).
   حينها كان لجدي من والدتي (إبراهيم إسماعيل)، أخ قد توفي مؤخرا اسمه (خلف)، لذا سموه (خلف) تيمناً باسمه، وهكذا اصبح لجدي إبراهيم الولد البكر خلف، بعد عدة بنات.. لاحقا رزقه الله بولد اسماه (عباس)، وهكذا اصبح له ولدان ولوالدتي أخوان ولي خالان (خلف إبراهيم إسماعيل وعباس إبراهيم إسماعيل). بعد ان كبر زوجه جدي.. واصبح له أولاد واحفاد واغلبهم اليوم يعيشون في القامشلي وبعضهم هاجر إلى اوروبا..
   وهنا، لا يسعني في هذه الذكرى الأليمة ولو بعد مئة وعامين من حدوثها، الا ان اترحم على روح خالي (خلف) وجدتي  (عاليا) التي احتضنته وتبنته، وروح جميع ضحايا المجزرة الجينوسايدية* التي اقترفها جمعية الاتحاد والترقي والاتحاديين بحق الشعوب المسيحية والايزيدية في الإمبراطورية العثمانية.
   *- الجينوسايد: تعني الابادة الجماعية لشعب او اقلية او طائفة من مختلف النواحي.
الصور المرفقة جدتي عاليا عبد الله وخالي خلف إسماعيل.
القامشلي/ 23 نيسان 2017
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
رفوف كتب
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير في…

حاورها: إدريس سالم

 

في زمن الانهيارات الكبرى والتحولات الجذرية، لم يعد ممكناً التعامل مع القضايا المصيرية بمنطق الإنكار أو الاستخفاف؛ فالمشهد السياسي السوري، بكل تعقيداته وتناقضاته، بات يفرض على الفاعلين الكورد مسؤولية مضاعفة في إعادة تعريف أدوارهم، وترتيب أولوياتهم، وبناء مشروع وطني يتجاوز الاصطفافات الضيقة والانقسامات القاتلة، فالسكوت لم يعد ترفاً، ولا الشعارات تُقنع جمهوراً أنهكته…

فراس حج محمد| فلسطين

مقدمة:

أعددتُ هذه المادّة بتقنية الذكاء الاصطناعي (Gemini) ليعيد قراءة الكتاب، هذا الكتاب الشامل لكل النواحي اللغوية التي أفكّر فيها، ولأرى أفكار الكتاب كما تعبّر عنه الخوارزميات الحاسوبية، وكيف تقرأ تلك الأفكار بشكل مستقل، حيث لا عاطفة تربطها بالمؤلف ولا باللغة العربية، فهي أداة تحليل ونقد محايدة، وباردة نسبياً.

إن ما دفعني لهذه الخطوة…

غالب حداد

1. مقدمة: استكشاف “العالم الجميل الموجود”

تُقدّم مجموعة القاص والشاعر الكردي السوري عبد الرحمن عفيف، “جمال العالم الموجود”، نفسها كعمل أدبي ذي كثافة شعرية فريدة، يرسم ملامح مجتمع مهمش، ويحول تفاصيل حياته اليومية إلى مادة للتأمل الفني والوجودي. ويأتي تحليل هذه المجموعة، التي تمثل تطورا لافتا في مشروع عفيف الأدبي الذي تجلت ملامحه…