شاعرة كوردية

يوسف بويحيى (أيت هادي المغرب)
أيتها الفراشة الشاعرة الراحلة، أراك تتنقلين بين حدائق الوطن الغريب، مسافرة تحت مطر السماء و ظلام ليلها ، لوحدك انت مرافقة قدرك، ألوان طيف المستقبل لا تناسب ألوانك الأصلية، لا توجد لوحة بلون الطبيعة تشبه بيتك و حديقة وطنك، وطنك الذي تغزوه نيران في هدوء، وتلتهم قلبك الصغير و أنت صامتة، تحلقين نحو مركب النجاة تاركة وراءك مكتبتك و قلمك و كرسيك و دفتر ذكرياتك الذي فيه تكتبين و ترسمين أحاسيسك الرقيقة وراء الكواليس عندما يحل ظلام وطنك الجميل، ظلام اعلم جيدا أنه لا يخيفك، فنجانك البارد ينتظرك على نفس الطاولة، قهوتك تفوح برائحة الشوق إلى أنفاسك، كرسيك الذي يعلوه الغبار يفتقر إلى التي تنظفه كل صباح، تلك التي تقابله الآن بصورتها على الجدار بالأبيض و الأسود وهي مبتسمة على دقنها وشم الكرامة، علمت للتو أنها أمك التي كانت تحلم يوما ان تصبحي شاعرة، بجوارها صورة زعيمكم العسكري متمسكة بالجدار رافضة السقوط و كأنه يقول من خلالها: لا مجال للسقوط نموت او ننتصر، على ارض الغرفة توجد صورة ألأب و أخوك الذي إستشهدا بعدما إقتحمت النيران وطنك.
أوراق رسائلك مبعثرة في كل أرجاء الغرفة، أنحني لأقرأ كل واحدة دون لمسها كي لا أفسد عنها السكون، هذه تتحدث عن الطفولة، و الثانية عن الوطن، و الثالثة عن الأمل، و الرابعة عن الألم، و الخامسة عن الغربة، و السادسة عن الطبيعة… مازلت ابحث عن ورقة الحب لكن دون جدوى، فضول دفعني للبحث عنها لأرى كتابا بعنوان “المسافر و ظله” سرعان ما علمت انه للفيلسوف “فريدرك نتشه”، لم أستغرب من مقاطعك الروائية الحاملة لبصمة “نتشهوية”، هنا تذكرت مقولتي لك :”إني أرى فيك شيئا من نتشه!!”.
فتحت الكتاب لأجد ظرفا أبيض به ورقة كتب عليها “قطتي الجميلة، أكتب إليك بعد أن إشتد ألمي و مزقت الرصاصات صدري، دون أن ينسيني ذلك حبك، كنت أود أن أمنحك وطنا لكن أظن أنني منحتك روحي، فسامحيني إن لم أكمل هديتي، سأبقى أحبك و خاتمك سيبقى في قبري إلى الأبد، فقط أريدك أن تكوني شاعرة القضية و الوطن كما كنت تأملين، بل شاعرتي أنا؟؟!!، نعم إني أغار عنك، إلى اللقاء فالموت يداهمني و يرفض أن أكمل مافي قلبي من حب لك، لكن لا تغضبي سأخبر الله بكل شيء، أحبك”.
من تلك الورقة فهمت أشياء كثيرة عنك، علمت لما كنت دائما تلك الفراشة الهادئة، و كلماتك العميقة الدلالة لا تبرح قصائدك، علمت أن صمتك تتخلله ثورة فكرية رهيبة، فهمت أن إبتسامتك يحاصرها واقع ثابت، علمت أنه لا يستطيع أحد ان يكون انت سواك، أدركت أن رحيلك هو موتك لحظة بلحظة من أجل إحياء طموح توفي من أجلك، أحسست الآن أنك تحيين عالمين واحد تعيشنه و الثاني يعيشك، كأن عنوان الكتاب لخص حياتك في الرحيل و التنقل بين ما تريدين و ما يريد طيف الروح الذي يسكنك، إلى هذه الدرجة من الوفاء رغم القدر المحتوم، كيف لا تكوني كذلك وأنت تقرئين “نتشه”، تسبحين في كأسه بكل إخلاص، أعلم أنك لا تعلمين بأن “نتشه” نفسه لا يؤمن بكأسه، بل كثيرا ما كسر كل الكؤوس من حوله، لكن اقسم أنه لن يخذلك كما لم يخذل شعبا بأكمله و العالم بأسره.
نعم الآن خرجت من الغرفة مثتاقل الخطى بعد أن دونت على بابك عبارة “لقد كنت هنا يوما”.
فقط أدفع شرائع سفينتك بكلماتي لتكوني شاعرة يوما تلقين بقصائد الرثاء و الحب و المدح على منصة الجبل الشامخ الذي ترعرعت فيه و عليه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرزاد هواري

قصيدة إلى أمي وكل الأمهات السوريات بيومهن

 

 

أمي، ويا سرَّ الحياة ونورها

يا منبعَ الإحسانِ في أزهى صوَرهْ

 

يا بلسمَ الأيامِ في وقتِ الأسى

ويا نَبضَ قلبي، بل ويا كلّ العُمرَه

 

علَّمتني الصبرَ الجميلَ بحلمِها

وغمرتني حبًّا، وعانقتِ العُذُرَه

 

ما ضرّني منها جَفا أو قسوةٌ

بل كانت الدفءَ، وطيّبَ العِشرَه

 

تمدّ لي يدَها إذا ما ضاقَ بي

دربٌ، وتدعو اللهَ في سترِ سَحرَه

 

زرعتْ لنا…

ينظم اتحاد الكتّاب الكُرد في سوريا الدورة العاشرة من مهرجان القصة الكردية القصيرة، وذلك في مدينة قامشلو خلال الفترة الممتدة من 13 حتى 17 حزيران 2025.

يفتح باب المشاركة في المهرجان وفق الشروط التالية:

أن تكون القصة مكتوبة باللغة الكردية.
يجب أن يتراوح عدد كلمات القصة بين 500 و2000 كلمة.
ألا تكون القصة منشورة سابقاً أو…

نظّمت لجنة الأنشطة في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، بالتعاون مع ممثلية اتحاد كتاب كردستان سوريا، ندوة ثقافية في مدينة إيسن، استضافت خلالها الباحث والمترجم والشاعر د. حسين حبش للحديث عن ترجمته لـ”جاثات زردشت” من لغة الأفستا إلى الكردية.

أدار الندوة الكاتب مروان مصطفى، وحضرها نخبة من الأدباء والشعراء والإعلاميين ومتابعي الشأن الثقافي. تناول…

خالد حسو

 

الوطن ليس جغرافيا محفوظة في دفاتر المدرسة،

ولا نشيدًا نردّده قبل أن نغفو على مقاعد الانتظار.

الوطن… أمنٌ يتسلّل إلى نومك دون حراسة،

كرامةٌ لا تُنتزع، ولا يُساوم عليها،

محبةٌ لا يُشترط لها لون أو طائفة أو حدود.

 

الوطن هو هويتك حين تُمحى الأسماء،

حريتك حين تُقيد الأصوات،

وسلامك حين يتحوّل العالم منفى كبير.

 

وإن غاب،

إن سقط من صدرك كما تسقط…