تاريخ هجرة الكرد إلى ألمانيا

 زكي اوزمن Ozmen 
إن هجرة الكرد إلى أوربا وألمانيا ضمناً ليست حديثة العهد، إنما لها مسار طويل. لقد فتحت الجغرافيا الكردية أمام السوق الاقتصادية العالمية في القرن الثامن عشر. وكذلك فإنه منذ ذلك الحين، كان أبناء العائلات الكردية الميسورة الحال، وممَّن هم في خدمة الامبراطورية العثمانية والفارسية أو بنيَّة الدراسة أو لدخولهم في وظائف دبلوماسية، قد توجَّهوا إلى مدن مختلفة في ألمانيا وغيرها في أوربا .
وجاءت موجة الهجرة الثانية للكرد إلى ألمانيا على خلفية من المعاهدة الموقَّعة بين ألمانيا وتركيا، وفي إثرها وقّعت اتفاقية العمل سنة 1961 ما بين الدولتين، حيث قدِموا إليها من شمال كردستان بدورهم  باعتبارهم ” العمال الضيوف Gastarbeiter “، إلى ألمانيا، وفيها استقروا. 
وجاءت موجة الهجرة الثالثة للكرد صوب هذا البلد في سنوات 1970، ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، بدأت هجرة الكرد من الأجزاء الأربعة لكردستان، هاربين من الاضطهادات السياسية للدول المتحكمة بكردستان قاصدين بلدان أوربا، وخصوصاً ألمانيا، طالبين حق اللجوء السياسي. أما موجهة الهجرة الأحدث بدورها، فتمثلت في هجرة الشباب والشابات الكرد إلى ألمانيا من أجل الزواج مع أقارب ومعارف لهم في ألمانيا، وكذلك هجرة الشباب الكرد بهدف الدراسة في الجامعات الألمانية أيضاً، وقد تركت تأثيرات مختلفة على توجههم إلى هذا البلد. إنما في نهاية مرحلة الدراسة العليا، نجد أن استقرارهم أو عدم استقرارهم في ألمانيا يرتبط بالقوانين الخاصة، لهذا سوف لن نتعرض كثيراً إلى هذه النقطة.
الكرد ذوو الشهر بدايةً :
صعبٌ هو العثور على المصادر المتنوعة والمتعلقة بالكرد ممن استقروا في ألمانيا في القرنين الماضيين. سوى أننا نصادف في مصادر كثيرة أسماء شخصيات كردية ممن عاشوا في ألمانيا في مطلع القرن التاسع عشر ولزمن وجيز .
سأتحدث في هذا الإطار عن بعض الشخصيات الكردية والتي عاشت لزمن محدود أو لبعض الوقت في ألمانيا في  بداية القرن المنصرم ” العشرين “، إلى جانب الحديث عن أنها عرَّفت بنفسها على صعيد الرأي العام بوصفها شخصيات قومية كردية. سوى أنه لا بد من التنويه إلى نقطة مهمة، قبل الإشارة إلى ما تقدم، وهي أنه منذ عام 1835، أثناء التدريبات العسكرية المشتركة  بين القوات الروسية والبروسية ” الألمانية ” في كاليسز ” ”  Kalisch ، حيث كان القيصر فريردريش ويلهلم  الثالث نفسه حاضراً، لفتت أنظار جميع المشاركين مهارة فارس كردي إيزيدي والذي كان من القفقاس، وكان جندياً في الجيش الروسي. هكذا استقطبت مهارة هذا الفارس الكردي انتباه المشاركين في التدريبات العسكرية، بحيث إن هذا الفارس الكردي أصبح موضوعاً للأخبار الواردة في  صحف تلك الفترة. وبعد عدة سنوات أعد حاكم برلين اوغست فرايهر نفسه للذهاب إلى روسيا، ومن هناك إلى أرمينيا، وقد رأى هذا الحاكم  في أرمينيا، وهو وسط المهاجرين الكرد الإيزيديين، حيث إنه في مذكراته تحدث من ناحية عن كرم الضيافة لدى الكرد، وأن الكرد قد أظهروا له فروسيتهم من ناحية أخرى. لقد أشار اوغست فرايهر حاكم برلين في مذكراته إلى الفروسية الكردية بالشكل التالي ” ذلك الكردي الذي كان في وارشو وفي كاليش هو نفسه، والذي أصبح جرّاء مهارته في الفروسية موضوعاً لحديث الكثير من الصحف، وأثناء وداعه أبرز الكردي مهارته لي مجدداً… “.
