الجزء الثاني
قضم أتاتورك ـ حين بلغ مراميه ـ الدستور والوعود التي أبرمها بلسانه وبلع ريقها وهو يبتسم مستهزئا من الذين صدقوه, يا لهم من مساكين ويا له عقد ٍواهٍ و واهن ـ بئس الدستور دستورُ يقوم على اللسان ـ وان أوهن البيوت لبيت العنكبوت ـ لتوه كان قد فرغ من حروبه منتصرا و فيها وتحت وسادة مطامحه ومصالح أسياده أخفى اتفاقية سيفر وما فيها من حقوق للكورد ونسخها واستبدلها معهم باتفاقية لوزان التي فصلها على مقاسه وأهوائه
الجزء الثالث
استغرقت العملية عدة ساعات كان خلالها تشد إلى أيادي النساء معاصم أطفالهم الصغار الذين كانوا من خوفهم يخفون رؤوسهم في ثياب أمهاتهم الواسعة( الكراس والخفتان) في حين كان بعض الجلاوزة مكلفين بتفتيش البيوت للـتأكد من عدم وجود أحد فيها, احتار الجنود في أمر الرضع القابعين في مراجيحهم حيث تهدهدهم الملائكة وتطمئنهم بأن موعدهم مع ذويهم الجنة ـ صبرا آل ياسر فأن موعدكم الجنة ـ دلتهم محاضرات أتاتورك في الحضارة إلى فكرة لا يستدل عليها الشيطان بعينه, وقفوا فوقهم ولعبوا معهم ليبتسموا وما تكاد ابتسامتهم أن تنتهي حتى كانت الحراب تغرس في صدورهم الغضة, رفع الجنود أجسادهم الغضة بالبنادق والحراب مغروسة فيها فوق رؤوسهم, وهم يقهقهون فرحا بالانتصار ـ الله أكبر ـ أي قلب يملكه هذه الحيوانات المتغطرسة, ومن صدر أية عاهرة ساقطة قد أرضعوا, يغادر روح الصغير البريئة جسده الصغير ليغدو أحد طيور الجنة, يستمر الجلادون في غيهم يقهقهون وبعد إنهاء الواجب المقدس يهرب البعض منهم بقهقهته خارج سرب الجنود نحو البراري هل جن هؤلاء؟؟ كلا أنها سكرة ونشوة الانتصار على هذا المتمرد الصغير!! الناس في القرى المجاورة كانوا في انتظار من يأتي إليهم من آل قمش بالخبر اليقين ولكن يبدو إن الحياة بكل آياتها قد توقفت في هذه القرية التي حكم عليها بالإعدام, لم يجرؤ أحد على الاقتراب أو الاستفسار,عاد المتجولون في القرية من الجنود وطمئنوا سيدهم بأن الدور أضحت خاوية من ساكنيها,وأبلغ أيضا بأن الجمع قدا كتمل وهم بانتظار الأوامر.
يستمر الثلج في الذوبان كاشفا الغطاء عن خضرة الأرض المزركشة بكافة ألوان الربيع من الورود والزنابق والخجخجوك (شقائق لنعمان), ما أشبه ثياب نساء آلَ قمش وبقية نساء الكورد بهذه اللوحة الطبيعية لربيع كردستان,ومع ذوبان الثلج كان يزداد صوت خرير المياه في دجلة والفرات ونهر آلَ قمش الصغير المتجه جنوبا, نُصب على عتبة باب الدار الذي يتوسط التلة قاعدة الرشاش ـ هذه العتبة المؤلفة من حجرة واحدة مستطيلة يندهش الناظر كيف تم قطعها وحفها وكيف أضحت ملساء وكيف رفعت إلى أعلى الباب ـ لم تكن هذه العتبة الوحيدة التي سويت بهذه الطريقة في القرية ولكنها وحدها التي نصب عليها رشاش الميتراليوز, ربما لتكون شاهدا على أن الأهالي جميعا رجالا ونساء صغارا وكهول قد رموا بالرصاص جميعا من على ظهرها وربما كان آخر شيء يقع عليه نظرهم ويودعونه في قريتهم ـ اللهم اجعله شاهدا ينطق بما حصل لآلَ آلَ قمش يوم تحاسب الناس لديك ـ أمر صغير أتاتورك رامي الرشاش بان يوجهه أولا نحو صدور الرجال, تمهل الرجل واحتار وفاضت عيناه بالدموع, اعتلى السيد العتبة وأشهر مسدسه في رأس الجندي وبزق في وجهه قائلا: إن من يبكي لا يستحق أن يكون من رجال أتاتورك رد المسكين سيدي إنهم قد رفعوا أكفهم إلى السماء يكبُرون, كان الحاج أحمد قد استطاع إن يخطو وهو مكبل خطوة ونصفها إلى الأمام واستدار نحو أهله ورفع صوته بعض الشيء قائلا وهو يبكي: أيها الناس تعلمون إن بيننا وبين الموت دقائق ولم يمهلنا هذا الطاغي أياما لنكمل شهر رمضان لهذا العام ارفعوا أيدكم إلى السماء قدر استطاعتكم وكبروا معي حتى نصلي صلاة العيد الذي داهمنا مبكرا, استدار الحاج أحمد وأمم المصلين وكبرت الحناجر العيد(الله أكبر.. لبيك اللهم لبيك)!!!!!.
