محمد شيخو الحرّ في وفاته

بقلم: نارين عمر

إذا آمنا بمقولة ( القلب دليل حامله) أو( قلب المؤمن دليله) فإنّنا نجدهما تنطبقان إلى حدّ كبير على محمد شيخو الذي أوصى شعبه أن يزوروا قبره كلّ آذار.

أتراه قد تلقى الوحي من تلافيف روحه وقلبه أنّه سيُخلد في آذار؟أم أنّ آذار المعروف بعلاقاته الوطيدة مع الشّعب الكردي منذ أقدم العصور قد أومأ إليه أنّه سيحضنه ؟!

إذا كان الإنسانُ يسعى لنيل حريته وهو حيّ يُرزق, فإنّ محمد شيخو قد نال حرّيته وهو يغادرُ هذه الدّنيا لأنّ موته المفاجئ كان بمثابةِ ناقوس دُقّ في مشاعر ملايين الكرد أنذرهم بفداحة ِخسارتهم بهذا الفنان الصّادق الذي نال الإهمال منهم في حياته الدّنيوية وما مشاركة الآلاف في تشييع جنازته وفي تأبينه إلا بمثابةِ تكفير لهم عن ذنوبهم التي ارتكبوها بحقه وهو الذي يغزلُ من ضياءِ صوته وحنجرته قبساتِ راحةٍ وانتعاش وطمأنينة , ويزرعها في نفوسهم وأرواحهم.
غنّى للوردة لأنّه لمحَ فيها عطر حبيبته وأنفاسها, وغنّى للحبيبة فجسّدَ فيها قدسية كردستان, وتغنّى بكردستان كأنّها الملاذ الآمنُ لكلّ محبّي وعشّاقِ الأمل والسّلام والحرّية, وامتزجت طبيعته الخضراء بطبيعة الأرض بكلّ نبلها ورقتها فكانت زاده الفنّي, وزاد بزقه  وطمبوره اللذين نسجا مئات الألحان والأنغام على نول وجدانه وفكره, فكانت خير زادٍ وقوتٍ للعشّاق المغرمين لأحبتهم وأرضهم , وبذلك تمكن من تأسيس مدرسةٍ جديدة في الغناء الكردي يؤمها عشّاقُ الغناء والفنّ الأصيل.
De were virde azazada şêrîn      çav westiyan hingî li te ,dnêrîn
تعالي إلى هنا أيّتها الحرّية الحلوة   العينان تعبتا من التّأمّل فيك والنّظر إليك
أبدعَ محمّد شيخو- على الرّغم من طبقةِ صوته الوحيدة, ومساحةِ صوته المحدودة والمتواضعة- لأنّه كان صادقاً في كلّ مفردةٍ أو نغمةٍ تنبضُ بين شفتيه. أبدعَ لأنّه نال حصته الكبيرة من مآسي الدّنيا والحياة وهمومهما وكثيراً ما ينبعُ الإبداعُ من منبع المعاناة والألم.
كان يخفي كلّ ما كان يلمّ به وراء بسمةٍ هادئة مرتسمة على الدّوام على كلّ ذرّةِ إحساس فيه ولرهافةِ حسّه وتحمّله الفائق لها ,أثر على قلبه الذي أنذره في النّهاية أن لا طاقة له بعد اليوم بحمل هذه الأحمال المرهقة التي ابتلي بها حتى جاء الموعد المنتظر مع آذار وفي التاسع منه تحديداً من عام 1989 ويحوم الملك حول جسده النّحيل المرهق, يسلبه الرّوح دفعة واحدة لئلا يتعذبَ في موته كما تعذب في حياته ,وكأنّ الملك أراد أن يبرهن على أنّه أحياناً يكون أرحم من البشر على بعضهم البعض.
تحية إلى روحه, وإلى كلّ أفراد أسرته, وإلى كلّ عشّاق صوته.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…