أجرى الحوار ماجد ع محمد
منذ مطلع العام الجاري ولوحات الفنانين السوريين تجوب المدن التركية في حركة فنية نشطة تريد القول للعالم بأن السوري قادر على أن يرسم البسمة على شفاه الأطفال والنساء رغم الظروف العصيبة التي يمر بها، وقادر على أن يكون من صنّاع الجمال في هذا العالم الذي يشعر الفرد السوري بأن أنظمته تقاعست ولم تقم بواجبها الإنساني تجاه الشعب السوري الذي يعيش المحنة منذ ثماني سنوات، وفي الآونة الأخيرة شارك فنانون كرد وعرب وأمازيغ وأتراك وسوريون في إقامة معرض فني بعنوان “الفن يوحد الشعوب” في مدينة غازي عنتاب التركية، ومن بعض الفنانين السوريين الذين شاركوا في تلك الأنشطة بقوة كان لنا لقاء مع الفنان التشكيلي الكردي، دلباز برازي، المقيم في مدينة غازي عنتاب التركية.
1 ـ ما الرسالة التي أردتم إيصالها من خلال الزخم القوي في مشاركات الفنانين السوريين في معرض “الفن يوحد الشعوب” الذي أقيم في الشهر الثامن من العام الحالي بمدينة غازي عنتاب التركية؟
في البداية أود أن أقدم للعالم فكرة أن الفن لا يعرف الحدود، وأنا كفنان كوردي سوري أحب العيش في عالم يسوده السلام خالي من الصراعات والحروب، كما بودي إخباركم بأن جمعية “لوحات بلا حدود” أسستها بعد جهود ستة أشهر متواصلة إلى أن استطعنا إقامة معرض دولي في مدينة غازي عنتاب، وذلك بعد أن تم تشكيل فريق للجمعية، واختيار فنّانَين من كل مدينة من بين مجموع 12 مدينة، أحدهم بمثابة مدير والآخر منسق لفريق الجمعية، والمعرض الدولي أقيم عقب نجاحنا في تأسيس “جمعية لوحات بلا حدود” والمعرض كان تحت عنوان: “الفن يوحد الشعوب”.
2 ـ بما أنكَ رئيس جمعية “لوحات بلا حدود الدولية” هل فعلاً استطعتم تخطي الحدود عبر ألوانكم وإيصال معاناة الشعب السوري إلى كل جمهور الفن في العالم؟
أعتقد أن مشاركة 112 فنان من 12 دولة ضمن فكرة واحدة، في معرض فني دليل على إزالة الحدود أمام الفن، وإيصال مأساة الشعب السوري عبر الرسالة الفنية إلى الدول الاقليمية خاصةً وإلى العالم بوجه عام.
3 ـ أكان لمشاهِد القتل والنزوح والتهجير والدمار في سورية تأثير مباشر على ريشتك ومسارك الفني؟ وبالتالي لم تعد كشخص وكفنان كما كنتَ قبيل 2011.
إن آثار الحرب وما تخلّفه من تشريد وتهجير ونزوح لا يمكن إلاّ تترك عظيم الأثر في نفوس الناس، فكيف بالفنان وهو الملم بكل ما يحدث في محيطه، فريشته لا يمكن إلاّ أن تغمس في لب هذا الوجع ربما يرى المتلقي ذلك بعينه في لوحاتي حتى قبل أحداث التي تجري في سورية، بما أن المنطقة برمتها تشهد مأساة إنسانية، فمثلاً ريشتي لا يمكن أن تكون حيادية أمام طفل يُقتل تحت ذراع والده مثل محمد الدرة، أو طفل يموت جوعاً على صدر أمه الذي أدركه الجفاف جرّاء الجوع والعطش.
