عبدالرحمن عفيف
أذهبُ أحيانا إلى الحارة حيث عائلة بيت المحسرتي؛ أريد رؤية صديقي جمعة الذي غيّر اسمه وصار باسم أنيق وهو جانو. قلتُ له مرّات عديدة:” هذا الاسم نظيف وأنيق ويليق بالبنات والشباب الرقيقين وأنت حذاؤك فيه فقط بضعة أنفاس، كما يقول أخي عبداللّطيف”. حذاء جمعة الذي صار اسمه جانو والذي يزعل جدّا إن نودي باسمه القديم الذي يناسبه، حذاء مهترىء بالفعل
أذهبُ أحيانا إلى الحارة حيث عائلة بيت المحسرتي؛ أريد رؤية صديقي جمعة الذي غيّر اسمه وصار باسم أنيق وهو جانو. قلتُ له مرّات عديدة:” هذا الاسم نظيف وأنيق ويليق بالبنات والشباب الرقيقين وأنت حذاؤك فيه فقط بضعة أنفاس، كما يقول أخي عبداللّطيف”. حذاء جمعة الذي صار اسمه جانو والذي يزعل جدّا إن نودي باسمه القديم الذي يناسبه، حذاء مهترىء بالفعل
خاصّة في كعبه ويجرجره جمعة خلفه كعقب سيكارة بقيت من سيكارة وعبداللّطيف يشتهي إحدى السّكائر مع شايه الصّباحي الأسود وليس الخمري أو البني فيقول لجمعة:” ألا تكفّ عن هذا الحذاء المسكين؛ بقيت فيه فقط عدّة أنفاس”؛ فيقهقه الشّاعر ابن آل أوسي حرسان، الشّاعر كاميران حرسان جدّا على هذا التّشبيه. وجمعة ينظرُ إلى حذائه بصمت، حذائه المتروكِ في عتبة الباب، في غرفة عبداللّطيف. كلّما ذهبتُ إلى حارة المحسرتي ألتقي أيضا بشابّ أكبر منّي ربّما بسنتن؛ شابّ عريض المناكبِ ويضحك أو ضحكٌ دائم على فمه ويلبس جلاّبية بيضاء كبيرة؛ يتقدّم منّي ويتكلّم ويسلّم عليّ كأنّه يعرفني منذ سنين عديدة جدّا ومعرفة بالغة فيها الكثير من حسّ القرابة وأنا أبتسم لضحكه ويأخذ يدي بين كلتي يديه، مسلّما بحرارة وعاطفة وتعارف جمّ. في نفسي أسأل:” من هذا الشابّ الطّويل، عريض الفستان والجلابية البيضاء وسنّه الأماميّة تبرز على الدّوامِ؟ مَن هذا الضّاحك في هذه الحارةِ ذات الغبارِ والتي لم يصل إليها الإسفلت، في حارة المحستري الذين يصلّحون حديد الحصّادات وأيضا حارة صديقي صاحب الحذاء؟”. يأخذ بيدي بيديه كلتيهما ويفرح مثل نبيّ أو صاحب حكمة بعيدة، مثل شجرةٍ سامقة ذات جلاّبية عليها التّراب ووجهه محمرّ وبنيّ من فصل الصّيف الذي يستلقي ويمرح ويضحك طويلا في عامودا وبالأخصّ في حارة المحسرتي. في هذه الحارة أيضا بيروز الذي يدرّس الأطفال وهو طويل أيضا وينحني مثل حبل أثناء المشي أو بعد أن يشرب عدّة زجاجات من عرق الصّيف؛ بيروز أزرق، أو الأستاذ بيروز أزرق وبنطلونه أزرق وقميصه أزرق ولم يعرفني أبدا. عيونه زرقاء وبعد أن يشرب العرق