الشاعرة نور بحري في مجموعتها الأرجوانة الشفافة

بقلم : عبد اللطيف أحمد

((أي جمال في الطبيعة ينافس جمال  المرأة التي تحب))
” فولتير ”
صدر مؤخراً ديوان شعري بعنوان  ((الأرجوانة الشفافة)) للشاعرة ((نور صلاح بحري)) ، وقد حاولت الشاعرة نور من خلاله رصد بعض جوانب الحياة الاجتماعية في محيطنا ، والديوان يحتوى على من القصائد المتنوعة

وفيه عشت لحظات ممتعة لصدق المشاعر و نقائها كونها ممدودة في أعماق النفس يتخللها العديد من الصور المتدفقة و بالأحاسيس و العواطف الجياشة حيث تقول:
) أحبك….ربما لا تعرف… أنني و بعد سقوط المطر أذهب إلى قمة الجبل و أرسم حروف أسمك على خيوط و ألوان قوس قزح ….) ..(له كل عرسي و حياتي.. له سعادتي و أجمل لحظاتي…
و مناجاتها للحبيب تقطر لوعة و أسى و تفضي بالحنين ضمن تعبير رقراق و ألفاظ عفوية ينبعث منها جرس موسيقي عذب…

) حبيبي أريد معانقة السماء لأنها تشبه أعماقك الداخلية ).
و تعقد الشاعرة صلة وجدانية بينها و بين العصافير و الفراشات  و الورود حيث تقول :
(أحب أن أطير مع العصافير..مع الفراشات و أن أسكن تحت جفون عينيك ..و تبقى هناك زهرة
الأرجوان زاهية باهية وذلك البستان..يغار منها الياسمين و الأقحوان ) .
و قد أبدعت بحس شاعري مرهف مقتبس  من جمال الطبيعة و نواميسها (أحبك بارتفاع جمال هملايا.. بعدد أوراق حدائق بابل ..بقوة الانجذاب إلى مثلث برمودا ).
مما يلفت الانتباه أن الديوان فيه تجارب عاطفية شديدة التوهج خالصة للحب.. ممتزجة بنظرة في الحياة و رصد لبعض طبائع البشر و كآبة عميقة.. لوم و مصالح..و أحساس ثقيل بالحصار
( أين ذهب ضمير الإنسان.. حيث لا تقدير و لا إحسان.. لقد مات الإحساس وضاع الحنان ..فقط مصلحة مصطنعة ثم تكثر الأحزان ).
تذوب أحلامها ( كابن فرناس ) الذي يتحدى الأفق بأجنحة من شمع فتذوب أحلامه الشمس و كالبطل الأسطوري القديم ( سيزيف ) الذي حكم عليه بأن يقضي أيامه و هو يدحرج أمامه حجرا
و يصعد به إلى قمة الجبل  ولكن الحجر يفلت منه باستمرار و يندفع مرة ثانية هابطا إلى أسفل الجبل  ( لقد ضاع كل شيء.. في لحظة كان الحلم كل شيء
يسيطر المجهول على المشاعر و يقضي على الأمل المرسوم في قرص الشمس
كتبت الشاعرة بلغة مكثفة تنم عن قاموس متوج باليأس والإحباط ، حيث لا مكان سوى لأصداء أليمة لجرس الكلمات في قصائدها ، والسمة التي لازمت شعرها غالبا هي سمة الحزن والغدر واللامبالاة ، والنزعة الفردية حزن يحمل هم تغير الأشياء والتقاليد البالية ، هم إعادة ترتيب العالم هم الإنسان من أجل حياة أكثر دفئا و أمنا و سلاما
(أريد أن يعرف الناس أنني
أشعر بالحرية ..لقد جاءها ذلك الحبيب …
الذي رسمته فارسا لأحلامها الوردية…)).
ولكنه جاء يحمل خنجر غدره
و يسرق خطواتها ..و تركها على رصيف الأحزان..و أبتعد ..و أبتعد
)) مرآتي تظهر وجهي المكسور المتناثر على صفحات قلقي …
و لا أحد يكترث ..كل يحمل لحنه بين حنجرته …
ويسمع أغنيته للفراغ الكثيف..أين النور الذي يحاول الجميع أن يطفئه ..لمن
أخاطب ..الذين  من الحب الحقيقي حرموني أم للذين في ظنونهم الكثيرة ظلموني
وحدها تشعر بالاختناق تبحث عن قوقعة تدخل فيها ..تتقلص و تذوي كعصفور محبوس ينتظر لحظة فكاك ..تساقطت بداخلها أشياء عديدة تقوقعت داخل ارتعاشات صمتها توارت داخل غرفتها
وانكسرت خلفها الأضواء ..
لا أعلم إلى أين أذهب..قررت الرحيل إلى نفسي ..
وعدت إلى قلمي المستند إلى رعشة يدي رفيق خلوتي السوداء
ووحدتي القاتلة للجدران ..تجثو على ركبتيها ..تمسح دماء عذابها . …))
لا يبقى ملاذ للشاعرة إلا أن تحتمي بجدران نفسها وظلمته ، لعلها تجد مشاعر الدفء في تقوقعها لكنها لا تلبث أ تعلن بصوت عال إصرارها على المواصلة . وبنغمة موسيقية مركزة تصور لنا إنسانة واثقة من نفسها المطمئنة إلى قوتها الواقفة في ثبات وإيمان بوجه العواصف تتحدى بهدوء عجيب الأعاصير التي تريد ان تزعزعها و تقتلعها من جذورها
(إلى كل الذين يريدون مني أن أكون تائهة …
أنني في بداية الطريق أحمل قوتي وجرأتي وفي نهاية الطريق أحمل انتصاري)

