أحمد إسماعيل إسماعيل
أطلقت الرِّياح المارة فوق سطح البحر ضحكة عالية وهي تشاهد غيْمة تفرغ ما في جوفها من مياه في البحر.
أثار ذلك ضيق الغيْمة وانزعاجها، فقالت للرِّياح:
* من أنت، ولماذا تسخرين مني؟!
فردت الرِّياح:
* إني الرِّياح العاصفة، وأنا لا أسخر منك، بل أستغرب من لهوك!
* ومن قال إني ألهو؟
* إنَّ صعودك إلى الأعلى صيفاً على شكل بخار، وسقوطك في البحر مرَّة أخرى شتاءً على شكل مياه؛ لهو وعبث؟!
* لقد عرفتك أيَّتها العابثة بالأمواج والضاربة للسفن، إنَّ عبثي ولهوي خيرٌ من أذاك للسفن والصيادين.
* إن ما تذكرين من فعلي يا صديقتي لا يحدث إلا في أوقات معينة، ويَسلم من أذاها من يعرف وقت حدوثها، ويَحسُن التعامل معها، ولكن اعلمي أنك مثلي، لك مضار أحياناً، وفوائد جَمَّة أحياناً كثيرة، وأن هناك أقواماً يبتهلون لك حين تغيبين عن سمائهم، ويحتفلون حين تسقطين على أراضيهم.
* حقاً؟!
* نعم،
* هذا أمر مفرح جداً،
* وسيكون ذلك مفرحاً لهم حين تذهبين إليهم.
* وكيف أفعل ذلك وأنا لست خفيفة مثلك، ولا أملك أجنحة مثل النوارس؟
* إنني على استعداد لحملك حيث تشائين.
* حقاً؟!
* نعم.
وحملت الرياح الغيمة المحملة بمياه المطر، وابتعدت عن البحر، وفي الطريق، شاهدت الغَيْمة ما تقوم به الرِّياح من أفعال جليلة، غير ضرب السفن، وتسييرها، لقد شاهدت الرِّياح وهي تدير طواحين تروي حقولاً كثيرة بالمياه، وتنير القرى بالكهرباء، وتفتت صخوراً، وتبدل الهواء في أماكن من ساخن إلى بارد. غير أن ما أثار اعجابها وأدهشها؛ هو صنيع الرِّياح الجليل في تمتين التواصل بين الورود والزهور!
وأرادت أن تسألها عن كيفية فعل ذلك، ولكنها وجدت نفسها فجأة في سماء أرض جرداء قاحلة، قالت:
* إن هذه الأرض عطشى، وهي في حاجة إلى المياه.
* أصبت يا صديقتي، ولكن اعلمي أنك لن تعودي إلى الأعلى مرّة أخرى. فالأرض هنا قاحلة جداً، ولا أثر فيها لبشر أو شجر.
وما أن سمعت الغَيْمة كلام صديقتها الرِّياح حتَّى أقلعت عن رغبتها، وطلبت منها التوجه بها إلى حيث ينتفع بها بشر، أو نبات وشجر.
ومن فورها توجهت الرِّياح بها إلى أرض قاحلة أخرى ينتشر فيها أناس كثر، وما أن وقع بصر الغَيْمة على هؤلاء البشر وأرضهم القاحلة، حتَّى أحست بالشفقة عليهم، وقررت السقوط في أرضهم، غير أن الرياح قالت لها:
* إذا سقطت هنا، فلن تعودي إلى الأعلى، فالناس هنا كسالى، ويكتفون بما يسقط من الأعلى دون عمل، وسرعان ما سيهدرونك.
فرفضت الغَيْمة السقوط في أرض أناسها ينتظرون هِبة السماء فقط؛ بدلاً من البحث عنها في الأرض.
وطلبت من رفيقتها متابعة السير، والبحث عن مكان لا تُهدر فيه إذا سقطت.
واستمر بحث الصديقتان عن هذا المكان، حتَّى شاهدت الغَيْمة من مكانها على ظهر الرِّياح منطقة خضراء، وزارع يفتح قنوات للمياه الجارية في ساقية، ويهيئ التربة، ويقلم الأشجار، ويوزع المياه بحرص ودون هدر على النباتات والأشجار، ففرحت لمرأى ذلك كثيراً، وقالت للرِّياح، سأسقط هنا، إنَّه المكان المناسب تماماً. وراحت تسقط على الحديقة بسرور، وعندما ملأت الجداول وروت الأشجار، قالت لها الرِّياح التي كانت أثناء ذلك تجوب المكان، وتتخلل الأشجار:
* سأعود إليك يا صديقتي بعد أن تنتهين من عملك هنا، وتصعدين إلى الأعلى، لأحملك إلى مكان آخر يحسن أهله التعامل معك.
ثم ودعت صديقتها الغَيْمة التي جرت في السواقي والجداول، وتغلغلت في جذور الأشجار التي تمايلت أغصانها طرباً وسعادة، وهي تودع الرِّياح الطيبة.
تمت
مجلة ماجد الاماراتية عدد يوم 20-2-2019