وكذلك، فإن السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، كان قد عيَّن سعيد باشا والذي ينتمي إلى عائلة كردية عريقة من السليمانية، سفيراً عثمانياً في برلين، وقد أصبح ولدا سعيد باشا فؤاد وشريف باشا بعد عدة سنوات من رموز الحركة القومية الكردية. إن شريف باشا الذي درس في الجامعة أيضاً سنة 1918، كان أحد مساعدي رئيس جمعية ” تعالي كردستان: جمعية لتطوير كردستان “. أما أخ فؤاد باشا وهو شريف باشا بدوره، فإنه مثّل لسنوات السلطنة العثمانية وهو يطوف الكثير من البلاد الأوربية، بعد الحرب العالمية الأولى والتي كان من نتائجها انتهاء السلطنة العثمانية ، بهدف نيْل الحقوق القومية الكردية من جهة جمعية تطوير كردستان، قد تم تعيينه ممثلاً ليذهب إلى مدينة Sewr السويسرية.
أما عن جلادت عالي بدرخان والذي يعرفه الرأي العام الكردي جميعاً وعن قرب، فإنه إلى جانب أخيه كاميران وأفراد آخرين من عائلته قد توجهوا سنة 1922 إلى مدينة ميونخ الألمانية، وكان هناك أخوَان لهما يقيمان في المدينة نفسها قبل ذلك. كان هؤلاء يشتغلون أيضاً إلى جانب التعليم بسبب وضعهم المادي السيء ، إلا أنهم من ناحية أخرى، إلى جانب عملهم هذا كانوا يتنشطون كثيراً في ميونخ وفي أماكن أخرى، حيث إنهم كانوا يريدون معرفة ثقافة جمهورية فايمر من جهة، وتاريخها عن قرب من جهة أخرى . بالنسبة إلى جلادت، لقد تابع دراسته في الحقوق في جامعة لودفيغ ماخيميلانس في مدينة ميونخ، وتوجه من ألمانيا إلى القاهرة سنة 1925، ومن هناك توجه إلى الشرق الأوسط.
ويعرَف جلادت علي بدرخان في الرأي العام الكردي باعتباره كاتباً، لغوياً، صحافياً وسياسياً، وهو أول من وضع الألفباء والقواعد الكرمانجية، ومن عدا ذلك، فإنه صاحب الطول في وضع أساسات المتينة للأدب الكردي الحديث من خلال نشره لمجلة ” هاوار: الصرخة “، ولم يكتف بذلك، إذ إنه من خلال نشره لمجلة ” روناهي: النور “، إلى جانب مطبعة ” هاوار ” قد قدَّم خدمات جلّى للأدب والأدباء الكرد ” 9 “.