4 ـ ما الآثار السلبية الواضحة للحرب على الحركة الفنية في عموم سورية، وعلى مسار الحركة الفنية في منطقتكم على وجه الخصوص؟
إن الفنان بطبيعة الحال بحاجة إلى مساحة من الحرية والأمان حتى يتمكن من إبراز موهبته بالشكل الذي يريده، والفن في الأول والأخير هو رديف الحرية، فلا يمكننا أن نرى نتاجاً فنياً هادفاً ما لم يكن ثمة بيئة ملائمة تساعد على ذلك، وما رأيناه من ظروف قاسيه رافقت الحرب بالإضافة الى الاحوال المادية السيئة للفنان التي تمنعه في أحسن الاحوال من الحصول على أساسيات الرسم أو التنقل من مكان لآخر لهدف متابعة المسيرة الفنية أو المشاركة في المعارض في مدن اخرى كل هذا ساعد على شل الحركة وتراجعها في وقت ما .. وهذا ما ساعد نوعاً ما على بزوغ فكرة جمعيتنا لتقف مع الفنان أياً كان وضعه وحاله، وأينما كان متواجداً يعني أردنا أن يتغلب الفنان على كل الأوضاع القاهرة التي تحد من إبداعه بداية بالمشاركة على السوشيال ميديا انتهاءً بالمعارض الدولية مثل تركيا وغداً انشاء لله ألمانيا أو فرنسا ..الخ.
5 ـ ثمة وسائل إعلامية عملت على تشويه صورة اللاجئ السوري في تركيا، أنتم كفنانين سوريين هل استطعتم نوعاً ما تصحيح هذه الصورة من خلال انخراطكم في الأنشطة الفنية بتركيا وتواصلكم مع النخبة الثقافية بتركيا؟
الجميل في الفن هو أنه يتحدث عنك دون الحاجة الى أن تتحدث أنت، يعني يختصر عليك اللغات وفنون القول؛ وانطلاقاً من هنا ومن كون الفنان لاجئاً ومن بيئة اخرى، فهذا يُمكّن البيئة المضيفة من التعرف على فكر اللاجئ وما عاناه من ظروف الحرب، وهذا يتحمله الفنان كونه يمثل هوية مجتمعه في السراء والضراء، أي أن الفرد في هذا البلد أصبحت عنده فكره إيجابيه عن اللاجئ خصوصاً وانه قد لاقى الويلات حتى اضطر لترك بلاده؛ وقد يساعد على ذلك لوحة واقعية أو سريالية فيها من النزوح والتهجير وألوان حارة يعدها الفنان في مرسمه.
6 ـ يُقال بأن أوّل تجربة حقيقية لكَ مع الفن التشكيلي كانت في عام 1995 عبر لوحة إنسانية عن معاناة شعوب المناطق الأفريقية وأطفالهم، فهل حساسيتك وحسك الإنساني العابر للحدود سبّب لك المزيد من الألم أم ساعدك على الانطلاق إلى مساحات أرحب من الجغرافية السورية؟
أجل، هذا صحيح وكان وجه الأم مع طفلها الرضيع وهي فارغة اليدين هاربة من جحيم الحرب والفقر والمجاعة محل الألم والمعاناة بحد ذاته، إن مشهداً كهذا لا يمكن أن يغادر ذهن المبدع أيا كان شاعراً أو روائياً أو فناناً، ناهيك على أن هذه الصور تتكرر مع كل جديد على الأوضاع السياسية ذلك أن الفقراء هم دائماً يدفعون فواتير الكبار هذا كله يخلق ألما للفنان، ويضعه تحت طائلة المسؤولية عما يقدمه؛ كما أن لوحة إنسانية فيها رسالة يمكن أن تكسر الحواجز والجغرافيا ثم أن لغة اللوحة يمكن أن تكون سفيرة لأهلها.
