وجيهة سعيد ونداء اللازورد

نارين عمر

من عمق الأنين,من خمّ المعاناة,من وجع الألم تنسجُ /وجيهة عبدالرّحمن سعيد/نداءها اللازودي تطعمه بصراخ الماضي الذي كان مؤلماً ولون الحاضر الذي تأملُ أن يكون وردياً ليتعانقا وتتشابكَ خيوطها بعُقَدٍ دفينة وآهاتٍ صرعى تحاولُ روحها المتمرّدة قهرها أو على الأقلّ إدخال الوهن والضّعف إلى أنفاسها ثمّ لتعلنَ ولادة مجموعتها القصصية الأولى/نداء اللازورد/ تسعى من خلالها تحويل الماضي إلى ذكرى غابرة والحاضر منبر هدوءٍ وطمأنينة للنّفوس والقادم ملاذاً آمناً.
تبدأ بالمونولوج الدّاخلي لتجدَ نفسها/سجينة أحلامٍ بعدما تقمّصتْ شخصية /ميساء/التي(عبّأتْ دفتر مذكراتها وطرّزتْ دفترها بيومياتها اللاحقة).
   ثمّ لا تنسى و/أسوةً بالبطاريق/أن تخبرنا عن حال ذلك السّجين الذي بنى سوراً بين جدران السّجن العالية لنتوقّفَ قليلاً نصغي إلى/نداء اللازورد/الذي انطلقَ من عمق أحاسيسها تترجمُ لنا فيها همساتِ ندائها التي امتزجت بهمساته ليغسلها من براثن خطيئةٍ وبمباركة نجمة الصّباح و/حين مضتْ نحوه/أضاعت مفتاح سجنه الذّهبي لشدّة غبطتها بعالمها الزّائف ثمّ تطرحُ سؤالاً يصعبُ الإجابة عليه/ماذا بعد قراره/؟؟لاشيءسوى مبرّراتٍ واهية يحاول إقناع الآخرين بها على الرّغم من عدم اقتناعه هو بها ليدعها تغوصُ في/عويل صراخ الصّمت/وتغادر بصمتٍ ولايئنّ عليها سوى جرح ساعدها.
في/ليلةٍأخيرة/تهمسُ لنا وجيهة بأسرار جديرة بالاطلاع عليها لتأفل أفكارنا شيئاً فشيئاً مع غروبها الذي هلّ من جهة الشّرق ونتساءل أيّ شرقٍ تقصده وجيهة؟؟وإلى أيّ غربٍ تومئ؟؟؟ ولأنّها تجبرنا على الإقامة الجبرية في سجونها المبعثرة في كلّ زوايا خيالها وحسّها فلا بدّ أن نجترعَ معها ذلك الخوف الدّفين الذي خُلِقَ مع نُباح ثانٍ للكلب الذي كان يحرسُ مكان إقامتها.
وفي/ذاكرة/ تطلعنا وجيهة على الأسباب التي جعلتْ من/روش/ الغجرية تفقدُ ذاكرتها وتصابُ بالهذيان بعدما كانت تتربّعُ عرش الأحاسيس والمشاعر.لابدّ لنا الاصغاء مرّةً أخرى إلى/بوح لموج البحر/ لتكشف من خلاله ابتهالهما إلى الله أن يعيد القمر كما كان بعدما أدميا كواحلهما في ساحة القرية.نداءٌ جديد يداعبُ مسامعنا إنّها
الهجرة مع البنفسج/هجرة البنفسج/تجعلنا نسبحُ في خضمّ صراعها النّفسي مع الذات وحبائل الحيرة التي وقعت فيها.
رحيلٌ,تأمّلٌ,هجرةٌ…ألن نكفّ عن الهجر والارتحال فما أن ننتهي من وداع البنفسج حتى يطلقَ/قطار السّاعة السّابعة/دويّه المريع لنراقب عن كثب خيوط اللقاء الذي لم يكن مخطّطاً له من قبل:
(فقط المصادفة قذفت بهما وحيدين بعد سلسلة من الانتكاسات,بعد ردح من الزّمن الطّويل التقيا).وفي نهاية الرّحلة سنجدُ القطار قد حطّ بنا في مدينة تبدو للوهلة الأولى ومن خلال لوحةالاستقبال أنّها لا تشبه المدن الأخرى/المدينة المقبرة/ لنتساءل:هل هناك مدينة ترضى أن تسمّى بالمقبرة؟؟/.
/أوزون/ بمجرّد وقوع نظركَ على هذا العنوان ستحلقُ عالياً إلى حيثُ الفضاء الرّحب بطبقاته المختلفة وخاصة تلك المسماة بالأوزون ولكن من خلال التصفّح الدّقيق للقصّة سنجدُ اوزوناً آخر كئيباً مسكيناً تضافرتْ عليه جهود الزّمن والدّهر لتحوله إلى شبه إنسان يعيشُ على هامش الحياة.
ربّما ما ينقذنا من كثرة السّفر والتّرحال وقيود السّجن تلك القصص القصيرة جدّاً التي تجعلنا نتنفسّ بعمق لنرتاحَ قليلاً ثمّ نتابع رحلتنا مع وجيهة لتنقلنا إلى عالم آخر مغاير لعالمنا إلى/حلمٍ/ينسجه صبيّ وصبية بعدما(يغطان في النّوم يحلمان بحديقة الورد وأسراب الفراشات/وحينما نصحو مع الصّبيين من حلمنا الوردي ستأخذنا وجيهة إلى بلدة كانت تعتقدُ(بأن لا عودة إليها)وستجعلنا نبحثُ معها عن مهد أمّها وبعد أن نعثر عليه سنتابع بحثنا عن صاحبته ولكن هل سنجدها؟؟؟
أعلمُ أنّ الإرهاق قد نال منّا قليلاً لذلك علينا أن نصعد القطار معاً من جديد لنرتاحَ في إحدى عرباته ونستمتع بلمسات فنّان يعرض لوحاته في قاع إحدى عرباته بعدما تعذر عليه عرضها خارج القطار.
وفي نهاية المطاف سوف نشاركها مراسم العزاء على ذلك القابع في  نعشٍ قد ابتكرته مخيلتها لنلقيه معاً في خزائن الذكريات.
استطاعت وجيهة من خلال باكورة نتاجها القصصي أن تحلق في فضاء الكتابة القصصية بجهودها الحثيثة وسعيها الدّؤوب وامتلاكها لأهمّ الميّزات التي من المفترض أن يتمتّعَ بهاالكاتب/الجرأة,التّحدي,قوّة الإرادة/بالإضافة إلى الموهبة والحسّ الأدبي.
السّيرة الذاتية هي السّمة الغالبة على مجموعتها ولكنّها لم تنقل لنا الجانب المضيء والإيجابيّ منها كما يفعل بعض الكتّاب بل اكتفت على الأغلب بنقل الجانب المعتم والحزين وهذا ما أضفى على قصصها صبغة المصداقية لأنّها نقلت الأحداث بعفوية ممزوجة بصدق وأمانة.
الملاحظ في قصصها هو تحوّل كلّ الأمكنة لديها إلى سجن سواء أكان نفسياً أم حسّياً ملموساً( كتحوّل جدرانها إلى حصون عميقة القرار ترهقُ منْ يدوسُ ثراها وتؤرقه)وربّما أرادت أن نتمرّد معها على تلك السّجون لنحطّمها فنولد من جديد في دنيا مرسومة في خيالها.
ما يؤخذُ على قصصها بعض التّباين في سويتها,وإقحامها مفردات الشّعر في أكثر من قصة لم تكن تستدعي ذلك وعلى الرّغم من مقدرتها على التّحكم بمدارك اللغة إلا أنّ اللغة استطاعت أن تتملص منها وتلاعبها في العديد من المواضع.
وأخيراً أهنئ المكتبة القصصية على قبولها أوراق اعتماد كاتبة مجتهدة جريئة قادرة على تقديم الأفضل والأجمل دوماً وأهنئ وجيهة على انتزاعها قصاصات جناحيها من عالم الأدب بفضل موهبتها أوّلاً ومثابرتها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ا. د. قاسم المندلاوي

