استهلال القصة جاء ضعيفاً، لم يخلق التشويق الذي يشدّ القارئ، والاستهلال الناجح يجعل البداية قوية، «حقا لم أتغير كثيراً ؟ أجابته برنة آسى وحزن دفين!» البداية المشوّقة تبدأ بجملة حركية يحفّز القارئ على المتابعة لمعرفة الحدث، بها يتكوّن الانطباع الأولي لدى القارئ. فلو كانت بالشكّل التالي لجعلتْ الاستهلال أقوى: «أجابتْه بنبرة حزنٍ لوَّنَتْ صوتها بالانكسار: حقّاً لم أتغيّر كثيراً؟ …»
الخاتمة أكثر نجاحاً من الاستهلال رغم انتهائها بجملة يمكن وصفها بالزائدة والحشو. الخاتمة التي تتميّز بالتلميح دون التصريح يترك أثراً قوياً لدى القارئ، مع مساحة كافية للتفكير. «كانت روجين قد رمت الهاتف بكل ما بقي فيها من قوة والتي غادرت جسمها إلى الأبد». في هذه القصة لا نجد تلك المساحة. ماذا لو اختتمت بهذه العبارة: «كان يواصل حديثه، دون انْ يشعر بأنّ قامتها الشّبيهة بالريحان قد خرَّت، وصوتُه يسيلُ من الهاتف المُلقى بجانبها…».
اللغة القصصية: هناك جملة من العيوب الفنية في اللغة السردية لهذا النّصّ:
أولاً: افتقادها إلى الرشاقة في استخدام المفردة الموحية، والتركيب «السّهل الممتنع» في أداء المعنى. تميّزت عبارات كثيرة بالرّكاكة، والارتباك في نقل المعنى، مع وجود بعض العبارات الجميلة رغم قلّتها. بقليلٍ من التركيز كان باستطاعتها تكثيف بعض الجمل وصياغتها من جديد للتغلّب على الركاكة.
ثانياً: لغة القصة القصيرة تكون سلسلة وجميلة لو اكتنزت بين سردِها صوراً شعرية، دون أنْ تغلب اللغة الشعرية أو الوصف الجميل على سير السّرد، ودون ان ننسى أنّ السّرد الفني حينما يفتقد عناصره الفنية يقترب من الحكاية، إذا تخلّلت كثافة الوصف الخيط السّردي قد لاتترك المجال له بوصفه فاعلية حكائية نشطة، يسير بنا إلى تفاصيل الأحداث، وعندما يخلو السرد من الوصف تغمره روح الحكاية، وتغيب جماليات اللغة ومتعتها. لذلك فالتوازن بين السّرد واستخدام الوصف التوظيفي من شأنه أنْ يقبض على النّص، فلا يتركه فريسة للترهّل، ولا يخطفه إلى الشعرية ليفقد بناءه القصصي.
لم تعد اللغة القصصية تلتزم ببعدها المعجمي في حمْل المعاني، بل أصبحت في الخطاب القصصي، لتشكيل الفضاء الجمالي القابل لتأويلات عدّة، تتخطّى المعنى اللغوي إلى بعدها السيميائي. «أنتَ تعلم فرص الزواج أصبحت شحيحة هنا ولم أرغب أن أتزوج إلا بشخص أحبه». هناك أوجه أخرى كثيرة يمكن التعبير عن هذه الفكرة، بطريقة سلسة ولغة «شَعْرَنة القصة» إذا صحّ التعبير. مثلاً: «لم تعد تصاريفُ القدر تدقّ أبواب فتياتٍ مللنَ من انتظار شبابٍ خبَّأتهم القبور الكثيرة، حياتهن معلّقة بمصادفاتٍ مجهولة»..
