كان يوماً من أيام الجمعة وأعتقد أن التاريخ كان 6 / 4 / 2007 إن لم تخنني ذاكرتي المتعبة, لكني متأكد من أن لجنة النشاطات الثقافية الكردية في القامشلي ـ وليست قامشلو كما يدّعي البعض ـ هي التي كانت تشرف على الأمسية الشعرية تلك.
المهم كنت بين الحاضرين ولاحظت على وجوه النساء هناك وفي أعينهن ألق الشعر وحرائقه, وكانت بالقرب من كل واحدة شجرة تكاد ترى بالعين, شجرة عليها أطفال وأقواس قزح وفراشات, وكنت أود أن أجلس تحت ظلال الأشجار تلك لأسمع الشعر منهنّ جميعاً بلا تحديد وبلا استثناء, إلا أن أربعة فقط قد ألقت ما تيسر لديها من شعر :
/ اوركيش إبراهيم, نارين عمر, نسرين تيللو, هيام عبد الرحمن /
مع وضع صفة ” الشاعرة ” أمام الأسماء التي ذكرتها, واحتراماً لمقولة “حسب الأحرف الهجائية” فقد أتى ترتيب الأسماء كما سبق, مع أن هذا الترتيب منطقي جداً بغض النظر عن الأحرف وأحوال مجيئها.
المهم أن إقامة مثل هذه النشاطات وحضور نخبة أنثوية موزّعة بين المثقفة والواعية والمهتمة يعدّ ويعتبر انجازاً رائعاً كون المرأة الكردية تعاني ما تعانيه في سبيل تحقيق رغبة مشروعة أو حلم.
وهنا أود أن أعلّق على بعض ما حدث كوني قرأت في عدة مواقع الكترونية تعليقات مزاجية وساذجة من أناس متخفين وراء أسماء رخيصة ومستعارة.
ولأبدأ بعريفة الحفل أو معدة الأمسية التي لم تكن تجيد لا اللغة الكردية ولا العربية ولم أجد مبرراً واحداً لاختيارها ومن عدم استبدالها بأخرى على الأقل تعرف كيف تتحدث بلغتها الأم, أي الكردية, اللهم إن كان الجمال هو المعيار الوحيد فأنا ابدي أسفي.
بعضهم تحدث عن الشعر ومصطلحاته دون أن يفقهوا ما تعنيه تلك المصطلحات, فمثلاً هناك من ردد أكثر من مرة عبارة “الانزياحات اللغوية” وأظن أن وجود هؤلاء البشر في مثل هذه الأمسيات مجرد انزياح مكاني لا أكثر ولا أقل .
النقد اللاذع والمزاجي وغير البناء إطلاقا الذي قام به عدد من المثقفين وأشباههم, أولئك الأشباه الذين يتكاثرون بشكل مرعب في كل دقيقة خاصة في الوسط الثقافي الكردي الانترنيتي __إن كنّا نعتقد أن هناك وسطاً ثقافياً كردياً معافى اليوم __
الشاعر “دلدار آشتي” الذي أطال الكلام كثيراً وكان باستطاعته إيصال أفكاره بربع المفردات, كان يضغط على مخارج الحروف ومداخلها ولا مانع لديه من القهقهة أحياناً لتذكره شيئاً يضيفه, ثم ليلتفت إلى الجالس على يساره كي يأخذ منه الإذن بمصطلح كردي جديد قد اخترعه الأخير في ليلة ليس فيها ضوء .
كان يبدو أن إبراهيم حسو و طه خليل يعانيان كثيرا وهما يستمعان للشاعرات, وعلامات عدم الرضى تظهر في حركاتهما وملامحهما المتجهمة, حيث أن طه خليل قد أفرغ علبة سجائره من التبرم ، وراح يستعير السجائر من جاره، وإبراهيم حسو عاد إلى التدخين رغم انه هجر الدخان منذ أيام التدريب العسكري الجامعي أي قبل عشرين عاما .
فقد قال إبراهيم حسو ــ على سبيل المثال ــ :
على الشاعرات الأربع الانتحار, وأرجو منهن عدم إلقاء هكذا كلام عادي تحت اسم الشعر مرة أخرى. أعتقد أن مقولة ” ليس على المجنون حرج ” تنطبق على السيد حسو لذلّك فلن أعلّلق على كلامه ولا على انتقاداته للأنثى الشاعرة .
والشاعر طه خليل وجّه كلامه قائلا :
لا اعتبر ما قدمتموه شعرا وان أي شخص عادي يمكنه أن يأتي بجمل كالتي سمعتها منكنّ, وأن الشاعر الذي يقول لمحبوبته : ” أحبك ” هو ليس بشاعر.
هناك آخرون كثر تحدثوا معلقين على الأمسية أو على كلام المنتقدين ، ولأن معظمهم تحدث لغايات أخرى بعيدة عن موضوع النقد ، وإنما دخل باب المجاملات ، أو باب الدفاع المستميت ، فاكتفي بما سبق .
لقطة 1 ” في جهة الغرب كانت امرأة شقراء تقول: ” وماذا بعد ” بعد كل مقولة تخرج من فم أي متحدث !!!” ولم تغلق تلفونها النقال أبدا ، وكانت تجيب على كل الاتصالات رغم تنبيه الجميع بضرورة إغلاق موبايلاتهم وعدم استخدام ميزة البلوتوث .
لقطة 2 ” امرأة اقتربت من طه خليل وقالت له بصوت عال ” جميل جداً انك تحدثت اليوم كي نكتشف حقيقتك!!!”
لقطة 3 “رجل طويل ، مفتول العضلات، كان يقول إنه ممثل مشهور ، ويناضل من اجل تحرير المرأة، ردد في نهاية الأمسية أغنية بمصاحبة فنانة : وكانت كلمات الأغنية تقول بما معناه : ” أيها الرجال افسحو ا المجال وتنحوا قليلا ، فان الشاعرات الكرديات قادمات بقوة “، وكان يضع عينه بعين طه خليل الذي كان لسوء حظه يجلس بجانبه ، فكان كلما يكرر لازمة الأغنية كان المسكين طه ينكمش على نفسه وينظر إليّ بعينين تكادان تدمعان كما لو انه يطلب مني النجدة “.
لقطة 4 “فتاة رقيقة عاتبت إبراهيم حسو كيف يطلب من الشاعرات الانتحار ، فرد عليها حسو قائلا : ” أصلا كان عليهن أن ينتحرن قبل هذه الأمسية بزمن بعيد ” ..!
لقطة 5 ” أما أنا … فقد كنت مرتبكا ، حتى أنني دلقت أبريق الماء ( الصلاحية ) مرتين ، واستغربت من يدي التي لم ترتجف منذ سنوات طويلة .. أكان قلبي في يدي ..؟ “
كان الشعر حاضراً كما أن النقد كان حاضرا أيضاً.. عكس ما ادعى بعضهم.
على أية حال الشاعرات كنّ جيدات شعرياً وهنّ لسن بحاجة إلى شهادات الاعتراف بهن ّ كشاعرات من أي كان, وأعتقد أنهنّ قد وصلن لمرحلة يمكنهن مواصلة الدرب بكل ثقة شعرية بالنفس والقلب معاً, فما قدمته كل من اوركيش ونارين وهيام ونسرين يندرج تحت اسم الشعر بل الشعر الجيد أيضاً وليس كلاما عاديا يقوله أي كان .
وأخيراً سأختتم ما بدأته ببيت للشاعر ابن خاتمة الأندلسي, هذا البيت الذي تذكرته بعد الأمسية مباشرة دون أن أعرف لماذا والى الآن ما زلت أردد: