أسبوع طويل في آمد «نقد رواية فواز حسين: أسبوع طويل في آمد»

 حسيب يانلِج Hasîp Yanliç
الترجمة عن الكردية: ابراهيم محمود
قبل فترة صادف أن توجهت إلى ستانبول . حيث تتواجد هناك حلقة قراءة، وتتعلق بقراءة الرواية ونقدها. وبدوري، رغبت في الانضمام إلى تلك الحلقة، لأرى كيف تقيّم الرواية وتشرحها، ومن جهة المنتمين إلى الحلقة أيضاً، فقد رغِبوا مني أن أقرأ الرواية، وأشاركهم بمعلوماتي. إني على قناعة عن أن كلينا يريد النظر في أسلوب تقييماتنا المشتركة. وكان الصواب هو ما أشيرَ إليه، فقد استفدنا نحن الطرفان من بعضنا بعضاً.
أي كان هناك تشاركٌ في المعلومات والمعارف. وهنا أشكر استضافة حلقة القراءة في تقسيم Taqsîm . 
إن نظرتي إلى الرواية هي هذه:
تبدأ الرواية من الصفحة ” 9 “، ويقول في الجملة الأولى ما يلي، في قسم الإدراكات:
” إن الكتاب الذي بين أيديكم ليس مذكرات، أو ليس حياة كاتبه “.
ما أعلم به هو أن فواز حسين قد قدِم إلى آمد وبقيَ فيها، وكتب الرواية هذه. لذا، لماذا يرفض تسمية الكتاب بمذكرات. واستعصى علي ذلك، أتراه أراد أن يقول  إن هذه ” مذكرات “، فقال خطأ عن أنها ليست مذكَّرات. من وجهة نظري، هي مذكرات، وهي مذكرات بحيث إنه أرادها باطنية، ولينتقد بعض الأطراف ويتَّهمها.
المكان في الرواية هي آمد. وكون المكان والموطن هي آمد، فقد ركَّزتُ انتباهي عليها أكثر، وهكذا جاءت قراءتي. هنا سأسجل بعض النقاط على المكان، وفيما بعد سأتابع الكتابة:
لو أنني لم أكن من آمد، فإن تصويره الذي أراد من خلاله استخدام حتى الأسماء وتقديمها للقرّاء، ويقول: أيها القرّاء xwînerno . لم أستطع تحديد المكان في الرواية، لهذا، فإنني سأعرّفكم بالأسماء، للتأكيد على أن هذا المكان آمد. ومهما أتعبَ نفسه في هذا النطاق بالنسبة إلى الأسماء، فإنه قد قد دوَّخنا ” خلط الأمور ببعضها بعضاً “، إذ من أجل خان زيرويان حيث يقول الأتراك فيه ” Sülüklühan “، أراد الكاتب على هواه، خلط الأمور ببعضها بعضاً، ومن لا يكون من آمد، وإن لم يعرف آمد، فإنه سيقول، ربما أنه يأتي على ذكر مكانين أو ثلاثة أمكنة، وأن الحدث يُسمَّى في المكان المختلف، لأن المكان نفسه يعرَف باسمين أو ثلاثة أسماء ، في الصفحة ” 99 “: ” وسْط مطارقهم دخلنا حوش/ فِناء خان زيرويان “. وكذلك في الصفحة ” 103 ” :” أنا وميرزا تركونا جميعاً بعد في خان زيرويان “.كان يُفترَض ألا يُسمَّى المكان هكذا، إذ إن تحديد أسماء الأحداث وتعريفنا بها، فإن شخصاً أوربياً عندما يقرأ الرواية، كان يجب، منذ البداية، أن يقول عن أن هذا المكان يمثّل الشرق الأوسط، لو أن أحدهم يعرف كردستان كان عليه أن يقول هذا المكان آمد، أن هذه البوابة هو بوابة ماردين، بوابة الجبل، خان زيرويان…الخ. وحتى لو أن كاتب الرواية لم يستطع تحديد ذلك هكذا، لقوّى المكان أدبياً، وحيث إنه ملأ الرواية بأسماء خاطئة، ومعلومات خاطئة.
