أرواح بأجساد تئن*

 إلهام عثمان
الأسرة المتماسكة هي الأسرة التي تبنى على أسس ومبادئ أخلاقية متينة. وتكون حجر أساس لبناء مجتمع متماسك ومتين، مما يؤثر إيجابا على بناء وطن مرموق يحتل قائمة الدول الراقية والمتطورة، ومما لا شك فيه أن هذا يتطلب رواداً مثقفين وواعين لكل شائبة تمزق أسس مجتمعه…. من الواضح أن هذه الحقيقة لا تطبق على المجتمع السوري عامة والكردي خاصة, فويلات الحرب المغرضة دبت في عروقها ونشبت حريق الفتن والتشرد والهجرة…الخ. 
موازين المصالح أبت إلا أن تفتح على الساحة السورية رحى حرب قذرة راح ضحيتها الآلاف من المواطنين العزل مما ساهم و بشكل مباشر في تفكك المجتمع وتقطيع أواصر المحبة بين أفرادها وخلق عاهات جسدية ونفسية معقدة. 
لم تسلم روج آفا من انعكاسات الحرب السلبية فقد دفع سكانها القاطنون في المدن السورية الأخرى ثمنا باهظا وكانوا هدفا إما لقناص حاقد أو رصاصة غادرة أو تلاعبت بهم معركة الفتنة ولم يرحمهم الموت بل جعلهم في الحياة أرواحاً بأجساد مبتورة.. إنهم ذوو الاحتياجات الخاصة. والسؤال هنا ما هو مصيرهم في مجتمع متهالك مادياً ومعنويأ؟!
في استطلاع عن كثب تبين بأن نسبة الإعاقة الجسدية والنفسية قد زادت بعد الحرب وأغلبهم لا دخل لهم ولا معيل! قصص مأساوية خلف أبواب تئن وتبكي دماً إلى ما آلت الأوضاع بهم حيث كانوا ضحية قلوب حائرة ومستهترة أعمت بصيرتهم وبصرهم…وبها فقدَ المجتمع توازنه وتماسكه وبرزت مقولة /اللهم نفسي/ أمام معاناة أولئك الموجودات الإنسانية, ماذا فعلنا وماذا قدمنا لهم؟!
 نأخذ بعين الاعتبار بأن وضع كل أسرة قد تغير وبات من الصعوبة أن تدير أمور معيشتها بشكل فعال  ولكن هذا لا يمنع أن نغض النظر عن أفواه تطالب بالمساعدة المعنوية والمادية وعيون تترقب كل خطوة مهتمة  وأياد حنونة….الكل متهم ضمن دائرة الاهمال سواء أكانوا أحزاب أو جمعيات أو مؤسسات …الخ فإن قست الحياة عليهم فهل نقسوا أكثر منها؟! لو أوليناهم بعضاً من الاهتمام وشاركناهم همومهم وتقاسمنا معهم لقمة العيش و أتحنا لهم فرصاً ليحركوا مواهبهم المكبوتة بعد أن خسروا حركاتهم الجسدية… ألا يعني ذلك بأننا نعالج جزءاً من معاناة جسد المجتمع المتهالك؟! مع العلم أن هناك من ابتسمت الحياة لهم  وأعطتهم فرصاً كافية ليكونوا أكثر قوة  في مواجهة ظروف الحياة, إلا أنهم غافلون عن مآسي أفراد مجتمعهم وخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة ومن النادر أن نسمع بمشاريع خيرية أو مساعدات إنسانية على أمد طويل تكفل أحدهم.. يقال بأن اليد الواحدة لا تصفق فما بالكم لو كانت تلك اليد مبتورة؟!!! الحرب…الغلاء الفاحش.. المآسي التي برزت…الهجرة…كل ذلك  ليس بالمبرر الكافي لكي تتحجر قلوبنا.. فدائما هناك بديل للتحسين والبديل في هذه الحالة موجود وليس ضرباً من المستحيل.. 
علينا أن ندق عليهم الباب ونوليهم بعض الاهتمام ونخرجهم من عزلتهم ونخصص لهم أماكن تتيح لهم الراحة النفسية والجسدية  و في كل مناسبة نشاركهم فرحهم وترحهم.. نبني مشاريع خيرية تسندهم ويكونوا جزءا من ذاك المشروع . وكبادرة ملحه علينا أن نقوم بتوعية الناس على كيفية التعامل معهم دون تجريح مشاعرهم.
جدير بالذكر بأن هناك بعض الجهود الشخصية ونشاطات بعض الجمعيات المدنية تحاول قدر المستطاع أن ترسم دروب الأمل أمام تلك العيون الذابلة.. 
من الضروري أن نقف إلى جانبهم و ندعمهم و نساندهم ليكمل مشوار رسم الأمل على درب الألم.
* افتتاحية جريدة روشن – العدد 23 بقلم عضو هيئة التحرير إلهام عثمان

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن حديثاً المجموعة القصصية “تبغ الفجر” الشاعر السوري الكردي علي جازو، في كتاب يضم اثنتين وعشرين قصة قصيرة تتنوع بين النصوص اليومية المكثفة والمقاطع التأملية ذات الطابع الشعري والفلسفي.

تتّسم قصص المجموعة بأسلوب سرديّ دقيق، يبتعد عن الزخرفة اللغوية ويميل إلى الكتابة من الداخل. الشخصيات تتحدّث من دواخلها لا من مواقفها، وتُركّز…

خوشناف سليمان ديبو

 

يُعد الأديب والفيلسوف الروسي فيودور دوستويفسكي من أبرز وأعظم الروائيين في تاريخ الأدب العالمي. فقد أدرِجت معظم أعماله ضمن قوائم أفضل وأهم الإبداعات الأدبية وأكثرها عبقرية. وتكمن أعظم ميزات أدبه في قدرته الفذة على سبر أغوار النفس البشرية، وتحليل خفاياها ودوافعها العميقة. قراءة رواياته ليست مجرد متعة سردية، بل رحلة فكرية وروحية تُلهم…

غريب ملا زلال

شيخو مارس البورتريه وأتقن نقله، بل كاد يؤرخ به كسيرة ذاتية لأصحابه. لكن روح الفنان التي كانت تنبض فيه وتوقظه على امتداد الطريق، أيقظته أنه سيكون ضحية إذا اكتفى بذلك، ولن يكون أكثر من رسام جيد. هذه الروح دفعته للتمرد على نفسه، فأسرع إلى عبوات ألوانه ليفرغها على قماشه…

فواز عبدي

 

كانت شمس نوروز تنثر ضوءها على ربوع قرية “علي فرو”، تنبض الأرض بحياةٍ جديدة، ويغمر الناسَ فرحٌ وحنين لا يشبهان سواهما.

كنا مجموعة من الأصدقاء نتمشى بين الخُضرة التي تغسل الهضاب، نضحك، نغني، ونحتفل كما يليق بعيدٍ انتظرناه طويلاً… عيدٍ يعلن الربيع ويوقظ في ذاكرتنا مطرقة “كاوى” التي حطّمت الظلم، ورسمت لنا شمساً لا تغيب.

مررنا…