 

الفنان الراحل (صابر كوردستاني) واسمه الكامل “صابر محمد احمد كوردستاني” ولد سنة 1955 في مدينة كركوك منذ الصغر فقد عينيه واصبح ضريرا .. ولكن الله خالقنا العظيم وهبه صوتا جميلا وقدرة مميزة في الموسيقى والغناء ” فلكلور كوردي “، و اصبح معروفا في عموم كوردستان .. ومنذ بداية السبعينيات القرن الماضي…

فراس حج محمد| فلسطين

-1-

لا تعدّوا الوردْ

فما زالتِ الطريقُ طويلةً

لا نحن تعبنا

ولا هم يسأمون…

-2-

ثمّةَ أُناسٌ طيّبونَ ههنا

يغرّدونَ بما أوتوا من الوحيِ، السذاجةِ، الحبِّ الجميلْ

ويندمجون في المشهدْ

ويقاومون…

ويعترفون: الليلُ أجملُ ما فيه أنّ الجوّ باردْ

-3-

مع التغريدِ في صباحٍ أو مساءْ

عصرنة النداءْ

يقولُ الحرفُ أشياءً

ويُخفي

وتُخْتَصَرُ الحكايةُ كالهواءْ

يظلّ الملعبُ الكرويُّ

مدّاً

تُدَحْرِجُهُ الغِوايَةُ في العراءْ…

-4-

مهاجرٌ؛ لاجئٌ من هناك

التقيته صدفة هنا

مررتُ به عابراً في…

عبد الستار نورعلي

(بمناسبة عيد المرأة)

 

حين تكون المرأةُ الأحلامْ

تنسدلُ الستائرُ الحريرْ،

فلا نرى أبعدَ من أنوفنا،

وخافقٌ يضربُ في صدورنا،

فكلّ نبض امرأةٍ هديرْ

والمطر الغزيرْ،

 

نفتحُ حينها عقولَنا

أم نسرجُ الخيولْ

والسيفَ والرمحَ

وصوتَ الحلمِ الغريرْ؟

 

في حلمٍ

يُبرعمُ الربيعُ فوقَ صدرِها،

ينتظراللحظةَ كي يدخلَ في الفؤادْ،

يُعطّرُ الروحَ بدفء روحها،

يقتطفُ العشقَ

ويبدأ الحصادْ،

 

في كتبِ الروايةِ الأولى:

غزالةٌ تسلَقتْ تفاحةَ البقاءْ،

وانتزعتْ تفاحةً لتقضمَ الغرامَ

واللعنةَ، والدهاءْ،

 

امرأةُ العزيزِ راودَتْ فتاها

عنْ…

عبدالجابر حبيب

 

دور المسرح في المجتمع

المسرح ليس مجرد وسيلة ترفيه، بل هو فن يحمل رسالة، يعكس قضايا الناس، ويشكّل وعياً جمعياً. منذ نشأته، كان المسرح مساحةً للحوار، يسلط الضوء على المآسي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويجسد الأحلام والآمال. فهو “مرآة تُعرض عليها الفضائل والرذائل”، كما وصفه الكاتب المسرحي شكسبير.

يقول جان فيلار: “المسرح مدرسة الشعب”، وهذه المقولة…