أجرى الحوار: نصر محمد
في إطار سلسلة الحوارات التي اقوم بها بقصد إتاحة الفرصة أمام المهتمين بالشأن الثقافي والإبداعي والكتابة الأدبية بشكل عام و الذين يعانون من ضآلة المعلومات الشخصية عن أصحاب الإبداعات الثقافية. لذلك فان الحوار معهم يتيح للجميع التعرف عليهم عن قرب.
حوارنا اليوم يقود إلى سفر شيق يهب خصوبته للمتلقي بوصفه شهادة حسن النية في مصاحبة القصيدة لأسرارها الخبيئة بطيوبة نادرة. كما تحكمه الشساعة في طرح قضايا إبداعية وجمالية وتخيلية متعلقة بالإبداع. وزمن الكتابة والذكريات العتيقة مع طفولة وأول قصيدة طرية في بهو الذاكرة محكومة بدهشة الحنين.
هو حوار في اللغة وبها مع شاعر خبر أهوال المخاطرة في جب القصيدة. صاحب فتنة اللغة الشعرية منذ عقود منتشيا
بالكلمة العميقة. منقبا. جوالا. منعزلا. مندهشا. هادئا. وديعا صاحبا. ضاجا بالحياة. مشاكسا. مستسلما لنداء الشعر واقاصيه الرحبة والرحيبة. انه الشاعر الكردي السوري المغترب في ألمانيا ضيفنا وضيفكم لهذا اليوم محمد زادة شاعر ومسرحي كردي سوري مقيم في ألمانيا منذ سنوات.
من مواليد قرية معبطلي التابعة لمحافظة حلب السورية عام 1870 عمل مخرجا لفرقة المسرح الجامعي مابين عام1992 / 1996. صدر له // أمراء الوهلة الأولى // تماثيل الظل // التدوين الخامس للعمر // و // تفاصيل الملل // وهذا الاخير كانت عبارة عن عصارة المه وغربته وحنينه محاولا لملمة ماتبقى من انقاض الروح عبر المجموعات الثلاثة السابقة
لا تدخل الخمسين وحدك )
غادر منزلك بهدوء
أنزع أسمك من على الجرس
أتركه فارغآ كالحياة في داخله
لا تخف من ضيف مباغت
سيتصل بك يسألك عن أسمك
قف أمام أي بيت يسكنه عدة أشخاص
قف بثقة
ظهرك للباب
يدك على مقبضه وكأنك تسحبه
تأمل المارة لثوان
وأمضي وكأنك تسكن هنا
مع كل هؤلاء
لا تدخل الخمسين هكذا
بيدين مكسورتين
بحظ يابس
ووطن لا يضع الورد على قبور الحالمين
مزّق هذه الذاكرة
أنسى بيتك
ألم تخرج الآن من بيت يسكنه عدة أشخاص
وعلى الجرس أسماء لاتينية
أغلق هاتفك
غنّي الأغاني التي لا تفهما
ولا تتابع أخبار الموت
فلو مات حارس حديقة في الصين
ستقرأ بعد يومين بأنه نازح من سوريا
ولو سقط نيزك على هذه الأرض الواسعة
سيسقط في مدينتك
ولو طافت الأرض في السنغال
سيموت عجوز من حلب
أنسى أنك عشت خمسين عامآ بالصدفة
ووصلت بلادآ تحب الشجر والطرقات السريعة
والشقق الصغيرة المصممة لشخص واحد
وانسى الجيران الذين لا يرمون السلام
ورهبة الهدوء بعد الثامنة
والموسيقى التي تدل الشرطة إلى بيتك
أنسى كل هذا
ولا تدخل الخمسين وحدك
أوقف أية امرأة عابرة
أية سكّيرة
أو عاهرة
أمسك يدها لخمس دقائق
قل لها أخاف أن أدخل الخمسين وحدي
أرقص معها التانغو
عذّبها وأنت تشدّ على خصرها
تأكد من أنها حيّة
ثم عد إلى بيتك
عد ولو بعطر امرأة على أصابعك
ولا تدخل الخمسين وحدك .
……………………………………
ياقوت أبيض
– سافترض الان انك تقف مع الشعر في مكان ما وإنني التقيكما معا دون موعد. وان الشعر سيعرفني عليك. ماذا تتوقع أن يقول الشعر في تعريفه وتقديمه ل محمد زادة؟
* سيقول أنا النافذة الوحيدة التي يطل منها محمد زادة على عالمه الداخلي وأنا تفسير أحلامه وماضيه وحاضره وبمعنى أدق سيقول.. أنا صندوقه الأسود
– أسألك عن الكلمات الأولى.. الطفولة.. الزمان الأول.. المكان الأول. البيت.. ماهو التأثير الذي لا ينسى الذي تلقاه الشاعر من هناك وكيف كان؟
* الطفولة هي المكان الآمن الذي يعود إليه محمد كل حين محاولآ القاء هناك.
الزمان الأول هو الذي بدأ بطيئآ وترك أثرآ لكل الزمان.
