إبراهيم اليوسف
أعترف أنني لم أكن قد قرأت ليوسف زيدان* قبل أن وقعت روايته- عزازيل- بين يدي فرحت أتابع بعض مؤلفاته فوجدت أنه اشتغل في مجال التحقيق والتصوف والتاريخ إلى جانب كتابته القصة والرواية. عندما زار دولة الإمارات للمشاركة في الفعاليات المصاحبة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب بعيد طباعة روايته” عزازيل” أعددت بعض الأسئلة لإجراء حوار معه للقسم الثقافي في جريدة الخليج. ذهبت إلى الفندق الذي كان قد نزل فيه، بناء على موعد مسبق بعيد ندوة له على هامش روايته تلك. جلست في الكافتريا. اتصل به عامل المقسم ليذكره بموعدي فتأخر عليَّ حوالي نصف ساعة. قررت في داخلي أن ألقنه درساً. فما إن أتى بدأ يتصنع أمامي العملقة وقال لي: معنا ساعة…..!
قلت له بتعال ودون أن أنظرفي وجهه ودون أن أنهض من مكاني: وأنا معي ربع ساعة فقط…!
ثم عرفته بنفسي، وقلت أنا كردي، وما دفعني إلى الحوار قراءتي لبعض آرائك في الكرد، و أنني تابعت منذ أسابيع جوانب من مؤلفاتك، لكن عندما تعد صحفياً في المرات المقبلة عليك ألا تتأخر عليه… ثم خرجت وعامل الكافتريا الهندي واقف في انتظار ما نطلبه للشراب..!
عندما أراجع المواقف التي أخطأت فيها- في استفزاز من يستحق- في لحظات مراجعة الذات، فإنني كنت أدرج هذا الموقف بينها. أمس بعد أن قرأت ما نشرته وسائل الإعلام عن رأيه البذيء الذي قراته مؤخراً** في صلاح الدين الأيوبي قلت في نفسي:
هذا ما فعلته لأجلك يا جداه…!
أتذكر أنني عكفت في التسعينيات على قراءة مجموعة مصادر حول شخصية صلاح الدين الأيوبي لأنني جد معجب بشخصيته- ومن تلك المصادر ما أخذته من مكتبة الكاتب عباس إسماعيل والد البروفسيور فاروق عباس الذي حدثني نادماً- وسيتذكر ما أعنيه تحديداً- عن أنه أهدى إحدى الشخصيات”…………”نسخة من كتاب نادر عن الأيوبي وما عاد في إمكانه استعادته، أو تصويره. لخصت الكثير من الكتب في- بطاقات إرشيفية- ومما أتذكره من سيرة الأيوبي موقف لا يمكنني أن أنساه أنه كان مصاباً بمرض الجدري عندما كان جيشه يحارب- الصليبيين- وهو واقف على قدميه تحت أشعة شمس الصيف الحارقة، متابعاً وقائع سير المعارك التي كان نواتها أقرباؤه، وأهلوه الكرد الذين توزعوا في أرض الله: فلسطين- السودان- مصر إلخ” وهناك مدن فلسطينية أكثر سكانها من هؤلاء-فضرب له بعض مرافقيه خيمة من أديم إلا أنه رفض أن يتفيأ تحتها قائلاً:
كيف لي أن أستظل بهذه الخيمة وجندنا يحاربون تحت أشعة الشمس..!
بدهي، أن أقرأ ذات مرة لكاتب دمشقي من أصول كردية”أي كردي مستشوم الأب أو الجد” كان له مؤلف يدرس في جامعة دمشق ينال فيه من الأيوبي ليقدم بذلك أوراق ثبوتيات براءته من كرديته لدواع تسلقية انتهازية- وهوما كتبت عنه قبل عشرين سنة- كما أن هناك كاتباً لبنانياً” غير أمين” يكتب في مجلة ك”العربي” قبل سنوات، بحثاً في الإطار ذاته لأغراض في نفسه وإن كان هذا الأخير يعترف ببطولة صلاح الدين لكنه رآه قد أسرع لتحقيق النصر مخالفاً خطته ليسجل باسمه، نتيجة أنانيته!، وها هو زيدان يثأر منه، أي من الأيوبي، من دون أن يقرأ التاريخ جيداً. إذ أعده بعض الدارسين المنصفين في مقام الصحابة، نظراً لمكانته في الإسلام، بل أتذكر أن أحد المستشرقين كتب فيه مؤلفاً سماه فيه” الرجل الأنقى”…!
ويبدو أن صاحبنا زيدان الذي وصلت مؤلفاته العشرات من بينها بعض الكتب القيمة قد أصيب ب”جنون العظمة” إذ نقلت عنه وسائل الإعلام أنه احتج على منع التدخين في إحدى الندوات في-المغرب- فأشعل سيكارته، وقاطع الندوة، بينما وجدته، لأكثر من مرة في ندوات إماراتية يلتزم بالقوانين والأنظمة، وديعاً مع أولي الشأن-وهذا مايسجل له- وما إعادة نشره لمقال سابق كتبه قبل سنوات بعنوان” أوهام المصريين.. الناصر أحمد مظهر” إلا نتيجة لولعه بإثارة الضجيج، كسباً للأضواء، وهو ما لا يحتاجه- في الحقيقة- نظراً للأهمية الفنية-لما كتبه، وإن كان خلال كتبه يروج رؤى يكشفها تصريحه الأخير بأن صلاح الدين الأيوبي”حاشى مقامه- من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني!!”
لكم أتمنى أن أجد من الوقت ما يكفي، لكي أرد على تزويره التاريخي، في ما يخص أحد أهم الشخصيات ألا وهو الأيوبي الذي لما يزل حاضراً بأكثر-ليس من كل مؤلفاته من كتب- بل بأكثر من كل مؤلفات مكتبته- في الشرق أو الغرب، وما إساءاته هذه إلا لكي يلحق ببعض غبار جند صلاح الدين، أو خيولهم..
* يوسف زيدان أستاذ جامعي وأكاديمي وباحث وروائي وقاص مصري
** بحسب وسائل الإعلام فإن زيدان قد صرح عبر أحد التلفزيونات المصرية الخاصة مساء أول امس الأربعاء بأن الرجل شكك في تاريخ صلاح الدين الأيوبي، قائلاً: إنه لم يحرر القدس وقد عقد الصلح مع الصليبيين انتقاماً لشقيقته إلخ.. وان” صلاح الدين الأيوبي- كذا- من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني، حيث ارتكب جريمة ضد الإنسانية مع الفاطميين وعزل الرجال عن النساء، بحيث أن الذكور لا يروا أنثى، فانقطع النسل، وحرق مكتبة القصر الكبير»..!!!
elyousef@gmail.com