المال أغلى من الصداقة ! .. قصة من قريتي

هيثم هورو 
 -1-
ذات يوم خرج تاجر من قريته ، مصطحباً معه بعضاً من الخراف والأغنام ، فراح يتجول في القرى المجاورة لقريته ، ولم يحالفه الحظ بأن يتاجر في تلك القرى ، الى أن أنتهى به المطاف في قرية صديقه الفلاح وأستطاع أن يبتاع منه بقرة حاملة ، ثم توجه الى قرية أخرى برفقة الحيوانات ، أنتبه التاجر أثناء المسير بأن البقرة ليست على ما يرام فهي مريضة ، وقال في قرارة نفسه لا شك أن صاحبها قد أرهقها كثيراً في حراثة الأرض منفرداً ومخالفة للأصول العامة ، ولذلك لا بد أن البقرة ستجهض قريباً أو انها ستموت في أية لحظة ، وهنا خطر له فكرة ماكرة للنجاة من تلك المصيبة المرتقبة حسب ظنه ، فقرر التوجه حالاً الى صديقه عمر الذي يمتهن تجارة المواشي . 
 -2-
وصل التاجر الماكر برفقة المواشي عند صديقه عمر ، الذي رحب به أفضل ترحاب ، وبعد تناول الغداء و برهة من الراحة ، سأل تاجر المواشي صديقه عمر هل تشتري هذه البقرة التي ستلد بعد شهرين وهي بصحة جيدة .
عمّ الفرح قلب عمر ، واثقاً من كلام صديقه ولم يدقق كثيراً ، ولا سيما أرخى السماء سدوله المظلمة ، و اتفقا على ثمن البقرة الذي سيسدده المشتري خلال ثلاثة أشهر . 
لا يبيت بائع البقرة عند صديقه عمر متذرعاً بحجج واهية ، لكن هاجسه دائماً قد تموت البقرة في تلك الليلة ، ثم يخسر ثمنها .
لكن في الحقيقة لم يخرج التاجر من تلك القرية فحسب بل بات عند صديق آخر ، وفي الصباح الباكر خرج من القرية مسرعاً خشيةً من ( يذوب الثلج و يبان المرج ) .
 -3-
اعتنى عمر بالبقرة ، ولا سيما هو من هواة تربية المواشي والزراعة ، وبعد فترة وجيزة ، قرر عمر حراثة قطعة أرض صغيرة بمحراثه ، لكن أصابته خيبة أمل عندما جلست البقرة بعد خطوات من المشي ، حينئذٍ أدرك عمر بأن بقرته تعاني من وباء ، فعاد مع بقرته وحصانه المشارك في قيادة المحراث ، ثم أخبر زوجته أمينة عن ما حصل معه في الحقل . 
مضت ثلاثة أشهر ، قرر التاجر الماكر الذهاب الى صديقه عمر ليتقاضى منه الدين المستحق عليه ، لكنه كان ينتابه قلق شديد ومؤكداً بأن البقرة انتقلت الى مثواها الأخير .
عندما وصل التاجر الى امام دار صديقه عمر ، مدّ رأسه من فوق السور المنخفض ليطمئن على وجود البقرة ، فرأها مربوطة بجذع شجرة التين وهناك عجلان يلعبان و يمرحان حولها ، وسرعان ما قرع الباب وهو متفائلاً ، ثم رحب عمر صديقه المحتال ، وبدأ يسأل بائع البقرة عن أحوال البقرة ، فأجابه عمر الحمد لله نحن بخير والبقرة بألف خير ، انها أنجبت توأماً ، ونشكر الله على اهدائه لنا الرزق الجميل . وهنا تجرأ التاجر بمصارحة صديقه عمر على تصرفه السيئ ، ثم أعتذر منه فأجابه عمر متسامحاً و أردف قائلاً : ( قل لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا ) وأن العفو من شيم الكرام يا صديقي ! . 
 -4-
سأل عمر صديقه التاجر هل تريد الدين المستحق ؟ أجابه التاجر إذا كنت تريد بيع البقرة سأشتريها منك ثانيةً قال عمر : بكل سرور فهي لك ، ثم اتفقا على ثمن البقرة وتم تسديد الدين ، وبعد ذلك خرج التاجر مع البقرة من دار عمر وهو متفائلاً جداً لمستقبل بقرته التي ستلد توأماً مرةً أخرى ، لكن بينما هو لا يزال في الطريق الى قريته فرأى البقرة قد وقعت طريحة على الأرض ، ثم أصابتها جلطة نهائية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…

سندس النجار

على مفارق السنين
التقينا ،
فازهرت المدائن
واستيقظ الخزامى
من غفوته العميقة
في دفق الشرايين ..
حين دخلنا جنائن البيلسان
ولمست اياديه يدي
غنى الحب على الافنان
باركتنا الفراشات
ورقصت العصافير
صادحة على غصون البان ..
غطتنا داليات العنب
فاحرقنا الليل بدفئ الحنين
ومن ندى الوجد
ملأنا جِرار الروح
نبيذا معتقا
ومن البرزخ
كوثرا وبريقا ..
واخيرا ..
افاقتنا مناقير حلم
ينزف دمعا ودما
كشمس الغروب …

خلات عمر

لم تكن البداية استثناءً،,, بل كانت كغيرها من حكايات القرى: رجل متعلّم، خريج شريعة، يكسو مظهره الوقار، ويلقى احترام الناس لأنه “إمام مسجد”. اختار أن يتزوّج فتاة لم تكمل الإعدادية من عمرها الدراسي، طفلة بيضاء شقراء، لا تعرف من الدنيا سوى براءة السنوات الأولى. كانت في عمر الورد حين حملت على كتفيها…

عصمت شاهين دوسكي

* يا تُرى كيف يكون وِصالُ الحبيبةِ، والحُبُّ بالتَّسَوُّلِ ؟
*الحياةِ تَطغى عليها المادّةُ لِتَحُو كُلَّ شيءٍ جميلٍ.
* الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌِّ آدابِ العالمِ.

الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌ مجدِّ آدابِ العالَمِ… يَتَفَوَّقُ هُنا وَهُناكَ، فَيَغدو ألمانية الشَّمسِ… تُبِعِثُ دِفئَها ونورَها إلى الصُّدورِ… الشِّعرُ خاصَّةً… هذا لا يعني أنه ليس هناك تَفَوُّقٌ في الجاوانبِ الأدبيَّةيَّةُِ الأخرى،…