صبري رسول
نشر موقع ولاتي مه نصّاً «نقدياً» للسيدة كلستان المرعي بعنوان (عصمت الدوسكي القلم العاشق في الزمن المحترق).
لا أعرف السيدة كلستان، بكلّ تأكيد، ولا السيد دوسكي، لكن من خلال “نصّها النقدي” عن تجربته الشعرية، رفعتْهُ إلى مدارج العُلا الخالدة في الشّعر، وكأننا أمام “دانتي الكردي” أو كأنّنا سنختلف على تأويل تعبيراته الشعرية، المكافئة لشعرية أبي العلاء وفلسفته، وربما تتفوّق قصائدُه على تراث أحمدي خاني وعلى (الشيرازيين) سعدي وحافظ. المديح المجاني الذي تغنّيه السيدة المرعي من دون تقديم مسوّغ نقدي واضح، يجعلها في موقفٍ ضعيف في المواجهات النقدية.
لقد نصبَت نفسَها “قدامة بن جعفر” في نقد الشعر. و”أبو هلال العسكري” في الصناعتين. وابن سلام في طبقات الشعراء والجاحظ في البيان والتبيين، وابن قتيبة في نقد الشعر، وابن المعتز في البديع، وجعلت السّيدَ عصمت دوسكي أحد العظماء في الشّعر. فقد كتبتْ جملة الرأي مبتدئةً بضمير “أنا” لتكون الجملة الاسمية غير قابلة للتغير. «أنا أقول لو كان عند الدوسكي قصيدة “أنا آذار”, وقصيدة “سفير بلا سفارة وأديب بلا أدب” , لكان أشعر الناس».
سأقف عند بعض آرائها، والحديث في المقطعين الأول والثّاني، وأترك الثّالث للقارئ، فالمقاطع التي اتّكأت عليها “الناقدة” لتُقنِعنا بآرائها هي نفسها ضعيفة وفيها أخطاء.
حيث أخذتْ مقطع “أنا آذار” كأحد الشّواهد:
«أنا آذار …
أنا كل الفصول العاشقة
للجمال والحب والأحرار
أنا آذار
مهما أمطرت على قلبي الأحجار
أنا آذار
مهما تراءت في الرؤى قيود وأسوار
مهما غزت حقولي جراد وحريق وإعصار
أنا آذار
مهما دمروا بيتي وقرطاسي
وتشردت حروف الدار»
يطغى على هذا المقطع التعبيرُ الإنشائي، وقد يحقّ لنا تصنيفه في أي فنٍّ كتابي، نثر، الشعر النثري، الخاطرة الشعرية، إلا الشّعر، فلا نستطيع تصنيفه في «فنّ الشّعر»، ورغم ذلك ترى السّيدةُ المرعي أنّ هذه القصيدة تجعله من “أشعر النّاس”.
« أنا كل الفصول العاشقة/ للجمال والحب والأحرار» أين الشّعر في هذه العبارة الشبيهة بخواطر الطّلاب في المرحلة الإعدادية؟. أم تكمن الشعرية في القافية التي أقحمت نفسها بشكل فجّ في نهايات الجمل؟ (أحرار، أحجار، أسوار، إعصار. طبعاً بالتّناغم مع آذار 0/0/
الشطر: وزن هذا الشّطر( أنا كل الفصول العاشقة (0///0/0/0//0/0/0// ) لا يستقيم مع بقية النّص، ولا يستقيم مع المعيار الشعري أصلاً.
تستشهد “الناقدة” بمقولة (الفرزدق ينحت من صخر, والجرير يغرف من بحر). فتجعل من شاعرنا دوسكي بمصافي (مَنْ يغرف من البحر) لغزارته الشّعرية، حيث قالت: «وأنا أقول الدوسكي يغرف من بحر, أي يأتي بالكثير وبدون صعوبة» بل تذهب إلى أبعد من هذا، حيث تؤكّد على ما قاله توفيق الحكيم: (الأديب أو الشاعر الذي يؤثر في الناس في عصره يبقى خالدا) فتجعل الدوسكي منهم «وستبقى بصماته وسطوره مسطرة عبر التاريخ».
تسوق “الكاتبة” كلستان أمثلة من مقاطعه الشعرية، فيظن القارئ قبل قراءة المقطوعة أنّه سيطير على أجنحة المخيال إلى الأعالي الشّاهقة، وقد تخطفُه الصّور الشّعرية إلى “الفردوس المفقود”. وقد يوازي في تحلّقه رباعيات الخيام، ولن يتمنّى الاستيقاظ من الحلم الشّعري، أما إذا وصل من خلال قراءة هادئة مركّزة إلى المقطوعة “مثال الاستشهاد” فيصطدم بنصّ مترهّل يتمنى لو لم يقرأه. تقول في حقل رؤاها النقدية: «أما في قصيدة الحب وكورونا ذو ألفاظ ناعمة ذات رنة موسيقية. التي نحسها في معظم قصائده وفي خصائصه الشعرية رقة متناهية, هذه القصيدة حرب بين الحب وكورنا, رغم وجود مساحة كبيرة من الألفاظ الرقيقة السلسة التي يكشف من خلالها الواقع المؤلم الذي يمر به الإنسان». نلاحظ ارتباكاً واضحاً في الصّياغة التركيبية، وتنافراً بين الجمل، هل يستطيع أيّ قارئ حصيف هضمَ هذه العبارات؟ «رغم وجود مساحة كبيرة من الألفاظ الرقيقة السلسة التي يكشف من خلالها الواقع المؤلم الذي يمر به الإنسان». أما المقطع الشاهد على كلامها:
«حبيبتي
أنت الحب
رغم الحروب ، الخراب ، وهذيانا (هذيانا رؤوسنا، عريانا، أوطانا، كورونا)
رغم الضياع والهجرة والتشرد
وحملنا الخيام فوق رؤوسنا
رغم صخب البحار وأشواك الحدود
والضرب على أجساد عريانا
رغم حرقة الدموع على خدود
يبست من غربة أوطانا
نعم حبيبتي
أنت الحب
ومن غير الحب يقتل
كل داء حتى لو كان كورونا».
