إلى رحمة الله سيداي كلش

محمد قاسم (ابن الجزيرة)

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى رحمة الله تعانق جنانه روح الشاعر والمناضل السياس سيداي كلش (ملا حسين) بعد أن قضى عمرا مديدا في البحث عن طاقات ذاته فنشرها عبر شعر أو  نضال سياسي بروح جريئة وعزيمة لم تمل حتى أيامه الأخيرة..
ربما قيل بأنه لم يشتهر على قدر المساحة الزمنية التي بقي فيها سياسيا وشاعرا.. وأصدر عددا من الدواوين والكتب..!
ونقول : ربما
ولكنه بدأ يتيم الأبوين وبنى ذاته بتحصيل علوم الشريعة التي كانت سائدة في حياة الكرد..واستطاع أن يحتك بقول الشعر متتلمذا على يد الشاعر الكبير المرحوم جكرخوين (ملا شيخموس) (انظر مقدمة ديوانه… )
وانخرط في صفوف الحركة السياسية الكردية محاولا التجديد عبر انتقاله من حزب إلى آخر (أو انشقاقه عنه مع بعض رفاقه) ظانا انه قد يغير شيئا في أسلوب الأداء الحزبي الذي لاحظ ترهلا فيه وربما نوعا من الانحراف عن مسيرته الأساسية ومبادئه.. ولكنه للأسف لم يتوفق في ذلك. لأن الذين يقودون الأحزاب الكردية يعودون جميعا إلى حقبة كونت ثقافتهم السياسية الخاصة بها، والتي قد لا تناسب الحقبة الحاضرة في جوانب منها –على الأقل- ، واستمرؤوا مواقعهم التي يشغلونها بنوع من النظرة الاستبدادية التي تبنى على فكرة عدم صلاحية الآخرين، أو أنهم الأعلم والأقدر من الجميع..!
وهذه آفة ابتليت بها أحزاب الحركة الكردية –وللأسف-
المهم سيداي كلش قضى حياة بذل في بنائها على قدر ما استطاعه من جهد وقدرة. 

 وكان صادقا على درجة كبيرة في ذلك.. وساهم في توعية الناس بالروح القومية في مطالع العمل السياسي.. خاصة..
نحن لا نريد أن نذهب في مديحه بعيدا كما يفعل بعض كتاب الكرد والذين لا يتركون عبارة أدبية طنانة ورنانة إلا ويحشرونها في مقالاتهم –التأبينية خاصة- وذلك بعد الموت – كما هي عادة الشعوب المتخلفة، لا تدرك قيمة أبنائها إلا بعد موتهم، أو تنافق المجتمع فيما تبديه من مشاعر أحيانا..فالممدوح كان حيا، وكان جديرا بتقدير كاف.. واحترام متكافئ مع عطائه-ولا أعني هنا سيداي كلش وحده- ولكنه لم ينلهما،بل ربما تعرض للأذى –كما هو الحال عادة عند وجود مبدعين في مجتمع متخلف لا يستوعب إبداعهم- .. ويأتي المؤذون ليسيلوا حبرا كثيرا في المدح الوصف المبالغ فيه..
نحن لا نريد أن يكون شعبنا بهذه الثقافة غير المسؤولة..
فلنمدح على قدر الاستحقاق.. ولننتقد على قدر الاستحقاق.. (بالقدر الذي نستطيع مغالبة أنفسنا.. وهي حالة تربوية دونها الكثير الكثير من الوعي والجهد… )
ولننتبه إلى قيمة المرء عندما يكون حيا وفاعلا وقادرا على العطاء.. ونستفيد –كمجتمع- من هذه الخصال (الحي أبقى من الميت) وبعد أن يموت نؤبنه بما كان فيه..فلا مبالغات شعرية كالذين  (في كل واد يهيمون) ولا صب مواصفات لا يتمتع بها المؤبَّن..وإذا كانوا يظنون أن في ذلك تقديرا، نقول لهم: بل في ذلك تقليل من شأن الممدوح والمؤبن أن تصفه بما ليس فيه –حيا أو ميتا-
نحن بحاجة إلى ثقافة موزونة وموضوعية ما أمكن (حكمة) نضع الأمور في نصابها ..
بالواقعية المتجددة -وفق المعرفة المستمرة- يمكن أن ننشئ ((أنفسا وعقولا)) كم يقول أحمد شوقي.
رحمك الله سيداي كلش..
وأسكنك فسيح جنانه..
ولتبق ذكراك وذكرى أمثالك روحا حية تنبض بها ضمائرنا، نستهدي بإشعاعاتها المنيرة في مسيرة الدرب الطويلة..!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…