7 ـ سؤال مركّب: بين أوّل معرض فني شاركت به في رأس العين عام 2001 إلى آخر معرض شاركت به في تركيا في 2019، ما الذي لم تعد مشدوداً إليه بقوة؟ وما الذي ما تزال متمسكاً به؟ وما المشترك بين كل المراحل السابقة؟
إن هذه الأعوام الطويلة بحالها يمكن أن تغيّر في فكر الإنسان الكثير من الخبرات والتجارب ومع صقل الانسان في أحد المجالات يمكن أن يعيد في حساباته الكثير، فمثلاً لم تعد فكرة أن تكون لدي معارض كثيرة والكثير من اللوحات هدفاً، فبالعكس أصبحت نوعية الأعمال والألوان والمعارض هي الهدف.
8 ـ أثمة مدرسة فنية ما ترى نفسك من المنتمين إليها؟ أم أنك لم تستطع أن تبقى حبيس هواجس مدرسة فنية واحدة؟
بتصوري أن كل مدرسة فنية لها جمالها وخصوصيتها، وكل واحدة منها يمكن أن تترك أثراً عظيماً لدى الفنان وغنى للفكر الابداعي، ولا يمكن أن نلغي واحدة منها، فكل واحدة منها تكمل الثانية، لذا أن تكون ميالاً لأحد المدارس أمر واقعي جداً، بينما أن تكون حبيساً في مدرسة صعب للغاية.
9 ـ الذاكرة معين لا ينضب بالنسبة للمبدعين بشكل عام، وعلى المستوى الشخصي فهل الذاكرة ما تزال هي الرافد الأعظم بالنسبة لك؟ أم أن لديك أكثر من رافد يصب في خضم مسارك الإبداعي؟
ذاكرة الطفولة قوية ترافقك أينما ذهبت، كما قد تعود لتفرض نفسها في المستقبل، وتكون عادة هي العنصر البارز الذي يؤثر على مسيرة الفنان، ولكنها حتماً ليست الوجهة الوحيدة التي اعتمد عليها، فالواقع المكتظ بالصور ومشاهد الحرمان والقهر والعنف كل ذلك بالإضافة لما تصل إليه المدارس الفنية في عموم العالم.
10 ـ فنياً هل ترك فيكَ المكان الأوّل أثر لا يمكنك تجاوزه وهو يعيدك إليه مهما بعدتَ عنه جسدياً؟ وهل الترحال جعلك تتواءم مع جميع الأمكنة أم أنه أوصلك إلى ديار القلق؟
المكان الأول دائماً له النصيب الكبير في ذاكرة الانسان أياً كان، فينابيع مدينتا وأشجارها وأحياؤها وبساتينها دائماً ما ترافقني، ويظهر هذا جلياً في لوحاتي الواقعية، لكن مع مرور الوقت وبعد معاناة وطول انتظار تمكنت من خلق بيئتي الخاصة والتي تتسم نوعاً ما بالاستقرار.
11 ـ رسمتَ اللوحات الواقعية والتجريدية والسريالية ولوحات رباعية التقسيم والكتل ولوحات بقلم الفحم، السؤال هل طبيعة الفكرة تفرض نفسها عليك فتجسدها بالتالي بما يتواءم معها من الأنماط والألوان؟ أم أن النمط الواحد يضيق بك لذا تلجأ إلى أكثر من مدرسة واسلوب؟
انني ومنذ بداياتي دائماً أؤمن بأن الفكرة هي التي تحكم في مسار اللوحة، فمثلاً إذا تزاحمت عندك الأفكار وتذكرت الوطن، النزوح، اللجوء، التهجير، التشرد الفراق، الفقر، والجهل، فأنت بحاجة سريعة الى لوحة تتنمي الى أحد المدارس التشكيلية لتستوعب الكم الهائل من الأفكار والرسائل، وبالنهاية الفكرة نفسها تنساب تلقائياً باتجاه نمط فني معين أو مدرسة من المدارس من دون أي قسر أو مخطط مسبق.
نماذج من أعمال الفنان دلباز برازي: