ماذا ستفعلونَ بجنازةِ نازك الملائكة يا حكومة العراق؟؟!!

  نارين عمر
       
لعلّ قدر المبدعينَ الحقيقيينَ في عالمنا الفسيحِ, الخلاّبِ هذا, ألا يتلمّسَ البشرُ خفايا نفوسهم المرهقة بشجونِ وشؤون القدرِ والزّمنِ, وألاعيبِ الدّهرِ إلا بعدَ رحيلهم الممهور بصكّ اللاعودةِ مرّةً أخرى.
فها هي الشّاعرة الحقيقية, المفعمة صدقاً وحسّاً وهدوءا ً(نازك الملائكة) تهدهدُ أشلاءها المبعثرة في مفترقِ طرقِ الألمِ والأملِ معاً, لتلجَ هودجَ المنيّةِ -الذي هو في أهبّةِ الاستعدادِ لاستقبالِ أيّ منّا دونَ أن يغلبه داءُ العجز والمللِ-
تلجه بهدوءٍ من دونِ أن تلوّحَ لأحدٍ بيدها, أو تلقي نظرة الوداعِ الأخيرة على أحدٍ, ربّما ليقينِها بأن لا أحدَ من بني جنسها من البشر يستحقّ شرفَ وداعِها الأخير, أو ينتظرُ منها ذلك, وهي التي طالما تسرّبتْ برفقٍ وبدون استئذان إلى أعمقِ قيعانِ خفاياهم  ومكامنهم بمفردةٍ سكرى, وأحرفٍ منتشية, لتعقدَ فيها حلقاتِ الفرحِ والسّعادةِ حيناً, وتزرعَ فيها بذور الأمل والطّموح تارة أخرى, أو لتنصبَ مجالسَ عزاءٍ ومواساةٍ لكلومها المحتضرة.
نازكُ الملائكة التي تُعتبرَ واحدة من روّادِ الشّعرِ العربيّ الحديث, إلى جانبِ بدر شاكر السّيّاب وبلند الحيدري وعبد الوهاب البياتي, والتي تُعتَبرُ من روّادِ النّقدِ العربيّ الحديثِ أيضاً, وهي التي سطرت بقصيدتها (الكوليرا) التي نشرتها عام/1947/ إلى جانب قصيدة السّيّاب (هل كان حبّاً؟) في العام نفسه البداية الأولى بل الحقيقية للشّعر المنثور أو الحرّ, وصاحبة القلم الدّفاق والفكرِ الجريء والحسّ النّابض حبّاً وصدقاً ورغبة في تغيير الكون نحو الأفضل والأحسن, ترحلُ بعيدة عن وطنها (العراق), وعن أرضها, وناسها, وشوارع الحارة, وهمساتِ طرقاتها, وهي التي أمضتْ سنوات طفولتها وصباها فيها, تغزلُ أنفاسَ الطموح والأمل بالمستقبل من خفقاتِ قلبها النّابضة بعشق الحياةِ والبشر, فكان أن بادلها النّاسُ وبادلوا أهلها العشقَ نفسه والاحترامِ ذاته, حتى أطلقَ عليهم بعض سكان الحارة اسم الملائكة, لجوّ الهدوءِ والسّكينةِ الذي كان يخيّمُ على بيتهم وعلى أفرادِ الأسرة.
لا ندري كم من الأقلام ستعودُ إليها روحُ اليقظةِ وتكتب عن هذه الشّاعرةِ التي كانت ومنذ سنواتٍ طويلةٍ في عدادِ الموتى, ولم يشعر بها, أو لم يحاول إلا القلّة القليلة من النّاس وخاصّة المهتمينَ بالشّأن الثّقافي والأدبي أن يهتموا بها. وحتى الحكومة العراقية التي طالبتْ بتسليمها رفات الشّاعرة لتدُفنَ في العراق, لم تمدّ لها يد الرّعايةِ والاهتمام إلا بعد فواتِ الأوان, على الرّغم من الدّعوات المتكرّرة والحثيثة من الاتحادِ العام للأدباءِ والكتّابِ والمثقفين العراقيين لهذه الحكومة بإنقاذِ حياتها من براثن الألم والأسى, ولا نعرف حقيقة ماذا سينفعهاُ الحسدُ الهامد؟؟!
مرّة أخرى أؤكد على أنّ قدرَ المبدعين الحقيقيين ألا يروا مجهودهم موسوماً بثناءِ مَنْ تلقوا إبداعهم, وتلقفوه بنهم. وتظلّ هذه الأمنية وستظلّ أمنية أن نرى الولادة الحقيقية ليومٍ يحصلُ فيه كلّ ذي حقّ على حقه, وكلّ مبدع على ثمرةِ عمله, وهو حيّ يُرزق, وهو بأفضل أحواله الصّحية وبكامل قواه العقلية والجسدية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…