بارود…… ولعنة زيتون

أفين محمد اوسو
مَن يكسرُ حصارَ الحنينِ،
ويغتالُ الذاكرة؟
مَن يرشدُني إلى حجر عرّافة 
تبطّلُ مفعولَ طلاسمَ وأحجيةً
تعيقُنا بروحانية الأزمنةِ،
والطفولةِ الغابرة؛
لتحطَّ أرواحُنا بسلام إلى مجاثمها
كيف نكفُّ عن الاشتياق،
وذاكرتُنا ترج مثقلة
من رائحة الزعترِ البرّيّ 
وندف البلوط المتساقطة كالأمطار؟
  ****
أنا ابنةُ هذه البقعة المفترشة بالزيتون والزيزفون
حيث تصافحُ زرقةُ السماءِ الأرضَ والساقية.
رضعْنا من أثدّاء تَدُرُّ حليباً بنفسجياً
وغفينا على هدهدة أغنياتِ «بافي صلاح» 
و«جميل هورو»  الجبلية
أتذكّرُها، وعصفورٌ مذبوحٌ يرتعشُ في صدري
كيف حالُها يا تُرى؟
سهولُها
وجبالُها…
هل ما زالَتْ شامخةً حانية؟
والسنابلُ زهاءُ غربتِنا
باتَتْ تحملُ قمحاً، أم قنبلة؟
وماذا عن خمرة رمّانها الشهية 
سامقةً بقيَتْ، أم بتروها، كما بتروا من جسد «بارينَ»  أثدّاءها؟
نحن جيناتٌ عصيةٌ على أقدارنا 
وإن همشوا بتمثال «كاوا»، وحال فتاتاً
وإن سرقوه، وسرقوا القضيةَ المخصية
قبضةُ النسيان لن تطالنا…
ويجرُّنا الوجعُ من تلابيبنا
عفرينُ
يتدفّقُ الحنينُ من فمي ملتاعاً كفراشات ملوّنةٍ
يئنُّ قلبي مع الأرض
ينعكفُ المعولُ
وتتهاوى حبّاتُ الزيتون من قلبي قبل الشجر 
كلما خطا أرضَها غريبٌ
يجني المحصول
   *****
تحدّثُني «نازلي» باكيةً من هناك
وأنا على الهاتف أزيحُ صوتَها؛
لأستمعَ لصياح الديك
وشغبِ عصافيرَ تعيدُني للطفولة
أستنشقُ رائحةَ المواقدِ من كفّ السماء 
أدخنُ سيجارة
أنفثُ وجوهَ العابرين 
وأرقصُ وأرقصُ بينَ شواهدِ القبورِ
حافيةَ القدمين 
أتدحرجُ
أهرجُ
أصرخُ
فيتحوّلُ جسدي إلى هباب بطعنات مستديمة
وأبكي حنيناً
حتى تنهكُ الذاكرة 
أتسرّبُ كنبيذ مخمر في دنان الأوجاع من بين أصابع المكالمة 
تصرخُ بي: هل تسمعين؟
أجيبُها بلا
فتقولُ صارخةً:
إنها مسرحيةٌ إيمائيةٌ لعينة 
إنهم قطعوا الشجرةَ،
وخنثوا الكرومَ،
وعاثوا في بيادرنا خراباً
دمّروا المدارسَ والطواحين…
من سور المنازل المدمّرة يسرقون أحجاراً
يبنون بها مساجدَ وصوامع
ملطّخة بدم مزركشٍ بهلال ونجمة
ويطمسون الهوية.
سفنُ أحلامِنا جنحَتْ في مرفأ أحقادهم 
وكأن الله خلقنا لنستكينَ ونستباح
ويزرعَ في خناجرنا السكاكين 
ويرتعَ من دماءنا كؤوس السنين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…

صدرت الترجمة الفرنسية لسيرة إبراهيم محمود الفكرية” بروق تتقاسم رأسي ” عن دار ” آزادي ” في باريس حديثاً ” 2025 “، بترجمة الباحث والمترجم صبحي دقوري، وتحت عنوان :

Les éclaires se partagent ma tête: La Biography Intellectuelle

جاء الكتاب بترجمة دقيقة وغلاف أنيق، وفي ” 2012 ”

وقد صدر كتاب” بروق تتقاسم رأسي: سيرة فكرية” عن…