أما عن كاميران علي بدرخان، فإنه بقي في ألمانيا حتى إنهائه لتعليمه في الجامعة، إذ إنه درس قسم الحقوق في مدينة ليبزيغ، وأنهى دراسته سنة 1926. وفي هذه المدينة أعد أطروحة الدكتوراه في الحقوق، وبالنسبة إليه، فإنه حتى بعد خروجه من ألمانيا كان يقصدها في مناسبات مختلفة وفي أحيان كثيرة، خصوصاً في سنوات 1930. وفي عام 1935 نشر في برلين ديوان كاميران بدرخان الشعري تحت اسم ” ثلج النور: Schnee des Lichtes “، مترجماً إلى الألمانية. ومن المعلوم أن كاميران بدرخان أمضى أغلب أوقاته متجولاً في برلين، حيث إنه عمل سنة 1936 وقرابة عام مع اللغوي الألماني كارل هادانك، وقد استفاد جرّاء هذا العمل في الإطار اللغوي المشترك، وكتب في السنة ذاته روايته ” باز كردستان Adler von Kurdistan  “، وجدير بالذكر أنها الرواية  الكردية الأولى التي كتبت في بلد أوربي وبلغة أوربية، هذه الرواية نشِرت باسمه سنة 1937 معنونة بـ” Herbert Ortel  “، في مدينة بوتسدام من منشورات  فوغنرايتر- فيرلاغ. وما عدا مؤلفات كردية أخرى له، فإنه أصدر مجلة معنونة بـ” اليوم الجديد Roja nû” وبالكردية في بيروت وذلك بين عامي 1943-1946، وفي عام 1947، أصبح مسئولاً عن القسم الكردي في المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية  في باريس، وقد ألَّف الكثير من الكتب بالفرنسية أيضاً حول الكرد واللغة الكردية ، وبخصوص إعطاء دروس حول اللغة الكردية، كان قد أخذ إسهامه في نطاق بناء مركز للدراسات الكردية في باريس، وكأخيه جلادت بدرخان، فإن كاميران بدرخان أمضى حياته في خدمة ما هو كردي، وكان الأخوان من مؤسسي تنظيم خويبون الذي تشكَّل في منتصف سنوات 1920. 
وبدوره فإن عبدالله قادر كان كردياً، وقد أقام في ألمانيا ما بين عامي 1936-1937. إذ إنه كان يلقى محاضرات فيها حول الاثنوغرافيا والتاريخ الكرديين، ولافت للنظر أن نشاط قادر نظير أنشطة قام بها كاميران علي بدرخان في ألمانيا كان إبّان سلطة الدكتاتور أدولف هتلر. 
أما عن توجه الشباب الكرد إلى ألمانيا بقصد الدراسة، فكان يشمل الأجزاء الأربعة من كردستان، خصوصاً أنه شهد تصاعداً في الهجرة هذه بعد الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1956، كوَّن ” 17 ” طالباً كردياً في مدينة فيسبادن جمعية للطلاب الكرد باسم ” جمعية الطلاب الكرد في أوربا:
Kurdish Students Society in Europe- KSSE “
وبعدها، قامت هذه الجمعية بأنشطة مختلفة حول الكرد في الكثير من البلدان . 
الترجمة عن الكردية: ابراهيم محمود.
مقتطف من كتاب زكي اوزمن: كُرد ألمانيا، منشورات روناهي، آمد، 2010 ، ص12-17.
Zekî Ozmen: Kurdên Almanyayê, weşanên Ronahî, Amed,2010, 12-17.
والكاتب ” كما ورد عنه في بطاقة التعريف به في الكتاب” من مواليد قرية أمرينى Emerînê والتابعة لجزيرة بوتان عام 179، حيث توجه مع عائلته إلى ألمانيا وهو في عمر” 11 ” عاماً، واستقر هناك، وقد درس علم الاجتماع التربوي أو التربية الاجتماعية.. في جامعة فرانكفورت، ويكتب في الصحافة كذلك إلى جانب عمله كسوسيوتربوي،  وينشر عبر المؤسسات الإعلامية…
ملاحظة: أولاً، أحاول من خلال ما أترجمه من نصوص كردية مختلفة، التعريف بالثقافة الكردية المطبوعة خصوصاً، ومن باب الإطلاع، وفي حدود المستطاع، تبعاً لتقديرات معينة، وبغية تحفيز القارىء الكردي على قراءة النص الأصلي لأهميته أو للتزود منه أكثر.
ثانياً، بالنسبة إلى هذا الكتاب، أشير إلى أنني لم أورد أسماء المصادر المتعلقة بالمقتطف المترجم، تقديراً آخر مني على أن ذلك لا يقلّل من أهمية المترجَم .
 

 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…