ابراهيم زورو
كثيرة هي أنوات الشعراء وكثيرة هي مشاكلهم في سبيل تثبيت الأنا في نصوصهم وبأي طريقة كانت، وهو أمر معروف في عالم الأدب ولكن وحدته هذه لم تكن مغلفة ذات يوم بخندق كي يتمركز، “أنا” الشاعر يبقى فقيراً ومسكيناً يرأف به في أحسن الأحوال وهو عبر هذه النقطة يدخل عالم الأدب كي يحكي عن نفسه في جل أماكن تواجده، أما إذا لم ترى مثل هذه النطفة الحبلى في ديواوينهم يبقى التساؤل قائماً لماذا؟ أين أناه؟ لماذا هرب منه؟
هو قضية ليست سهلة علينا أن نبحث بين السطور لما أهمل الشاعر أناه الذي هو صفة ملازمة له أنىّ حط به الرحال؟ لما تركتَ أناك في البيت وأتيت بدونه؟ سؤال يحير قليلاً فرّب سائل يقول نعم أنه مع ذاته؟ قسماته، حركاته، قامته، حيّزه، أليست تلك الصفات ملازمة لوجود الأنا؟
نعم هذه الاشياء تبقى صفة للشكل فقط، أنه هو مع ذاته أو ذاته معه؟ بدليل أنه يقف أمامك بكلّه! لا شيء ينقصه أبداً، ليس هذا هو الأنا الذي يتحفنا به! هو أناه الذي يجلس في نفسه ولا يستقبل أحداً، ولا يحترم أحداً أن سلمتَ عليه ربما يزم بشفتيه قليلاً ولا يعير لك أنتباهاً؟ لا شريك له في عالمه أن وجود كهذا له ملامحه أن يستوطن الأماكن ويحتل الأبدان ويزهق أنا الآخرين كي يسمع إلى أناه؟ فتثبيت الأنا ليست كلمة جزافاً ترمى على مكان ما وتمضي ليختمر أناك في اليوم الثاني، ليس هذا وحسب وأنما أناك يجب أن لا يجاوره أنوات الآخرين، فأن وجود ذوات أخرى بجانبي أمر مهم كي يسمعوا إليّ ولكن ليكونوا صامتين ويكتفوا لحالة السكوت، فقط عيونهم ترف وترى على وجههم قسمات الرضى عن أناي فلا بأس هذا، أي أناكم يجب أن يكون رديفاً ومعززاً لأناي وإلا،،، هنا لم ترى هذا السخي، الكريم، الذي يمنح وجوده لأنوات الآخرين أن تكون يانعة وليست بائتة من صنع قرن مضى! يزجيك عبر كلمات متداولة بين التي تصدر عبر الأنا أو ياء المخاطبة! أنما مثل تلك الصفات التي تدخل الاشياء كي تصبغها بصبغتها دون أي مقدمات أو نتائج! في ديوان للشاعر الدكتور هشام قاسم حسن حيث سجل بقلمه! عادة ننسب أو ينسب كتاب ما إلى أسم صاحبه بالبونت العريض كما يقال، هنا الأمر مختلف كلياً بقلمه أنه قمة وجود الأنا في هذا الغلاف أنه ينسبه لقلمه أنه يقول لك هذا الكتاب: شجون وقبس والقلم كلها لي! تصوروا كم هو غني هذا الرجل! ونحن نعلم ما للقلم من معنى في حقول الثقافة والعلم، وما له من معنى في علم النفس! أنه يرش الحبر كي يعمق وجوده ويعطي أبعاداً لوجوده كي يكون له أمتداد في الحياة، بكل هدوء دس أنفه في الوجود وعزز من أناه بطريقة مغلفة، علماً كلنا نعلم أن أي ديوان كُتبَ بقلم ما، أما أنه ينسب لذاته القلمَ أيضاً، والقلم شكل أخر من الأنا وتعزيزاً له، وما يدعم قولنا فيما ذهبنا إليه عديد من القصائد العمودية التي أبدعها هشام قاسم حسن، في ديوانه الذي جاء بشكل أنيق من حيث أن للجميع لهم مكانتهم في الحديث الذي أُبدع فيه، عن شعبه ووطنه أما فنانين العراق فحصْتهم من الحزن أكبر من كل الموجودين على كرتنا الأرضية منذ زمن بعيد وهو أمر قد ألفوها كل من يبدع في الأدب والشعر أو في أي جنس ادبي آخر، ولو كنت مغنياً على قارعة الطريق وتريد أن تبكي فما عليك إلا بمقطع لأغنية عراقية!.