البيت هو المكان الذي سكن الرأس المكان الذي لن يمسه الأذى كل الزمان.
التأثير الأول كان من الحكايات والملاحم الكردية وأبطالها الذين كنت أتخيل أشكالهم بدقة ثم من طبيعة عفرين بجبالها وأنهارها التي زرعت فيني روح التأمل مدى الحياة.
– أود أن اسمعك وانت تتحدث عن اللغة. علاقتك بها. قربك منها. كيف تحب أن تتحدث عن اللغة في الحياة وفي الشعر. من منكما يتحدث من خلال الاخر. انت ام اللغة ام انكما تتحدثان معا؟
* بما أن اللغة أداة معرفية ووسيلة من وسائل التفاهم أحاول دائمآ أن تكون بسيطة وجميلة في آن, علاقتي بها عميقة من حيث الاستخدام التصويري والتشكيلي كما لو أنها ريشة ولا أحب اللعب اللغوي وأبراز المهارات أريد لأي طفل أن يفهم لغتي , أنا أتحدث من خلالها لكنني أجعلها تحمل بصمتي وهويتي , وهي جزء لا ينفصل عني.
– قصيدة النثر عربيا في معركة دائمة. وأحيانا تأتي بعض الصرخات من أسماء رائدة لم تستسغ هذا المسار وسلمه الطويل أيضا. أعني مسار قصيدة النثر . هل قدر هذه القصيدة ان تبقى غريبة في الثقافة العربية؟
* الشرق يتعامل مع كل جديد على أنه مستورد وحتى مفهوم الحداثة نتعامل معه بهذا الأساس لكننا ننسى العامل الزمني, أقصد الفارق الزمني بين الشرق والغرب فهم يسبقوننا بمئة سنة تقريبآ وبهذا هم سباقون في المقارنة مع الشرق لكننا لو بنينا جدارآ يفصل بين الشرق والغرب فسنرى أننا سنصل وحدنا إلى الحداثة ولكن سنستغرق وقتآ أطول منهم بكثير. أما عن بقاءها غريبة فهذا الأمر لم يعد موجودآ لأن قصيدة النثر أثبتت أنها الأكثر قراءة وسرعان ما يتقبلها الفرد ويتغنى بها , أما عن المسار فهو منقسم مابين مقلدين للنثر الغربي ومجددين ومنهم من أضافوا لقصيدة النثر الكثير .
– من الملاحظ ان وتيرة نشر مجموعات شعرية غدت متسارعة. مقابل تراجع النقد. ماتفسير الشاعر محمد زادة لهذا التراجع النقدي؟
* سؤال مهم صديقي نصر.. فالأدب يحتاج للنقاد وكلما برز النقاد برز الأدب لكننا نفتقد للنقاد وهذا أمر مخيف يضع القارئ في حالة شك أمام ذائقته الشخصية والتفسير هو أن نقاد قصيدة التفعيلة أخذوا وضعية المزهرية من الشعر الحديث بل وحاربوه الأمر الذي خلق فراغآ في الساحة النقدية ويحاول بعض النقاد القلائل بمفردهم دفع الحالة النقدية إلى الأمام لكن هذا لا يكفي لأنهم قلّة أمثال الشاعرة جوانا أحسان بلحد والدكتور خالد حسين والشاعر والناقد محمد المطرود
– ما احب الأوقات في الكتابة إليك وما تأثير الليل عليك انطلاقا من مقولة // الليل وحي الشعراء //؟
* لا وقت لدي للكتابة فأنا أكتب في مكان وزمان أمّا الليل فيساعد على خلق الهدوء الذي نحتاجه وقت الكتابة
– الشاعر محمد زادة إلى أي مدى يعني لك الشعر؟ وبنظام حسابي أين موقعه في حياتك؟ وكيف ترى المشهد الشعري العربي حاليا؟
* الشعر يعني لي الأستمرارية في الحياة إذا توقف الشعر توقفت الحياة عندي، المشهد الشعري العربي والكردي في حالة تجريب وتخبط وهذا الأمر مهم في سيرة الشعر لأنه في النهاية سيسفر عن تبلور تجارب شعرية كبيرة فأستطيع القول أن التجربة العربية في الشعر في حالة جيدة الآن أما التجربة الكردية فهي ضعيفة للأسف رفم وجود بعض الأسماء لكن هذا لا يكفي لثقافة شعب
– يقول الشاعر // لويس اراغون // لولا الشعر لأصبنا جميعا بالسكتة القلبية.. أليس العالم بدون شعر خراب وحواء. ما رأيك بهذه المقولة من وجهة نظرك الشعرية؟
* هي مقولة جميلة لها معنى آخر في حياة اراغون فهو من أشهر شعراء المقاومة الفرنسية ضد الألمان ورأى في الشعر سلاحآ يستطيع المرء أن يحارب به , من وجهة نظري كم ستكون الحياة بائسة بلا شعر فالشغر فلسفة الوجود والشعر فسر الحب والحياة أكثر وأعمق من الفلاسفة وهذا اعترافهم بأن الشعر سبقهم .
