لسْتُ بشاعرٍ

عبد الستار نورعلي

(إعادة نشر):
وانا على ابوابِ الثمانينَ ـ استميحُكم عذراً ـ أعيدُ نشرَ القصيدةِ أدناه، التي عانقَتْ شمسَ نهارِ الولادةِ، وكانَ عمري يطرقُ ابوابَ السبعين. المضمونُ مازالَ إياهُ، والشمسُ ما انفكتْ مشرقةً. الفارقُ أنَّ القوةَ الجسديةَ لم تعدْ إياها، مع أنَّ نبضاتِ القلبِ لم تضعفْ، وجمراتِ الأحاسيس والمشاعرِ لم تخمدْ، والأملَ بغدٍ نابضٍ بالحياةِ للإنسانيةِ جمعاءَ لم ينطفئ، والتفاؤلَ لم يخبُ، والأمميةَ لم تختبئ خلفَ سواترِ العصبيةِ القبليةِ، والجمالَ لم يولِّ دُبُرَهُ أمامَ كاميراتِ العينين، والحبَّ بقي يرفرفُ في بستانِ القلب… 
  فاحتملوني. 
”  عبدالستار بن نورعلي بن مرتضى بن الملا نزار…” ويكفي! 
القصيدة:
أدعوكَ ربِّي، حيلتي  بدعائي
أنا في رحابكَ، لا تردَّ رجائي
أنشرْ جناحي بينَ أنفاسِ المدى
لأفكَّ  قُفلَ القلبِ عنْ إنشائي
أطلِقْ عناني ، كي تخطَّ أناملي
مكبوتَ ما في النفسِ منْ أصداءِ
إمنحْني رَعْشةَ مبدعٍ  ومُصوِّرٍ،
لَهَبَ القريضِ، رهافةَ الشعراءِ
أنا مغرمٌ بالشعر، لسْتُ بشاعرٍ
حتّى و إنْ غنّى الكلامُ  ندائي
مازلْتُ طفْلاً حابياً في روضهِ
تلهو بيَ الأزهارُ عَذْبَ غناءِ
ما كلُّ ردّادِ الأغاني مطرباً
ما كلُّ  نظّامٍ منَ الشعراءِ
الشعرُ صعبُ المرتقى ودروبُهُ
حِممُ المشاعرِ وانطلاقُ فضاءِ
معنىً يُقانصُهُ بجُودِ قريحةٍ
لهبٌ، نسيمٌ مُطفئُ الإعياءِ
نبضٌ لقلبٍ عاشقٍ مُستوحِشٍ
يهبُ القصـيدَ فتـوةَ الصـحراءِ
ينبـوعُ  مـاءٍ دافـقٍ  بنميـرهِ
يسقي العِطاشَ لذاذةَ الإرواءِ
ورغيفُ خبزٍ طازجٍ متوهّـجٍ
غذّى الجياعَ عصارةَ العلماءِ
*  *  *  *
عازَفْـتُ نايَ الشِـعرِ بالأضـواءِ
وسكبْتُ ما في الروحِ مِنْ صهباءِ
جُبْتُ الشِعابَ صعابَها وسهولَها
فسُقيْتُ إعراضاً وصمتَ جَفاءِ
لكنّما الإصرارُ غايةُ موردي
وسقايتي منْ سيرةِ العظماءِ
فسكنْتُ داخلَ أحرفي ورداؤها
عَصَبُ الأزقةِ ، غضبةُ الفقراءِ
والماءُ والأنسامُ، وجهُ مدينتي
والحقُّ ، والانسانُ  خلوَ الداءِ
أمّا التي يعدو الخَليُّ بظلِّها
لا ترتوي منها بغيرِ شـقاءِ
فافتحْ كتابَ العشقِ كم مِنْ عاشقٍ
ذاقَ المرارةَ منْ  هوى الحسـناءِ!
واقرأْ لقيسَ وديكِ جنٍّ والذي
شـدَّ الرحالَ لموطنِ الغرباءِ
لا تعذلوهُ فقد أصيبَ بحتفهِ
وسلوا الخليلةَ قسوةَ الضرّاءِ*
*  *  *  *
ها إنَّ سبعيناً بحسنِ عطاءِ
لاحتْ بيارقُها بأفقِ سمائي
سبعونَ مسرعةً تقرِّبُ خيلَها
صوبي تزيدُ توقُّدي وعنائي
ما ضرّني مِنْ عابراتِ سنينِها
ما قد يُعيبُ الجلدَ تحتَ ردائي
ما أزهرَتْ لغتي بغيرِ ندائها
وبغيرِ لحنِ الحبِّ في الأرجاءِ 
إنّي اقتحمْتُ الحرفَ منْ أبوابهِ
لا ناظـرَ العَجـماءِ والرقطـاءِ
أو طارقاً أبوابَ منتجعِ الخنى
فبقيتُ محفوظَ اليدِ البيضاءِ
ولذا تغافلتِ الثعالبُ، مارأتْ 
فيها دَهينـاً ، مُثقَـلاً  بثراءِ
أو إصبعاً حرَفَتْ قيادَ مسيرِها
بينَ السفوحِ ، وخيمةِ اللؤماءِ
قممُ المعالي خيمتي، أيقونتي
لا أبتغي سـفحاً ، ونثـرَ هبـاءِ
أنا مغرمٌ بالشعرِ لستُ بشاعرٍ
دقَّ الطبـولَ بنفخـةِ الخُيـلاءِ
ـ ـ ـ
* اشارة الى ابن زُرّيْق البغدادي وقصيدته:
لا تعذليـهِ فـإنّ العـذلَ يولعُـهُ
قد قلتِ حقّاً ولكنْ ليس يسمعُهُ
جاوزتِ في لومهِ حدّاً أضرّ بهِ
مِنْ حيثُ قدّرتِ أنّ اللومَ ينفعُهُ
فاستعملي الرفقَ في تأنيبهِ بدلاً
عنْ عنفهِ فهو مضنى القلبِ موجعُهُ
عبد الستار نورعلي
الأثنين 21 ديسمبر 2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…