أخيرا  لمعة في دمعة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

في حضرةِ الشعر، حيث يتناسلُ المعنى من رمادِ الكلمات، وحيث يشعلُ الحرفُ فتيلَ الوجود، يولد هذا الديوان: جحيم الأمل.

ليس عنواناً عابراً ولا استعارةً تلقى على عتبة الصدفة، بل هو صرخةٌ تتناوبُ فيها النارُ والندى، وتتعانقُ فيها خيبةُ التاريخ مع شغفِ الإنسان الذي لا يعرفُ الاستسلام.

“جحيم الأمل” انعكاسٌ للروح حين تلقى في أتونِ الأسئلة الكبرى، في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

يَقُولُونَ

: لِمَاذَا تَكْتُبُ قَصَائِدَ حَزِينَةً

دَمْعُ هُمُومٍ مَآسِي رَهِينَةٍ

قُلْتُ : مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ

مَنْ جَمَعَ الْبَشَرَ عَلَى السَّفِينَةِ

قَالُوا : حِكَايَاتٌ رِوَايَاتٌ

قُلْتُ : تَوَارَثْنَا الْعُرَى

نَمْشِي عَلَى أَرْضٍ جَرْدَاءَ قَرِينَةٍ

هَذَا الْوَطَنُ

كُورٌ فِيهِ كُلُّ الْأَجْنَاسِ رَغْمَ أَنِينِهِ

عَرَبٌ أَكْرَادٌ مَسِيحٌ تُرْكْمَانٌ صَابِئَةٌ

بِأَلْوَانِ بَنَاتِهِ وَبَنِينِهِ

مِنْ حَضَارَاتٍ ذَهَبٍ وَصُولْجَانٍ

وَفُرْسَانٍ وَقَادَةٍ

تُخْرِجُ الْأَسَدَ مِنْ عَرِينِهِ

………….

ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْمَآذِنِ

دُقَّتْ أَجْرَاسُ الْكَنَائِسِ

وَتَجَلَّتْ أَلْوَاحُ السَّمَاوَاتِ

طَافَتْ وَهَبَّتِ الْفَيْضَانَاتُ

عَلَى الْخَنَاجِرِ…

سيماف خالد محمد

في المطبخ كعادتي كل يوم استيقظتُ على فنجان قهوة أُحاول به أن أفتح عينيّ وأمنح نفسي شيئاً من التركيز قبل أن أبدأ بتحضير الغداء.

بينما كنتُ منشغلة بالطبخ أفتح هذا الدرج وذاك، دخلت أختي مايا تحمل لابتوبها جلست أمامي، فتحت الجهاز لتعمل عليه وكأنها أرادت أن تؤنس وحدتي قليلاً وتملأ صمت المطبخ بأحاديث خفيفة.

لم…

فراس حج محمد| فلسطين

تثيرني أحياناً في بعض الكتب عتباتها التمهيدية، من الغلاف وتصميمه، وما كتب عليه في الواجهة وفي الخلفية (التظهير)، والعتبات النصيّة التمهيدية: العنوان، والإهداء، والاقتباس الاستهلالي، وأية ملحوظات أخرى، تسبق الدخول إلى عالم الرواية أو بنيتها النصيّة.

تقول هذه العتبات الشيء الكثير، وتدرس ضمن المنهج البنيوي على أنها “نصوص موازية محيطة”، لها ارتباط عضوي…