في المقطع السّابق سيطول بحثُ القارئ عن الشّعر ولن يجده فيه، إلا إذا حسِبت “الناقدةُ” التي ذيَّلتْ اسَمها بـ«أستاذة جامعية» بأنّ نهايات “نا” في الكلمات السابقة (هذيانا رؤوسنا، عريانا، أوطانا، كورونا) هي الشّعر، من دون الوزن والقافية والرّوي، ومن دون الصّورة الشّعرية التي غابت من النّصوص.
لا تكتفي “الكاتبة” بالمديح وهي تُمسِكُ بشال «النّقد» وتهزّه لـ”قصائد” تخلو من الشعر، وتخلو من الوزن السليم، بل تصفه “بالكبير” فتُبدي رأياً “نقديا” دون أنْ تحسب أن قارئاً بسيطاً قد يقرأ النّص ، حيث تقول: «وها هو الشاعر الكبير عصمت الدوسكي في قصيدة رائعة وبنزعة عاطفية يبين فيها كيف أن الحب باق رغم كل الحروب والدمار والخراب والهجرة ….يعريهم الشاعر ويكشف غطاء جبروتهم وكيف وقفوا عاجزين أمام هذا الكائن الضئيل…. كل ذلك يكتبه بأسلوب سلس وجميل حيث لا يصعب على القارئ الإبحار مع الصّور الشّعرية والمعاني الإنسانية». من دون شكّ أن القيم النّقدية التي أكثرت منها “الكاتبة” لا علاقة لها بالنّظريات النقدية بالمفهوم النّقدي الحديث، ولا حتى القديم، بل هي مجرّد رصف جملٍ مدائحية لا ترتقي إلى التّحليل النّقدي. الشّاعر أخطأ في وصف حجم كورونا وشبّهه بالجنّ لضآلة حجمه. أعتقد أنّه ليس هناك حجم “حسّيّ أو افتراضي” للجنّ، فالجنّ مخلوقات لا تخضع لمعايير الحجم والوزن، فأخطأت الكاتبة في الوصف نفسه. سأورد المقطوعة التي استشهدت بها “الكاتبة” وهي مليئة بأخطاء نحْوية وإملائية مثل (تنظفنا، تطهرنا) فكورونا مذكّر وليس مؤنّثاً، بالإضافة إلى الخطأ الإملائي (اجل)، وأعتقد أنّه من الضّرورة بمكان ألا تفوت مثل هذه الأخطاء على «أستاذة جامعية» تدرّس وتدرّب طلاباً على فهم النّصوص وتذوّق الجمال الفني. الأخطاء واضحة في هذا النّص:
«شكراً كورونا
جئت بحجمك الضئيل كالجن
تنظفنا، تطهرنا، تقدس ما فينا
تجمعنا ولا تفرقنا
نتذكر الله أكثر، ونحب أكثر
ونصلي من اجل أنفسنا
شكرا كورونا».
هل أكتفي بهذا؟ سأكتفي بهذا، ولن أقف عند المقطوعة الثالثة لأنّها ليست بأحسن من هاتين الشهادتين، كما لن أقف عند وصفها المقطع الأخير من رأيها النقدي، لأنّها تصف وضعه وشخصه وظروفه، ولن أتدخّل بما يخصّ خارج النّص. وأتمنّى أن يكون صدرُها واسعاً لتقبّل الرأي المختلف، والنّظر إلى النّص من زوايا أخرى.
ولا بدّ أخيراً أن نشير إلى هفوات كتابية لن أدقّق كثيراً عليها. الهفوات الكتابية في النّص مثلاً:
- أخطاء إملائية: (لكل زمن رجاله وشعراءه وعلمائه) رجالُه مبتدأ مؤخر، والمفردتان المتواليتان مرفوعتان لأنهما معطوفتان على المبتدأ، فالصحيح هو (شعراؤه وعلماؤه) وإذا لم تقتنع السيدة كلستان سأشير إلى الكثير.
- لا علاقة لعلامات التّرقيم في النّص، والعلامات هي أنفاس لتنظيمه، وهنا هي منثورة عشوائياً وليست في مواضعها.
- النّص مليء بأخطاء كتابية (املائية، طباعية، تعبيرية…)إلخ