وفي الرواية، تُشتمُّ رائحة الكردية من أمكنة كثيرة، وقد استخدم عبارات جميلة جداً فيها، حيث اعتمد أغنية Têlî Têliyê، موزّعاً اللحن الكردي على الرواية.
في الصفحة” 13 ” نقرأ ” من شب على شيء شاب عليه ” مقابل : Kurmê şîrî heta pîrî.
في الصفحة ” 20 “: مقطع من أغنية Têlî :
Were Têlî
Lê lê zalime
Ez ê ji xewa şêrîn radibim dibêjim têlî
Nava rojê dibêjim Têlî
Êvarê dibêjim Têlî
في الصفحة ” 22 “: ” لقد حرَّرتم خمس مدن كبرى وتفرِحون الذئب الضاري ؟ “.
عندما كنا صغاراً، كانت أمي التي تريد إخافتنا، كانت تهدّدنا بذئب مانجو ” manco ” الضاري، وكونه وحشياً، لم أسمع أبداً بعبارة ” فرح ذئب مانجو “، والكاتب سمِع بذئب مانجو ، ولا يعرف ما يكونه، فقال من جهته ” فرح ذئب مانجو “.
….
وما يتداول بين الشعب هو قول ” فرح الذئب العجوز kêfa gurê pîr”. ورغم ذلك، فإن قد أضفى نكهة على الرواية باستخامه لأقوال الأسلاف وأغانيهم.
ولقد قرأت أمراً عجباً في الرواية وقلت إن الذي كتب هذه الجملة لا يعرف لا المجتمع الكردي، ولا حتى الشرق الأوسط كذلك. لأن في ” أعرافنا وعاداتنا نحن الكرد وما يخص الشرق الأوسط، نجد أن الذي يكون في أول تزوّده بالمعلومات، وحين يتحدَّث له عما يجري في فراشه ومداعباته هو وزوجته ليس موجوداً.
في الصفحة ” 24 ” يستمر هكذا :
” لا أخفي عليك أن أروع الأوقات في عموم حياتي، هي التي عشتها بجوار ابنة عمّي، وقد أمضيتها في نار تيلياي…لقد صرفنا ساعات ونحن في أحضان بعضنا بعضاً، وقد نقَّبت في كل البلاد المدفونة في داخلها الواحد تلو الآخر “، وفي الصفحة ” 27 ” كذلك :
” إنها حلالي، فبوسعي الطواف لحظة أريد حول كعبتيّ صدرها، والتوأم الأصفر للحلمتين، وألقّم فمي حلقة إسوارها الحيدري، إنما للأسف، لم أعد قادراً الآن على القيام بذلك الآن. في بعض الحالات، وفي النوم، ودون وعي مني، تلتصق بي تيلياي كالعلكة، توشك على هصر عظامي، تطلب مني أن أولج فيها كسيخ التنور ..”.
في الحقيقة، عندما قرأت هذه الجمل، احمَّرت وجنتاي، وخجلت بالنيابة عن الكاتب. لماذا أراد كاتب كردي التعريف بالمجتمع الكردي هكذا.
من جهة سلامة الكتابة والأسماء، فإنه مجدداً صيَّرها مثل اسم المكان، كما في اسم مثل أحمد دين Ehmedê Dîn، وفي أمكنة أخرى Ahmedê Dîn، وذلك يشوّش على القارىء، وهذا يستدعي من الكاتب لزوم اعتماد صيغة واحدة في الكتابة بداية ونهاية، إذ لا يجوز أن نصادف صيغة Ehmed في صفحة معينة، وفي أخرى صيغة Ahmed، وهذا من جهته خطأ وعلى الكاتب تجنبه. في الجانب الآخر أيضاً، من أجل سلامة الكتابة، هزئ الكاتب من اللغة الكردية لأهل عامودا، حيث إننا نجد في حدود خمسة مشاهد سخرية” كاريكاتيرية ” بهذا الصدد، إذ إن البطل كلما كلَّم أحدهم، قال كلمني بالكردية، حيث يمكنني القول أنه في آمد يوجد على الأقل، كما يعرف الكاتب فواز حسين ، بالنسبة إلى الكردية قواعد ولغة، مائة ألف شخصاً، فلا تخطئوا . ولا بد أن الكاتب كتب ذلك بوعي كما أعتقد بذلك. ورغم تأكيد الكاتب على أنه لا يعرف التركية أيضاً، فإن الكثير من عباراته وردت في قوالب تركية.
