أخي لقمان: كيفَ أبكي عليك؟؟

  نارين عمر

في صباح ربيعي هادئ, تتعانقُ فيه أزهار نيسان وورودها, تتبادل السّلامات والتّحيات مع الفجر المشرق على قطرات النّدى المزهوةِ بجلوسها على عرش خدود الوريقات الخجلة, استجبتَ لنداءِ ملكِ الموتِ الذي لم يمهلكَ ولم يمهلنا لنفعل كما تفعل الطبيعة فنتعانقَ, ونتصافحَ قبل أن ترحلَ عنّا إلى العالم الآخر
وتمتطي صهوة المنّية إلى جانبِ الملك الذي فقد حاسة النّسيان بما سيجري بمَنْ تركهم من بعدكَ, لا أدري إن كنتَ قد طرحتَ عليه السّؤال الذي طالما كنّا نطرحه على بعضنا البعض وما زلنا:
لماذا يضمرُ لنا ملكُ الموتِ كلّ هذه المودة العميقة؟! لماذا يكنّ لنا هذا العشقَ اللامتناهي؟؟!! فيرعانا بظلّ تواصله, ويحمينا بتقرّبه إلينا بين فترةٍ قصيرةٍ وأختها.
بكيتُ عليكَ شقيقي بحرقةٍ ما بعدها حرقة, ولما حاولتُ أن أحصي خصالك ,أدركتُ أنّي لو استمريتُ في تعدادها لأظلّ أبكي عليكَ العمر كلّه:
أيّها الأشقرُ الجميل, يا صاحب العينين الشّهلاوتين, يا الطيّب طيبة القدّيس, يا البريء براءة الأطفال, يا الكريم السّخي, يا النّبيل المتواضعَ, الخجول, المحبّ لكلّ النّاس, يا أيّها الغريب الذي نالَ من الغربة مرّها وجبروتها أضعاف ما نال من حلاوتها وطيبتها, يا الوحيد الذي رافقته الوحدة حتى باتتْ صديقته في وحشةِ الليالي, يا تعيسَ الطموحات والأحلام وما كان أكثرها, يا عاشق الحياةِ حتى الرّمق الأخير.
أأبكي عليكَ, أم على أبويكَ اللذين نجهلُ ملامحهما بعدما رحلا مبكراً ولم يورّثانا سوى اسمين, أم على أختيك اللتين كانتا مضربَ المثل في الأدب والنّزاهةِ والاتزان ورحلتا في نيسان العمر مثلك ؟؟!! أم على حالي الثملة بخمر الآهاتِ والحسرات؟؟
صدقني أنا حائرة فيما أكتبُ, قلمي المعروف بسلاسته, وسرعةِ بداهته يقفُ الآن حائراً مثلي, لايدري ماذا يكتب, وكيفَ يعبّر, وكأنّ شللاً نصفياً قد تسللَ إلى أوصاله, أفقده القدرة على الحراك بحرّيةٍ وعفوية.
أخي المأسوفِ على شبابه:
عزائي الوحيد أنّكَ رحلتَ, ونحن مَنْ سنلحقُ بك /نحن البشر الأحياء جميعاً/ عاجلاً كان أم آجلاً, وأنّ الملك لابدّ أن يحلّ ضيفاً على جميع الكائناتِ بدون استثناء, وأنّكَ رحلتَ وأنتَ في غاية الثراء والغنى: بطيبتك, وعطفكَ وإخلاصكَ وتواصلك الدّائم مع ربّكَ, ومع عباد ربّك على المحبةِ والكلمة الطيّبة والألفةِ والوئام.
لتعلمَ الحياة أنّنا سنظلّ دوماً مستعدين لتلقي كلّ أمواجها الهادئةِ منها والعاتية, وأنّنا سنظلّ نعشقها ونسعى لتحويل مرّها إلى الحلو, وشقائها إلى السّعادة, وضبابها إلى الصّحو والصّفاء, ولن نستسلمَ كما لم تستسلم أنتَ ما دام دم الحياةِ يجري في عروقنا.
عليك رحمة الله عزيزي وعلينا أجمعين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…