سيدي أنهم يكبرون الله رددها الجندي مرة أخرى ودموعه تفيض, أيها الأحمق نحن هنا لنقتل فيهم العيد ورمضان والتكبير…(أن نكون في مؤخرة الدول الغربية خيرٌ من أن نكون في مقدمة الدول الإسلامية) ألم تستوعب هذا القول لوالدنا أتاتورك؟؟؟!!! ستطلق؟؟!! أو افرغ هذا المسدس في رأسك الغبي؟؟ غريزة الحياة فيه كانت أقوى ودفع بسبابته الملتفة على الزناد باتجاه الداخل وانطلق الرصاص كانهمار المطر في ربيع آلَ قمش صوب الصدور التي كانت ومع تكبيرات الله اكبر تتهاوى نحو الأرض ـ لا تقتلوا دابة قبل أن تنهي شربها فكيف يقتل الناس ولم ينهوا صلاتهم بعد ـ استمر الرصاص ممطرا ولم يمهل السيد جنودهم راحة بعد الانتهاء من قتل الرجال, على الفور أمرهم بالتوجه نحو النساء والصغار فالمعركة في لحظاتها الحاسمة ويجب أن لا يمنح جيش الله هذا فرصة النجاة أو الفرار!! أسكت الرصاص عويل وبكاء الصغار وبعض الزغاريد التي كانت تطلقه بعض النساء عندما كان يتهاوى بعض رجالهم من الشباب خاصة وعادة الزغاريد هذه متأصلة في الموروث الثقافي والشعبي الكردي منذ القدم حينما يقتل شاب أو يموت عزيز تيمنا بيوم عرسه ـ لم يبق أحد ليعد طعاما لآل جعفر فهم اليوم مفجوعين ـ صوت الرصاص الذي نقله الريح إلى الجوار قطع عليهم صمتهم وترقبهم الذي طال, ما الذي حدث ولما كل هذا الرصاص؟ لعله إطلاق في الهواء من أجل بث الرعب والخوف في النفوس؟ أو إن حقل للرمي قد اعد بالقرب من آلَ قمش وفيه يتم تدريب الجند واختبارهم؟ أو إن بعض ممن تطاردهم الدولة قد مروا من الجوار ؟ كان الناس هكذا يتصورون الأمر أو يتمنونه بينما حدسهم يخبرهم بأن أمر عظيم قد ألم بآلَ قمش وأهلها, أمر الطاغية جنده بالمرور بين الجثث و غرس الحراب في صدر كل من تدب فيه الحياة , وخاصة هؤلاء الملاعين الصغار الذين كنت ألاحظ إن العديد منهم ينتقل ونحن نطلق الرصاص هنا وهناك أو يحاول بعضهم التخفي تحت أجساد النسوة والاحتماء بها, لم يكن حقد الأوغاد قد شفي بعد فغرسوا حقدهم بالحراب من جديد في أجساد الجميع أحياء وأموات والتمثيل بها عبر بقر البطون وكشف العورات والعب بالأحشاء برؤوس الحراب, هل هؤلاء من بقايا ذرية تيمورلنك وجنكيزخان؟؟ كان جدي مع القليل من أقرانه نالوا نصيبهم من الحراب التي انتصرت عليها إرادة الحياة ,كتموا أنفاسهم وتخفوا تحت الأجساد التي غرقت في الدماء, وتحت الأجساد تسير الدماء خائفة لتشكل ساقيتين الأولى أسفل التلة جنوبا فيه يتجمع دم النسوة والصغار, والأخرى أسفلها شمالا حيث يتجمع دماء الرجال التي تسير ببطء لتلتف حول التلة وتلتقي بأختها ليمتزجا بماء النهر ويشكلوا جميعا جديلة حزينة تسير في الوادي نحو الجنوب, ألوان شقائق لنعمان من حينها غدت أكثر حمرةً على طرفي الوادي!! لا عجب فهي ترتوي من دماء آلَ قمش!!!؟؟كان أهالي علي بدران منشغلين بأعمالهم المعتادة , بدأ الدم يغلي في عروقهم حينما وشوش بعض الناس بأن أمرا عظيما قد حدث؟؟ أرسلوا رسلهم باتجاه الشمال وقبل أن يصلوا كانت الأنباء قدعمَت الأرجاء بأن آلَ قمش وعن بكرة أبيها قد أبيدت ـ وإذا آلَ قمش سئلت بأي ذنب قتلت ـ أمر الطاغوت جنوده بمغادرة ساحة المعركة وأخذ قسط من الراحة يتم تبادل التهاني خلالها بهذا النصر المجيد ورفع التقارير بذلك إلى القيادة في انتظار المكافأة, الأرواح تكمل رحلتها في الصعود إلى بارئها ورويدا رويدا تفارق الدماء الأجساد وتكمل رحلة سيرها في الوادي حيث تسرق الأرض قسطا منها لترتوي به, كان البعض ممن قدر الله أن يبقيه على قيد الحياة من النسوة والرجال والأطفال قد بدؤوا بلملمة جراحهم ومغادرة المكان خلسة والاجتماع في أقرب بيت, وعلى الفور قاموا بما توفر تحت أيديهم من أدوات بثقب الجدران الجدار تلو الجدار,كان البعض الآخر ممن استطاع التخفي في أماكن مستعصية من زوايا وأقبية وأكواخ الدواب يحاول أيضا أن يجد طريقه للوصول إلى الوادي ويتجه جنوباً بحثا عن الحياة, قدر الله لهؤلاء النجاة, و أعمى عنهم عيون الطغاة الذين طالت استراحتهم وسكرتهم فيها, نادى أحد الجنود: سيدي وماذا بشأن الجثث؟ وكيف سنتخلص منها؟ قهقه المتجبر بسخرية وقال: سيظل عقل الجندي صغيرا قدَ قامته, يا بني: أنت لا تعلم تاريخ هذه المنطقة, أنا أعرفه, اترك مصير ذلك لي, لم يعلم الجنود نية سيدهم حينما أمرهم بلم الحطب وتفتيش البيوت من الداخل والخارج وجمع كل ما يمكن إن يتقد فيه النار, على الفور نفذ الجنود الأمر وجمعوا كل ما احتطبه أهل القرية وما في بيوتهم من ثياب, وظلوا في انتظار ما ستتفتق عنه مخيلة سيدهم!! وهم يتهامسون فيما بينهم عن مقصده من كل ذلك, لم تطل حيرتهم حينما ناداهم: في قديم الزمان و على مقربة من هذا المكان وفي مدينة أورفا ادعى إبراهيم ـ الذي يدعي هؤلاء بأنه جدهم ـ النبوة وتطاول على سيده نمرود وقام بهدم التماثيل الآلهة التي كانوا يعبدونها, واسترسل في سرد قصة سيدنا إبراهيم…….
زوروا آلَ قمش وغنوا معها أغنيتها التي ترصد المجزرة والمأساة وهي الوحيدة التي ما زالت تحيي ذكراها وتحفر في ذاكرة الأجيال قصتها فقط كي لا تنسى؟؟؟؟؟!!!!!!
ذكرى آلَ قمش
Biranina ale qemse
Ew sala ale qemse jin u mer kirne hewse
Wan wehse kure wehsa ager berdane lase
Qir qire buke sale xwin heriki newale
(في آلَ قمش وبذلك العام جمعوا في * * الدار الرجال والنساء وكل العباد
اؤلئك الوحوش أولاد الوحوش * * أضرموا النار في الأجساد
مع صيحات وصرخات العرائس * * الدم يجري بغزارة في الواد)
Ew zaroke be guih li wa sikandin ser u goh
Qerp qerpe qere pace ticar jibire me nace
Ji me kustin bav u xal ji me girtin jin u mal
غرسوا في صدور الصغار * * كل حقدهم وغيهم بالحراب اؤلئك الأوغاد
لن ننسى مهما امتد الزمان * * تلك الآهات التي سارت في السهول الو هاد
سلبوا منا المال والعذارى وقتلوا * * فينا العم والخال ولم يبقوا حتى الأجداد)
De rabin tevde rabin tevde weki birabin
Rabin weki pilinga dest bavejin tifinge
Derde xemgin dejware derman xwine neyare
هلموا استفيقوا من هذا السبات * * وكونوا إخوة متحدين كالأوتاد
هلموا حاربوا مثل الأسود * * ولتعانق أياديكم البنادق وتحقق الوعود
فالجرح الأليم الذي ألم بنا ليس * * له دواء سوى دماء الأعداء في كل البلاد)
ملاحظة: الترجمة تمت ببعض التصرف.