وأنا ما كنت أعلم بالفرنسية، فسألت تُرى هل هناك تشابه بين قالب التركية والفرنسية أم أن الكاتب فكَّر بالتركية. إن الفرنسيين يعلمون عن أن ليس هناك من علاقة بين الفرنسية والتركية، لنجد أن الكاتب قد أورد حِكماً بالقالب التركي، ومن خلال عبارات كثيرة. ففي الصفحة ” 38 – 39 “نقرأ ” تلفنْ لي ” ” كنت سأتلفن له ” ، وهناك الكثير من الجمل جاءت على هذه الهيئة، وعندما قرأتها، استغربت ذلك. والحقيقة أن هذه الجملة أصابت مني مقتلاً ” حليب الأسوُد “، في الصفحة ” 111 “، ترجمتها بالتركية هي ” Aslan sütü “، ولم أسمع حتى اليوم عن أن كردياً سمَّى العرَق بـ” حليب الأسود Şîrê Şêran “. كيف ترجم الكاتب الجمل التركية مباشرة إلى الكردية .
لقد جاءت الرواية نصف صوفية: باطنية في كتابتها، وهذا من شأنه إقصاءنا عن عالم الرواية، حيث لا نعلم أنه عندما يسرد الحدث ما إذا كان خيالاً أم واقعاً، لأنه يتحرك ذهاباً وإياباً ما بين الباطني والواقعي،وذلك يعني أنه لحظة القراءة يضيق الخناق على القارئ ويظهِر صعوبة الحركة، ويقصي عملية فهم القصة جانباً.
لقد تلمست سواداً بحِرَفية في الرواية، إنه السواد الذي يرتبط بكون تنظيم الحرية الذي اعترف به الكاتب بدوره، وهو أنه تنظيم تم من جهة الشعب.
وأن هناك الآلاف من بنات الكرد وشبابهم قد انخرطوا في هذا التنظيم، ودافعوا عن أنفسهم بصورة بطولية بحيث لم يستوعبها الكاتب، وبغية تسويد الحركة، نجد أنه في أمكنة كثيرة، قد تصرف بحرفية ” هوال، ديمقراطية، اولوس : أمَّة، والسجايا التي لها صلات بالتنظيم قد قلَّل من شأنها…الخ “، وهذا يصغّر من مقام الكاتب أمامنا نحن القرّاء. ويخرج الكاتب من روجآفا سنة 1978، ويوجّه الحدث هكذا، بحيث يقول : لقد خرجتُ من روجآفا بسبب تنظيم الحرية وهوال. ويعلم العالم أجمع، وكاتب الرواية لا يعلم  عن أنه في عام 1978 لم يكن قد تشكَّل تنظيم الحرية في روجآفا، وكان يتنشط في الشمال. فما هذا السواد، وما هذا الانفتاح. من وجهة نظري، إن الكاتب من بداية الرواية حتى نهايتها، قد كتب روايته بحِرفية أو بدعم من البعض، بحيث لا يمكننا القول عن أنها رواية، لأنه سوَّد تنظيم الحرية، وأنا بدوري أقول بقلب نقي يا أيها الروائي ” أيها السياسي ” دع كتابة الأدب ، ومارس السياسة، ولا تسئ إلى الأدب الكردي بكتاباتك الخاطئة. امض إلى صحف تحترم مكانتك، لتكون لك زاوية، ولا تدفع بقلمك المستخدَم إلى التقيؤ على الأدب الكردي.
المصدر: Rojnameya Kurdistan 


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…