الجحيمُ الحيّ

إدريس سالم
أرواحٌ بربريةٌ تجري في عروق الصراط
رجلُ الربّ يتَغمْغمُ بلسان مقطوع
أنقذوا الطفولة والحضارة
واقتلوا دُعاةَ حراسة الشرف
كونوا رصاصة في وجه التشرّد والمنفى
كونوا حبّة رملٍ تُسقَى من الجباه
ولا تصافحوا تجّارَ الدماء
***     ***     ***
تخوينٌ مستمرّ
شتائمٌ دائمة
تهمٌ متبادلة
حواراتٌ أبادتِ القضيةَ والشعب
جحيمٌ حيٌّ، يحومُ قربَ النعيم
قربَ كلّ باب ونافذة لا يفارقُها النسيم 
بشراهة وشراسة
***     ***     ***
أبناء ذاك السجّان..
يجنّدون الفراشاتِ والزهور
يعتقلون حبّاتِ الذرة والزيتون
يصادرون الأكواخ
يغتالون الرأيَ من الحنجرة
يزيلون الانتصارَ من خرائط الحروب
يقدّمون البسطاءَ قرابيناً على مذابح مَن رفضوا هويتي
وتلاعبوا بشرفي
وداسوا على كرامتي
***     ***     *** 
نحن مَن نشتري الحروبَ بدماء أبناءنا
ونبيعُ انتصاراتها لألدّ أعدائنا
نحن مَن نزرعُ أراضينا مقابراً
وبيوتنا خنادقاً
وشبابيكنا فوهاتٍ للبنادق
نحن مَن كنّا خفافيشاً في ليالي الغدر
فأرينا القيامةَ لصغارنا وكبارنا
قبل أن يروا قيامة الله…
***     ***     *** 
يقول أبي:
الحزبُ والحرب يدمّرنا
أبناء دمي يعرّبوننا
أبناء دمي يتفرّسون على عناقنا
والآخرون منهم يَجنَون حياتهم من الشعارات
ومشاهد التبكّي..
أو ربّما سينقرضون!
***     ***     ***
أيُّها الكورديّ:
ماذا ستفوزُ في رهان الحياة؟
وماذا ستخسر؟
ومَن الأجدرُ على البقاء؟
ما فائدةُ الأرواحُ العالقة على أبواب هراءِ الحقيقة
إن كانت غير مختارة؟
ما فائدةُ النضالُ العاهر
إن كان العرّافُ يرسمُ المدنَ بعثانين مؤخرته
ويسقي القمحَ بمني شيخوخته
ويقطفُ الفاكهة على أسرّةٍ منتشية
مع عرّابٍ يتاجرُ بخصلات الحرائر ولحية الفتيان؟!
***     ***     ***
أيّها الكورديّ:
لماذا تعادي ثمانية حروف بالمجازر والنكسات؟
لماذا ترميها في مزابل التاريخ؟
لما تستبدلُ الغرب بالعُربان؟
لم تُخفِ لغتك عن الشمال؟
ألا يكفينا الجنوب الجاهل والساكت عن إعدام الشرق؟
ضعْ يدك في يدي،
ولنتقاسمَ الأملَ والألم
الشمسَ والقمر
الليل والنهار
الشتاء والصيف
ولتكن حياة ابني وابنك ربيعاً…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…