ويرقص على الأسرّة تبقى عيونه زرقاء أو ربّما تصبح خضراء في فصل الرّبيع؛ حين الفتياتُ يذهبن آخذات معهنّ بذور البطيخ والجبس إلى البريّة؛ حذرات في الانتقال من بقعة إلى بقعة، في هذه الأحياء حيث تأتي المياه من المطر وتتكوّن وتشكّل بحيرات وجزرا كثيرة وتختلط أيضا بمياه نتانة المراحيض والضفادع تشكّل لها كورسا ربيعيّا؛ تغنّي الضّفادع أغنية ربيعيّة أو أوّل ربيعيّة في المستنقع الكبير بالقرب من الطّريق الذي يربط بين طريق القامشلي وطريق الحسكة؛ هناك حيث تقام مسارح عيد النيروز كلّ عامٍ وأذهب أو لا أذهب إليه. تغنّي الفتيات والضّفادع تغنّي أغنية عن تلّ شرمولا والفتيات يقشرن البذور ويمشين على الرّصيف وينظر إليهنّ صديقي دارا الذي كان يحيّي يدي بيديه كلتيهما بحرارة ولم أكن أعرفه جيّدا وأستغرب احتفاءه بي وبعد ذلك بسنواتٍ عرفته وعرفت أنّ قرابة من جهة النّساء والشّيوخ تربط بين عائلتينا. يضحك دارا فتبرز سنّ كبيرةٌ في فكّه الأسفل ويقول:” سنّي هذه سنّ كراندايزر أو سنّي سنّ رهيبة، أليس كذلك يا شيخي؟” وأنا لا أعرف دارا في هذا الوقت، فلا أعقّب على سؤاله وأردّ تحيّته مثله بصداقة وأذهب مع جمعة، نتجوّل في طرق عامودا. على الطّريق العامّ بين عامودا والقامشلي والدّرباسية وجوهريّا؛ نمرّ فوق جسر السّوقِ حيث دكّان حجّي محسن أو يقترح جمعة أنْ نذهب إلى مرطّبات أورفلّلي وسمير صاحب المرطّبات يعرف جيّدا التحدّث مع جمعة وأنا بعدئذ آخذ كتب أدونيس التنظيريّة وأقرأها في حديقة المرطّبات إلى أن أكسّر ذات يوم زجاجة سينالكو وأحرم نفسي من حديقة الثّقافة والمرطّبات. أذهب مع جمعة إلى السّبع بحرات، إلى حارات فيها فقط شجرة وحيدة وتبرز الشّجرة جدّا لأنّها وحيدة؛ تعطي الشّمس أوراقها وتعطي الظلّ أوراقها والعصافير تأكل عليها التّوت أو تغنّي أغنيةٌ من نافذة الفتاة ذات رقط الصّيف الصّفراء والعسليّة؛ تلك الفتاة التي اشتهرت حين وقعت في الحبّ وأصبحت مثل تلك الشّجرة الوحيدة. أعطت أوراقها لعصافير العشّاق وصار اسمها على كلّ القلوب وذهب شبّان بنيّون من عائلات فقيرة ولكن بوجوه وقحة ودقّوا على بابها وأزعجوا ظلّ حذائها الجميل الذي كان ينام تحت ظلّ الشّجرة ويطير في قدميها مثل عصافير إلى جانب نافورة السّبع بحرات حيث تمثال الرّئيس وحيث أمرّ مع جمعة ذات مساء وأحاول إقناعه أنْ يصبح عضوا معي في شبيبة الحزب الشيوعي السّوري الذي يقوده خالد بكداش الكوردي الذي ترقّى إلى هذا المركز الكبير والذي يعيش في دمشق. لا