غريب ملا زلال
غريب:
علاقتك مع اللوحة علاقة عشق كبير ، فيها من الذوبان الكثير ، أحدكما يرسم الآخر ، هي ترسمك بقدر ما ترسمها أنت ، هذه الحميمية مع اللوحة من أين جاءت ، كيف ولدت ، و من يكون صاحب القرار للبدء ، أنت أم هي ، أم هناك طرف آخر يلعب المحرض بينكما ، و كيف يبدأ عنايت بالعمل ، و متى يعلن الإنهاء ، أيضاً هنا من يكون صاحب القرار أنت أم هي ؟
عنايت:
علاقتي باللوحة ؟
أعتقد أن القارئ و من خلال ماكتبته في الأجوبة السابقة قادر أن يستشفها، و حتى لو أمعن النظر في أعمالي واستطاع أن يتلمس زلات الريشة و إنسياب اللون وما أبقيه تجريداً سوف يرى التأكيد على الوجوه، بمعنى إنني أقف أمام المساحة البيضاء بما كان يقلقني، أو بما كان يريد الخروج إلى الضوء، وقلما أستعمل مبدأ التخطيط الأولي، أو الدراسة المسبقة ، ولكنني هنا (أنا أيضاً) أبحث عن شرارة البدء وسط البقع التي وضعتها دون أي تفكير، و دون أي تأمل، ليأتي بعدها دور التفحص أو (التأمل) حتى أتعثر بما يشبه ظلّاً يمشي على قدمين مثلي، مثل من يرى في تشكل الغيم صوراً يقرأ بفنجان من القهوة بعد شربها ، ومن هنا أكون قد إنخطفت تماماً وكأن اللوحة غير المنتهية تناديني من هنا أو من هناك ، وفي هذه الحالة أعتقد أن التجربة السابقة لكل عمل، أو الموضوع الذي يشغلني وأنا في الطريق أو و أنا أقود السيارة أو وأنا في متنزه، أو في سهرة مع الأصدقاء… تلك الأوقات التي يستوي فيها المخاض بمخاض الولادة بحيث تكون العين جاهزة للإصطفاء
وفق تراكم الحلم والهذيان والقلق والحزن والفرح ، إن اللوحة عندي هي منصة للرقص و آلة للعزف و كأس لخمرتي وعشق يأخذني إلى فضاء الإنسكاب كما لو كانت نهاية اللوحة التي هي بمثابة إعلان للإنطفاء سواء حزناً كان، أو فرحاً، أو سكرة خاطفة ، ولذلك لا أستطيع الجزم من منا هو الأسبق لطالما هناك تداخلات للوعي بين الحين والحين ، والتي تنقذني من زلات التكوين أو الوقوع في نشاز اللون، كما هناك أيضاً استرسال واستغراق مثل سكران في نهاية السهرة يعرف العودة إلى بيته و لا يؤذي أحداً من السمار، أو أشبه بحالة صوفي يرى نفسه على باب السدرة وهو في مكانه.. نعم يا صديقي ففي كل لوحة هناك إنخطافة عشق أو سكرة أو مغامرة .
غريب:
لا يمكن الفصل بين المبدع و حياته ، عنايت و على مدار عمره ، بزخمها و عذاباتها ، و في كل تحركاته و نبضه و كأنه يرسم الحياة ، فالرسم ليس هاجسه ، بل زاده و دقات قلبه و شهقة روحه ، و لهذا لا بد أن يحضر في تنقلاته و ترحاله ، في عشقه و نبيذه ، في ذاكرته حيث رائحة تراب قريته ، و هسيس والدته و هي تبثه حبها و شوقها ، عنايت مجبول باللون سواء أكان يرسم أو بصحبة حبيبته أو كان يشرب الشاي مع أحد أصدقائه في قهوة ما و على رصيف ما ، أحب أن أسمع هسيس عنايت في فك و حل هذه المعادلة الحياتية ؟
عنايت:
إنها ليست بمعادلة كي أفك رموزها، إنها ليست أكثر من إنني أعيش حياتي بصدق,,, أنا و كأسي وذاكرة الحنين,,. ألوان طفولتي وثوب أمي,, زغاريد الأعراس وحصاد الزيتون ,,,
وحماقات المراهقة الجميلة، و كأن الماضي حاضر أبداً، أو ممزوج باللحظة الراهنة، و ككل الفنانين أو كمل الشعراء لابد من تراكمات المكان والزمان حتى يتشكل مايسمى بالخميرة الأولى للعطاء ، كما لوكانت ذاكرتي خابية، أو أفرغها كلما أحسست بالامتلاء.. أعتقد أن الومضة التي تفرغ نفسها بدون تدخل المحيط في تشكيل اللوحة أوفي بناء القصيدة، فتبقى هي الأصل، والفكرة والمبنى والمعنى في أي عمل إبداعي.. و لاشك بأن ذلك يتم تحت حراسة وعي بعيد الإرجاع كمنقذ لزلات الريشة أو لهفوة الإنزلاق إلى مكان آخر,,, إن الحياة هي الأصل في الإبداع بهدوئها أو صخبها كما ذكرت في سؤالك، لا بل هي ومن خلال التفاعل مع الثقافات والقامات والأرض والزهر والشجر والملامح والغيم واللقاءات والعشق تشكل رسم الهوية الأصيلة للفنان رغم تآلفنا وإنسجامنا أو لنقل تكيفنا أينما وجدنا – كما قال أحد الفلاسفة إن الإنسان حيوان متكيف، كما أن الأصالة لاتعني أبداً أن نبقى بعيدين عن المجتمعات التي نحل فيها ولو ضيوفاً، إن فرنسا أو الغرب عموماً قد منحني أولاً حرية القول ,من أنا ؟
نعم حرية أن افصح عن وجداني,, أن أريهم مقاييس أخرى للجمال، زاوية أخرى لرؤية العالم الخارجي، أن أراقص إمراة ، أو أغني لحناً، أو حتى أغمر سلطة العشاء بتوابل الشرق، و أرجو ألا يفهم بالخصوصية إنني أغرد خارج السرب لأنني أولاً وقبل كل شئ إنسان مثلهم ، ولا بد أن أقبل فيما أحل من قوانين السير والمحاكم والمحافل ,,
وحتى لون الزهور في كل مناسبة
,,, خذوا مني ماتشاؤون فقط أعطوني حرية إختيار اللون والاداء لأفتح لكم نافذة على عالم قد لاتعرفونه…..
يتبع