ترجمة: فرمز حسين
المغامرة
جاءت سفينة بأشرعة سوداء لتأخني بعيداً. و أنا صعدت على متنها لم أفكر في الأمر كثيراً, رحلة قصيرة لاضير منها, كنت شاباً, غير آبه و متشوق للبحر.
انطلقنا من الشاطئ الذي توارى سريعاً عن الأنظار من خلفنا و السفينة مخرت واثقة تدفعها رياح نشطة.الربان الذي حصل لي تواصل معه كان فظاً و جدياً , تبادل كثير لأطراف الحديث لم يجري بيننا على متن السفينة. أبحرنا و أبحرنا ليلاً نهارأً و على مدى فترات طويلة و في الاتجاه نفسه. لم نصادف اليابسة. تابعنا عاماً بعد الآخر , البحر كان واسعاً و الرياح جيدة . لم نرى أية يابسة. أخيراً استغربت الأمر و سألت أحد الربان كيف لهذا أن يحصل! أجاب الربان بأنه ليس هناك عالم بعد. لقد فنوا, غار الجميع في الأعماق. نحن فقط الباقون. .
فكرت بأن ذلك شي مثير, أبحرنا أكثر فأكثر. البحر بدا مقفراً. الريح ملأ الأشرعة السوداء. كل شي كان أجوفاً, هناك الأعماق فقط من تحتنا.
عندها هبت عاصفة رهيبة. هاج البحر و ماج من حولنا . عاركنا في الظلام . العاصفة لم تهدأ و لا الظلام انقشع. استمرا سنة بعد سنة . الغيوم خيمت فوق الشراع الأسود, كل شي كان كالحاً ,أجوفاً و مقفراً. كنا نعارك في الليل الظلام بقلق و خشية, مضطربين ممزقين, دون أن نجرؤ على أمل أكثرمن ذلك..
حينها سمعنا أخيراً هدير حريق يصم الآذان. و موجة عنيفة قذفت بنا على أرخبيل ارتفع من جوف البحر . السفينة تحطمت , نحن تشبثنا بالأرض . الآن أُشرقت أخيراً و أصبح بامكاننا أن نرى . الأرخبيل الذي تم انقاذنا إليه كان موحشاً و مظلماً. كانت هناك شجرة واحدة فقط تعصف بها الرياح لم تكن هناك أزهاراً و لا خضاراً..
تشبثنا بالأرض. كنا سعداء . وضعنا خدنا على التراب و بكينا من الفرح. كان العالم ينهض من الأعماق مرة أخرى..
العظام المبجلة
شعبين خاضا حرباً كبيرة ضد بعضهما البعض وكلا الطرفين كانا فخورين جداً بذلك و لاتزال الحرب تبث الحياة في معاناتهم حيث بدت آلام الناس العادية الصغيرة أمامها كأنها كانت لاشئ.
الباقون من القوم من بعدهم تشبثوا بتمجيد أولئك الذين أصبح لهم هالة رائعة . على طرفي الحدود هناك كانت معارك طاحنة كرأ حيناً و فراً حيناً و مجازر وقعت في الجانبين. و أقيمت النصب التذكارية الكبيرة لهؤلاء الذين سقطوا و هم يضحون بحياتهم دفاعاً عن أرض الأجداد و الآن رقدوا في ترابها. الناس كانوا يتوافدون لزيارتهم كل إلى ذويه .هناك ألقيت الكلمات البراقة على الحشود عن هؤلاء الأبطال الذين عظامهم الآن نائمة تحت التراب,مقدسة بعد موت بطولي مكتنف بمجد أبدي.
حينها انتشر شائعة فظيعة بين كلا الشعبين عن شيئ غريب يحدث ليلاً هناك في أرض المعارك القديمة وبأنها مسكونة , وأن الأموات ينهضون من قبورهم و ينطلقون عبر الحدود يبحثون عن بعضهم البعض و كأنهم قد تصالحوا.
باشمئزاز عميق تلقى الجميع ذلك الخبر.
هؤلاء الأبطال الذين سقطوا ,الذين قدسهم الناس جميعاً , بحثوا عن الأعداء و تصالحوا معهم و تسامحوا انه أمر فظيع.
كلا الشعبين أرسلا لجنة لتقصي الأمر. مكثوا خلف بعض بقايا الأشجار التي لم تسقط بعد و انتظروا حتى يحين ساعة منتصف الليل.
يا للهول حقاً صحيح! من تلك الأرض المقفورة نهضت مخلوقات رهيبة و اتجهت في طريقها عبر الحدود, بدى و كأنهم يحملون شيئا ما. أسرع القوم إليهم و هم ممتلئون سخطاً:
أوا أنتم من ضحيتم من أجل وطنكم , أنتم يامن نقدسكم أكثر من أي شي آخر, و الذين نحج اليكم لتخليد ذكراكم , أية نفاية نقدس, أنتم تتآخون مع العدو! أنتم تتصالحون!
الأبطال الذين قضوا نحبهم نظروا باستغراب إلى اللجنة: بالتأكيد لا. نحن لازلنا نكره بعض كسابق عهدنا. ، نحن نتبادل العظام فقط, لا توجد أية تسوية في هذا الشأن.
الحب و الموت
في إحدى الليالي حين كنت خارجاً أمشي مع حبيبتي ,فجأة فتحت بوابة منزل مظلم كنّا نسير بجواره و ظهر منه كيوبيد , أخرج إحدى قدميه من داخل ظلام البيت. لم يكن كيوبيداً صغيراً مألوفاً بل رجلاً كبيراً ,خشناً , قوياً , مشعراً كامل الجسم. بدأ أكثر شبهاً برامي سهام جلف واقف هناك بقوسه الغليظ وقد سدد سهمه نحوي . أطلق منه سهماً أصابني في صدري ثم سحب قدمه إلى داخل ظلام البيت و أغلق البوابة و كأنها لقلعة سوداء كيئبة.
أنا سقطت,حبيبتي تابعت سيرها لا أظن أنها انتبهت لسقوطي و لو أنها فعلت لكانت قد توقفت بالتأكيد, لكانت قد أنحنت عليّ و لحاولت أن تفعل شيئاً من أجلي. و لأنها استمرت في سيرها استطعت أن أفهم بأنها لم تنتبه بما جرى لي.
دمي جرى منساباً في ساقية خلفها حيناً لكنه توقف حين لم يعد كافياً.
بير لاغركفيست 1891-1974
أديب , شاعر و مسرحي, كان عضوا في الأكاديمية السويدية منذ 1940
حصل على جائزة نوبل للآداب 1951
له أكثر من أربعون عملاً أدبياً , الأكثر شهرة من بين أعماله:
ضيف على الواقع 1925
القزم 1944
باراباس 1950
الجلاد 1951
النصوص الثلاثة المرفقة من مجموعته القصصية حكايات شريرة
ستوكهولم
2018-01-10