يريد جمعة الانضمام إلى السّياسة ويسحب حذاءه بقوّة على الأرصفةِ ليشبه شاعرا ويكتب هو والشّاعر أكرم مراد قصيدة ولا أحد يستطيع أن يميّز بين جمعة وبين أكرم مراد في القطارِ أو في بلدة أو حارة آشي علاّوي المتاخمة لحدودِ مدرسة المعرّي للبنين. القصيدة نشرت في جريدة البعث وفيها جمعة سفينةٌ بشراع ممزّق ربّما كان يقصد حذاءه الذي ببضعة أنفاس ويريد أن ينهيه عبداللّطيف أخي فيقول لجمعة:” أقترح يا جانو أن تحفر له قبرا في أحد أركانِ مقبرةِ عامودا وتضعه في قبره؛ إنّك تظلم هذا العقب الفقير بوضعه في قدمك وجرجرته أمام حارات الفتيات وأيّة فتاة ستقع في حبّ هذا الحذاء ذي النّفس!”. لا يبالي جانو بتعليق عبداللّطيف على حذائه الشمّاط هذا ويسحبه خلفه أو أمامه أحيانا ويكتب القصيدة أو يكتب له أكرم مراد القصيدة التي يصبح فيها أكرم سنبلة قمح وخبزا تأكله الحبيبة وأيضا تملك حبيبة أكرم وجمعة عدّة جراح مثقوبة فتطلب القصيدة من الحبيبة أن تضع أكرم وجمعة أو كليهما في جراحها المثقوبةِ الحمراء؛ تلك الحبيبة الثوريّة التي تنظرُ إلى الشراع في السفينة فوق الأفقِ وليس في عامودا؛ في تاريخها كلّه أيّ شراعٍ؛ وليس في عامودا في تاريخها كلّه غير تلك العربات بدواليب السيّارات التي تجرّها أحصنةٌ مقدامة؛ تركض من حارة عائلة دربو مجتازة المئذنة والجامع الكبير بسرعة الصّوت وفوقها أبناء الدربو يلوّحون بالسّياط كأنّما يذهبون إلى معركة في السّوقِ؛ ربّما أعطت سياط أحصنة الدّربو هذا الايحاء الشّاعري لقصيدة جمعة وقصيدة أكرم مراد صديقي فصارت العربة سفينة وصارت السّياط هي الصّواري وأبناء الدربو شعراء يكتبون القصائد بالإيحاء إلى جانو وجمعة وأكرم مراد الذي يذهب إلى آشي علاّوي آخذا معه إبرة يملؤها بالماءِ. ينام أهلُ عشيقته في ليل آشي علاّوي والطّاحونة أيضا تغلقُ أبوابها ويأتي أكرم؛ في جيبه سكّين كبّاسة؛ يلبس بنطلون جينز ذي لون إلى الأبيض وقد هيّأ الإبرة؛ عشيقته السّمراء ذات النهود البضّة، الصّلبة، الفتيّة من عائلة أصحاب الطّاحونةِ نائمةٌ أيضا وإلى جانبها أخوها الزّعران وأخوها الصّغير الجميل وأبوها إلى مبعدةٍ ويضغط أكرم على بلاستيك الإبرة ورشّ الماء ينهمر على الأنفِ النّائم للعشيقة وليس اليوم في آشي علاّوي أيّة سيّارة من سيّارات مخابرات عامودا؛ فينطلقُ أكرم آخذا فتاته إلى جفنات عنبِ آشي علاّوي وهو الذي شرح لي؛ هو الممارس للعشقّ بحقّ وبفعل في تلك الحارة النّاحية، شرح لي حبّ جبران خليل جبران في أمريكا. هل