– هل لك ان تعطينا فكرة حول الأثر الذي تركته اقامتك الألمانية في قصيدتك. وما الذي احدثته هذه الإقامة من تحول في شعر سبق له ان تشكل في فضاء مكاني اخر؟
* منذ 24 سنة أعيش هنا وهذا يكفي لأن تكون قصائدي حزينة طابعها الحنين الدائم للمكان الأول, والتحول الوحيد هو هذا الحزن الذي طغى على كتاباتي .
– ظهر اسمك اوائل التسعينات مع مجموعة اسماء حققت لاحقا حضورا متمايزا في المشهد الشعري والثقافي.. اتحدث هنا عن محمد المطرود.. ابراهيم حسو.. لقمان ديركي.. حليم يوسف وغيرهم.. هل تنتمي إلى جيل او حساسية إبداعية جماعية؟
* في منتصف التسعينات ظهر أسمي مع ظهور كتابي الأول في حلب عن دار الصداقة وكتب عنه حينها في جريدة تشرين الكاتب والقاص نجم الدين سمان بعنوان (صوت جديد ينتمي لجيل التسعينات) الكتاب قدمه الناقد محمد جمال باروت وبهذا وحده أنتمي إلى جيل رغم أنني لا أنظر للموضوع سوى من زاوية زمنية فقط .
– الذات حاضرة دوما في تجارب الشعراء. إلى أي حد استثمرت سيرتك الشخصية في تجربتك الشعرية. كيف يحضر الشاعر بدون أن يثقل حضوره النص الشعري؟
* الذات هي التي تكتب والشاعر هو الذي يوظف ظهورها في قصائده , أنا موجود في كل كتاباتي بنسب مختلفة يفرضها الشعر علي في كل نص .
– النزوع نحو قصيدة التفاصيل اليومية جعل من قصيدة النثر تتجه نحو الثرثرة والفراغ. في حين ان أصوات نقدية الأن تطالب بمنح القصيدة بعدا معرفيا أوسع. بمعنى ترسيخ قصيدة حداثية مثقفة.. إلى أي مدى تتفق مع هذه الاراء؟
* التفاصيل اليومية هي قصائد ولكن علينا إلتقاطها بدقة وإظهار الجانب الجمالي لها كي لا تتحول إلى ثرثرة هذه وظيفة الشاعر الجيد , ولا أتفق مع هذه المصطلحات فهناك شعر أو لا شعر .
– عملية إختيار عنواين القصائد صعبة. وأحيانا كثيرة تؤرق القارئ. كيف يختار الشاعر محمد زادة عناوين قصائده. وهل من طقوس معينة في الاختيار؟
* أهم ما أشتغل عليه هو العنوان .. لأنه العنوان، هناك عناوين هي قصيدة بحد ذاتها , ويجب أن يكون العنوان من روح القصيدة هذا ما أشتغل عليه أنا ودائمآ أختار عناويني من لحظات الذروة في القصيدة .
– محمد زادة هل كتب بلغته الأم. وهل يعتبر إبداع الكاتب الكردي الذي يكتب بغير لغته الأم ابداعا كرديا
* لم أكتب بلغتي الكردية إلا بعض القصائد ولكن تمت ترجمة قصائد لي إلى الكردية , برأيي الأبداع لا ينتمي للغة أنه أبداع فقط , لكن هوية المبدع هي التي تعني انتمائه للغة ما ,بمعنى آخر هل جبران خليل جبران كاتب أمريكي أم عربي , سأجيبك على هذا السؤال .. هو كاتب عربي رغم أنه لم يكتب بالعربية , وهل جوزيف كونراد أنكليزي .. سأجيبك على هذا السؤال .. لا هو بولندي كتب بالأنكليزية و هل نابوكوف روسي أم أمريكي وهل رفيق شامي سوري أم ألماني , فكيفك سأكتب بلغة لم أدرسها منذ الطفولة ولم أقرأ آلاف الكتب لتصير ذاكرتي والعقل الباطن تعتمدها في اللاشعور.
من أبرز العوامل التي تجعل الكتاب متقنآ للغة التي يكتب بها هي القراءة المكثفة إلى أن تدخل عقله الباطن وتأخذ مكانة لغة التواصل لديه وكيفية التعبير , الكاتب يحتاج إلى قراءة يومية لمد الذاكرة بالصور والمفردات , بينما نحن لم يتوفر لدينا هذا العامل الرئيسي فكانت لغتنا محكية فقط وكنا نتكلم بها داخل المنزل حصرآ ولم نقرأ سوى عدة كتب باللغة الكردية آنذاك فكانت المكتبة الكردية فقيرة لآنها ممنوعة ولهذا لم يحالفنا الحظ , برأيي هناك شعر عالمي وهناك شاعر كردي أو عربي أو انكليزي أو ألماني أنا أعطي الهوية للشاعر وليس الشعر