في المقطع التالي (أبقيتُ على ثلاثة أخطاء إملائية ونحْوية فيه دون تصحيح) يشعر القارئ أنّ أحداً ما يتحدّث بلغته المحكية عن العلاقة بين شخصين في إحدى جلسات السّهرة ولا يشعر المرء أنّه مقطعٌ من نصٍّ أدبي، «كانت روجين تخرج من مدرسة القادسية بعد انتهاء الدوام مع سرب الفتيات لينتظرها نضال على شارع عاموده والذي كان يخرج بدوره من مدرسة العروبة، فيمشي خلفها حتى يصلان الحارة الغربية ويدخلان شارع مطحنة البوظ يمشيان امتارا عديدة ومن ثم يلج كلاٌ إلى باب بيته» يخلو السّرد من الفنيات، ويخلو من أيّ توصيفٍ جميل، الخيال هنا في إجازة، لايكلّف نفسه عناء الطيران، كان يمكن للكاتبة أنْ تطلق العنان للخيال بعد عبارة «يدخلان شارع المطحنة» على النّحو التالي: (هذه المطحنة تكتنز ذكريات طفولتنا، حيث كان زعيقُ الشبان الصغار يعلو فوق البناء وهم يبيعون لوحات الجليد، كانوا حفاة، ينقلون الألواح إلى العربات، مقابل ربع ليرة)، أو «باتت المطحنة إحدى علامات الحيّ الغربي، يتغيّر العشاق ويرحلون، أو يكبرون، أو يتزوّجون، وتبقى المطحنة تواريخهم…» أما المقطع بذاك الشكل لا نجد فيه ما يجعلنا مشدودين إلى الحدث.
ثانياً: الحوار هو حديث فني للشخصية القصصية داخل القصة، وينتمى إلى عالم الفن، الحوار ليس وسيلة اتصال فقط كما في الحياة الفيزيائية، بل شكلٌ أو بكلمة أدق، أحد جوانب الشّكل الفني. لنقرأ الحوار التالي بشكله المنزل في القصة، بدون تنسيق، بدون الفصل بين المتحاورَينِ.
« وأخيراً حبيبي تحدد موعد المقابلة بعد عشرة أيام سأكون في بيروت أنا سعيدة ، منذ دهر لم أشعر بالسعادة هكذا ! ليتكَ كنتَ معي البحرُ هناك . جميلٌ في هذا الوقت.
هل زرتِ بيروت من قبل ؟ نعم أختي فريال تسكن في لبنان ألا تذكرها ؟ بالمناسبة نضال كنتُ أريدُ أن أخبركَ بشيء ،
لقد أجريتُ عملية…. صمتت قليلا لم تسمع أي تعليق فتابعت…أجريت عملية” تجميد البويضات” قال بهدوء ، تابعي، تابعي».
في هذا الحوار القصير لا يميّز القارئ بين الشخصيتين المتحاورتين فيه.
النّصّ مليء جداً بالأخطاء الإملائية والنحوية، ويُفترَض ألا يقع فيها كاتبٌ إذا كان له أكثر من مجموعة قصصٍ منشورة. النّصّ مكون من 724 كلمة، فيها أكثر من 25 خطأ كتابياَ، من نحوٍ وصرف وإملاء، وهناك عبارات كثيرة تتميّز بالركاكة والضعف، والنسيج القصصي في كلّيته يحتاج إلى إعادة الصياغة من جديد.
ما يُسعِف القصة من الانهيار هو الفكرة المطروحة، والعلاقة المشبوبة بالمخاطرة والمغامرة، والعودة إلى إحيائها بعد سنواتٍ طوال من الغياب. لكن أيكفي للقصة أنْ تستند إلى عكازة الفكرة وحدها؟. هناك مشكلة تتكرّر في المجتمع الكردي، تفاقمت بعد الأزمة العاصفة بسوريا منذ تسع سنوات، حتى باتت ظاهرة، ومعالجتها قصصياً أمر جميل ولافت؛ لكن الكاتبة لو تمهّلت في حياكة النسيج الفني، ولجأت إلى انتقاء اللغة المناسبة للخطاب القصصي لكان النّصّ جميلاً، فالتأنّي في النّشر أمرٌ محمودٌ.
ما ذكرتُه عن النّصّ مجرّد انطباعات شخصية كقارئ، وليس دراسةً أكاديمية.
الملاحظة الأخيرة تتعلّق باستخدام علامات الترقيم، يُلاحَظ القارئ أنّ حفنة من تلك العلامات مرشوشة على وجه النّص، كلّ منها استقرت بمكان ما بلا وظيفة.