جلست العصر مثلي تحت جفنات العنب والعناقيد تدلّت كثريّات الذهب وأيضا شرح لي وعروس الجنّ في كهفها المسحور هجعت سكرى فتعالي نرشف من الكؤوس التي قصد بها القبلات كما فسّرها أكرم بالكلامِ لي وفي عناقيد آشي علاّوي ليلا آخذا أحيانا لإضافةِ السّكرِ بعض حبوب الفاليوم وأيضا عدّة زجاجات عرق أبيض كفستان دارا أو دارا أو هوارا كما كان يحبّ دارا أنْ يسمّي نفسه في حارةِ المحسرتي وأيضا في جامعة حلب بعد أن بدأ يدرس الأدب العربي معي ومع الشّاعر الآخر ذي الصيت والوقوف في الجامعة محمد رفي وشلّة أخرى تتحدّث عن إقامة كوردستان في جبال شمال العراق وشلّة تستلقي أمام الرّاديو لساعات: ” لقد رفع علم كوردستان اليوم”. أو:” سيتمّ رفع العلم بالأبيض والأصفر والأخضر والقزح والقوسِ وحبّ اللّغة الكرديّة “. بذلتي المكويّة جيّدا، الزرقاء أضعها فوق قامتي وأمشي في ردهات جامعة حلب؛ أنظرُ حواليّ ولا أحد عليه هذه البذلة الرسميّة الجامعيّة غيري وكنت أظنّ لبس البذلة إجباريّا؛ أنظرُ إلى نساء وهنّ جميلات ويتمشين مع الشبّان في الجامعة. يتوقّفن ثمّ يمشين ويتوقّفن لإلقاء التحيّة وثم يذهبن بقربِ الصنوبرِ والسّرو وتأتي فتاة جميلة أخرى فأنسى الأخرى الذّاهبة؛ أشعر بحاجة إلى التبولِ، فأبحث عن المراحيضِ في كليّة الآدابِ؛ أجد مراحيض واسعة جدّا؛ فأتبوّل واقفا وأرجع وحيدا مع بذلتي؛ ألتقي شلّة الطّلاب الكوردِ في الجامعةِ؛ محمد رفي هو المرموق الأوّل بينهم والشّاعر في الجامعة المعروف بوقوفه مع من يعرفهم ومع من لا يعرفهم؛ يقف، ينصت إلى المتكلّمين؛ لا يقول شيئا، ربّما جملة فحسب، ربّما كلمة واحدة والمتكلّمون يتكلّمون؛ فتاة وشابّ، فتاة كرديّة الأصلّ فقدت اللغة الكرديّة وتحرّرت قليلا في مدينة حلب وفي عفرين وشابّ يضع نظّارات شمسيّة وهو أيضا من أصلٍ كرديّ؛ تحرّر قليلا من الكرديّة ويتكلّم العربيّة الحلبيّة بسرعة وطلاقة والشابّ أسمر ويتكلّم مع فتاته ويقف معهما محمد رفّي وينظرُ إلى شفتي الفتاة حين تتكلّم وينظر إلى شفتي الشابّ حين يتكلّم وهو لا يتكلّم؛ هل سيكتب قصيدة عن صمته أو عن الشّفاه ربّما؟ ماذا سيقول محمد رفّي الشّاعر عن الشّفاه، ماذا سيكتب عن فتيات جامعة حلب وعن الشابّ؟ لكنّه يصمت؛ ينتهي الحديث، تغادر الفتاة الشابّ والشابّ ذو الأصل الكردي، الذي يتكلّم بطلاقته الحلبيّة يترك المكان ويبقى فقط محمد رفّي في الموضعِ وأنا أنهيت التبوّل واكتشفت المراحيض وعليّ بذلتي الزّرقاء؛ آتي فأجد محمدّ رفّي الصّامت.