الشاعر هشام لم يشذ كالشكل عن هذه المعادلة بكلمة شجون التي جاءت بصفة الجمع ويوظفها تثبيتاً لقول أنا الذي احبه هشام شاعراً، والملفت للنظر هنا بشكل جلي يشذ عن الآخرين في رفع الجنس عن مجموعته ففي قصيدته: أنا، يحكي هشام عن أناه بصيغة أخرى إذا لم يكن أناه مساعدة الآخرين بود وحنان فلا قيمة لهذا الأنا: ” أنا للحب فراشه/أنا للقلب ارتعاشه، ليتني عين لتروي/ في سبيل من عطاشى، فأعيد للفرح صبحا/يكسو للوجه بشاشه، وأسامر كل سهد/ألف ليلة في فراشه، وأجادل كل حزن/علني أكسب نقاشه”…. تصور القافية هنا جاءت هاء، من أجله أنايَ، أنا خلقت كي أسعده! وهذا يلائم معنى هشام إذا قلنا مع المثل الدارج لكل أمرىء من اسمه نصيب! فشاعرنا من اسمه واسم والده نصيب الاكبر في اسعاد الآخرين ولا نستغرب هنا كون والده كان معطاء أيضاً لجهة شعبه وجعل أناه شائعاً لكل الناس في سبيل محاربة الجوع والحرمان وابعاد الألم عن وجوه الآخرين، أليست تربية الأب تظهر جلياً في هشام كتربية حسنة وهشام هنا يرد لوالده دينه النظيف بالسلف والربا! ويحكي له هذه تربيتك لا تخف جهودك لم تذهب سدى! نم قرير الضمير، ليتني” عين لتروى! العطاشا”،،، على الآخر أن يشرب من اناه المشلوف على قارعة الناس، إن تعالوا إلى عين ماء وارتووا مني هي سعادتي وعمق وجودي أو نقطة الارتكاز التي خلقت لأجلها، ولا ننسى إلى جانب كونه طبيباً يسهر على راحة الناس أيضاً ربما وظيفته كطبيب جاءت على هذه القافية، رغم أن قصيدته الأناني تأخذ منحى آخر فهو في حزنه مجبول ويبغي من الناس أن يشعروا بأناه: ” إن قالوا عني يسأل/هو أدرى بمكاني، وإن كان العذر حلاً/حسبه أن قد نساني” أناه وأنانيته مربوطان بوتد الناس عليهم أن يعرفوه أنه الحزن الذي يعانيه فعلى الآخرين أن يألفوه، كما هو معروف عن الأناني الذي يأكل على حساب الآخرين يفرح على حسابهم لا أهمية للآخر عنده، عكس ما هو لدى هشام قاسم حسن، حتى أنه يكتب أسمه بالكامل على التقارير والوصفات الطبية وإن دل على شيء فأنه يدل على أن سبب شفاءه هو الأنا الذي هو الدكتور هشام قاسم حسن. لا أريد هنا أن أسهبَ أكثر في هذا المنحى عن الشاعر الطبيب هشام قاسم حسن، فهو يشفي الناس بلغات مختلفة عربية، سويدية وانكليزية من منهل العلم وموطنه في جامعة المستنصرية في العراق، أنه صناعة وطنية عراقية لشفاء البشر من مختلف البلدان، السويد، سوريا، صومال، اريتريا، فلسطين، نروج، دانمارك، الصين، يونان، غانا، وكل المهاجرين الذين أتوا إلى السويد ربما أن يمروا على هشام بلغته العربية أو السويدية أنه نموذج أو خيمة أناه المنصوب بفرح على حياة الناس ويعيد الشفاء والبسمة إلى وجوه زائريه، هذا الشكل من الأنا يقينا لن تحظى به يوماً ما لدى شاعر ما، فهو مليء بهذه الوحدة الأنيقة إلى حد التخمة، شكرا هشام الشاعر الطبيب والأديب، كلها علامات ومواصفات لخدمة الآخرين،