لم أستطع قطّ أن أعرف من الذي كتبَ تلك القصيدة في نادي الأصدقاء في جريدة البعثِ حيث كان جان ألكسان يشجّع الشّباب وخاصّة من مدينة عامودا وكبر حنين أهلِ الميادين وأهل صنّين وبردى وأهل السّلميّة إلى أهل مدينة عامودا حيث يفوقُ عدد الشّعراء عدد المجانين أو يتساوى العددان وصدّقوا قصيدة وسنبلة وشراع سفينة جمعة وأكرم وجانو ولم يعرفوا أبدا وحيها من عربات أحصنة حمّالي المدينة وظنّوا أنّ في عامودا بحرا وسنبلة وثقوب جراح حبيبة جمعة أو حبيبة أكرم بالأصدقِ حيثُ لم يصل علمي بعدئذ بفترة قصيرة وبعدئذ بفترة طويلة أنّ لجمعة عشيقة ما فقط كان يقولُ حين يتّهم أحدٌ ما قصيدته أنّها ليست له بل لأكرم مراد:” أنا وأكرم واحد”. ولم أكن أعلم أيضا من جانبي كيف أفهم هذا الجواب الصّعب لي والقصيدة في جريدة البعث عن السنبلة وجراح حبيبة أكرم؛ الجراح المثقوبة التي سيصير أكرم فيها حبّة قمح وخبزا ونبيذا وملحا وما هنالك من أنواع الأشربة والأطعمة لاقت الكثير من المعجبين ومن الشيوعيّين الذي كانوا يأتون إليّ ويقرؤون لي القصيدة بصوت جهوري”: انظر، هذه قصيدة جميلة لأكرم مراد وهو من حارتنا وجارنا القريب، بعيد بشارع إلى الجهة الأخرى من مخزن العلف، بيتهم ذو درج وهو يبيع البندورة وله إبرة يوقظ بها عشيقته ويتجوّلان تحت قمرِ آشي علاّوي والمطحنة تدورُ فيصير الماءُ نبيذا والعنبُ يصبح أصفرَ تحت أشواقِ القمرِ ونرى أكرم أقرب إلى الفكرِ الإشتراكي وفكر خالد بكداش.” أقول من جهتي:” نعم، أعرف خالد بكداش والشيوعيّة وابن عمّي أحمد ودرّاجته البيجو الزّرقاء، يأتي في المساءِ إليّ تحت إبطه كتاب أحمر هو كتاب – خطوتان إلى الإشتراكيّة وخطوة إلى الشيوعيّة- حذاؤه عليه وحلُ حارة المحسرتي، فيتركه خارج غرفتي؛ يدقّ البابَ بلطف المشايخ فأفتح له وأغلقّ دّفتي ديوان المتنبّي بشرح ناصيف اليازجي؛ أغلق المتنبّي وأستمع إلى وعظ ابن عمّي عن الشيوعيّة والماركسيّة وأنّ الدّواء الأنجع لسوريّة والكورد هو الشيوعيّة التي تأتي بعد الإشتراكيّة وعليّ أن أقرأ ماركس بدل المتنبّي وأحبّ الوحل بدل الاسمنت وأقرأ أشعار معين بسبوسو وكومة الشيوعيّين وشعر حامد بدرخان الأمميّ من قرية شيخ الحديد.” نعم؛ قصيدة أكرم وجمعة ودارا وجريدة البعث التي نشرت بقوّة جان ألكسان البعثي الإشتراكي الأممي والمخرج السينمائي المعتبر الذي له كتب في فنّ السّينما ولم يكن في عامودا إلا سينما واحدة وتعرض فقط فلما واحدا هو بروسليلو ابن عمّ بروسلي وأيضا عربات بيت دربو وكروم دربو وآشي علاّوي، فمن أين جاء أكرم بقصيدته الشيوعيّة وكيف أصبح جمعة وأكرم شخصا واحدا؛ مرّة نفس القصيدة بنفس العنوانِ في نفس صفحة البعث لجمعة ومرّة لأكرم. أسأل نفسي:” لماذا لم يكتب أكرم قصيدة عن الإبرة التي كان يلقّحها على أنفِ حبيبته فوق الطّاحونةِ حين كان القمر منغمرا ولا قمح يجرأ على الدوران في وأواني وأنابيب المطحنة؛ أسألُ، لماذا كتب جمعة القصيدة عن شراع عربة ِالحمّالين وأنسى الأسئلة لعدّة سنواتٍ وأذهب مع دارا، أو أبو هوار أدرس الأدب العربي والثّقافة المتعلقة بالأدب العربي في جامعة حلب.
لم أستطع قطّ أن أعرف من الذي كتبَ تلك القصيدة في نادي الأصدقاء في جريدة البعثِ حيث كان جان ألكسان يشجّع الشّباب وخاصّة من مدينة عامودا وكبر حنين أهلِ الميادين وأهل صنّين وبردى وأهل السّلميّة إلى أهل مدينة عامودا حيث يفوقُ عدد الشّعراء عدد المجانين أو يتساوى العددان وصدّقوا قصيدة وسنبلة وشراع سفينة جمعة وأكرم وجانو ولم يعرفوا أبدا وحيها من عربات أحصنة حمّالي المدينة وظنّوا أنّ في عامودا بحرا وسنبلة وثقوب جراح حبيبة جمعة أو حبيبة أكرم بالأصدقِ حيثُ لم يصل علمي بعدئذ بفترة قصيرة وبعدئذ بفترة طويلة أنّ لجمعة عشيقة ما فقط كان يقولُ حين يتّهم أحدٌ ما قصيدته أنّها ليست له بل لأكرم مراد:” أنا وأكرم واحد”. ولم أكن أعلم أيضا من جانبي كيف أفهم هذا الجواب الصّعب لي والقصيدة في جريدة البعث عن السنبلة وجراح حبيبة أكرم؛ الجراح المثقوبة التي سيصير أكرم فيها حبّة قمح وخبزا ونبيذا وملحا وما هنالك من أنواع الأشربة والأطعمة لاقت الكثير من المعجبين ومن الشيوعيّين الذي كانوا يأتون إليّ ويقرؤون لي القصيدة بصوت جهوري”: انظر، هذه قصيدة جميلة لأكرم مراد وهو من حارتنا وجارنا القريب، بعيد بشارع إلى الجهة الأخرى من مخزن العلف، بيتهم ذو درج وهو يبيع البندورة وله إبرة يوقظ بها عشيقته ويتجوّلان تحت قمرِ آشي علاّوي والمطحنة تدورُ فيصير الماءُ نبيذا والعنبُ يصبح أصفرَ تحت أشواقِ القمرِ ونرى أكرم أقرب إلى الفكرِ الإشتراكي وفكر خالد بكداش.” أقول من جهتي:” نعم، أعرف خالد بكداش والشيوعيّة وابن عمّي أحمد ودرّاجته البيجو الزّرقاء، يأتي في المساءِ إليّ تحت إبطه كتاب أحمر هو كتاب – خطوتان إلى الإشتراكيّة وخطوة إلى الشيوعيّة- حذاؤه عليه وحلُ حارة المحسرتي، فيتركه خارج غرفتي؛ يدقّ البابَ بلطف المشايخ فأفتح له وأغلقّ دّفتي ديوان المتنبّي بشرح ناصيف اليازجي؛ أغلق المتنبّي وأستمع إلى وعظ ابن عمّي عن الشيوعيّة والماركسيّة وأنّ الدّواء الأنجع لسوريّة والكورد هو الشيوعيّة التي تأتي بعد الإشتراكيّة وعليّ أن أقرأ ماركس بدل المتنبّي وأحبّ الوحل بدل الاسمنت وأقرأ أشعار معين بسبوسو وكومة الشيوعيّين وشعر حامد بدرخان الأمميّ من قرية شيخ الحديد.” نعم؛ قصيدة أكرم وجمعة ودارا وجريدة البعث التي نشرت بقوّة جان ألكسان البعثي الإشتراكي الأممي والمخرج السينمائي المعتبر الذي له كتب في فنّ السّينما ولم يكن في عامودا إلا سينما واحدة وتعرض فقط فلما واحدا هو بروسليلو ابن عمّ بروسلي وأيضا عربات بيت دربو وكروم دربو وآشي علاّوي، فمن أين جاء أكرم بقصيدته الشيوعيّة وكيف أصبح جمعة وأكرم شخصا واحدا؛ مرّة نفس القصيدة بنفس العنوانِ في نفس صفحة البعث لجمعة ومرّة لأكرم. أسأل نفسي:” لماذا لم يكتب أكرم قصيدة عن الإبرة التي كان يلقّحها على أنفِ حبيبته فوق الطّاحونةِ حين كان القمر منغمرا ولا قمح يجرأ على الدوران في وأواني وأنابيب المطحنة؛ أسألُ، لماذا كتب جمعة القصيدة عن شراع عربة ِالحمّالين وأنسى الأسئلة لعدّة سنواتٍ وأذهب مع دارا، أو أبو هوار أدرس الأدب العربي والثّقافة المتعلقة بالأدب العربي في جامعة حلب.