وفي فيلمه الناجح “زمن للخيول السكرى”، يتناول قبادي أيضاً الشروط المعيشية للأولاد والمراهقين في المنطقة الحدودية بين إيران والعراق. وفي مهرجان برلين السينمائي لهذا العام، عرض المخرج البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً صوراً بالغة التأثير عن الطفولة الضائعة.
جراح الحرب والاضطهاد البليغة
يقول بهمن قبادي: “في كردستان ينبغي أن تكون راشداً منذ لحظة الولادة”. إن الحياة التي يعرضها الفيلم هي حياة مليئة بالحرمان والجراح العميقة التي سبّبها الاضطهاد والحرب. لم يسلم الأولاد جسدياً أو روحياً من تلك الآثار. حتى أنهم لم يحصلوا على ما يكفي من الحب لمعالجة جراحهم تلك.
انتقد الكثير من المشاهدين الكرد في مهرجان برلين السينمائي فيلم “السّلاحف تستطيع الطيران”، بسبب الفسحة القليلة للأمل والتفاؤل التي يقدمها الفيلم. لقد قالوا: “بالإضافة إلى ما يعرضه الفيلم من مشاهد مأساوية، يوجد في الجانب الآخر كردستان جديد وأفضل، ويوجد تطورٌ وناسٌ على قدرٍ كبيرٍ من الثقافة”. ولكن لا يميل قبادي إلاّ قليلاً لأخذ هذه النظرة المتفائلة، مثله في ذلك مثل بقية المخرجين الكرد المعاصرين.
يوحدّ الإنتاج السينمائي الكردي فكرة مشتركة وهي: التركيز على الناس العاديين الذين لا يستطيعون أن يؤثّروا في مصائرهم. يجد المخرجون الكرد، سواءً كانوا في المنافي، أو في تركيا وإيران، أو في العراق مؤخراً، يجدون أفكارهم في المجابهة اليومية التي يعيشها أبناء وطنهم ضد القمع. أما في سورية، البلد الرابع الذي يتواجد فيه الكرد، لا يوجد فعلياً أي نوع من الإنتاج السينمائي، بل مشاهد سينمائية نادرة. يعمل المخرجون السينمائيون الكرد “السوريون” في كلّ من أمريكا الشمالية وأوروبة.
الغموض والطبيعة القاسية في كردستان
يقول بهمن قبادي أنه عمل مع ممثلين هواة: “يمثّلون حياتهم الحقيقية“.
فرضت الأعمال السينمائية الكردية في الأعوام الأخيرة نفسها على النقّاد والمهرجانات السينمائية العالمية على حدٍّ سواء، نظراً للسّمات الجّمالية الخاصة بالفيلم الكردي التي تحملها تلك الأعمال. فإلى جانب واقعيتها الوصفية العالية، تقدّم أيضاً الجانب الآخر السحري، حيث تفعل القوى الخفية فعلها إلى جانب بطل الفيلم. تبدو المناظر الطبيعية في كردستان أمام عدسة الكاميرا غامضة ووحشية تفرز حياة غريبة خاصة بها.
إن عناصرَ مثل الهواء والتراب والنار والماء، يمكن تلمسها بقوتها الكاملة. كما أن رؤية وجه عجوز أو عيون فتاة صغيرة يمكنها أن تروي قصة كاملة. إن هذا التداخل بين القصة المؤثِّرة والصور الجذّابة هي من إحدى السمات النموذجية التي تتسم بها أفلام بهمن قبادي. تحدث أشياء عجيبة في الطبيعة الكردستانية القاسية، ويقوم الفيلم بعكس تلك المشاهد على طريقته الخاصة.
أما السّمة الثانية المشتركة بين العديد من الأفلام الكردية هي سمة ضرورية حسب رأي بهمن قبادي، الذي يقول مفسِّراً: “أعرض في أفلامي قدراً كبيراً من الاضطهاد، لذا اضطرّ أن أطعّمها بشيء من الفكاهة حتى يتحملّها المشاهد”. بالمقارنة مع تقاليد المخرج الأوروبي في الأفلام الاجتماعية الناقدة التي تمتاز بسعة الإطلاع، لا تخلو الأفلام الكردية من بعض المشاهد الكوميدية. ففي الوقت الذي يُنظر إلى بطل الفيلم بحنان ورقة، تثير شخصيته بلمستها الغريبة شيئاً من الطرافة”.
الناس وقصصهم اليومية الحقيقية
ثمة تداخل بين التراجيديا والكوميديا في أفلام قبادي كما لو أنهما أكثر الأشياء انسجاماً في العالم، ويؤدي الممثلون الهواة في فيلم “السّلاحف تستطيع الطيران” أدوارهم لإظهار هذا التداخل على نحو طبيعي ومقنع. ويقول قبادي بهذا الصدد: “إنهم يمثلون حياتهم في النهاية. لم أكتب قصة سينمائية، بل أن تجربة الأولاد هي التي صاغت الفيلم”. إن القصة الحقيقية للفيلم يمكن تلمسها في كل دقيقة من العرض. ولا بدّ لنا أن نصدّق المخرج حينما يقول: “لو استطاع الأولاد المجيء معي إلى مهرجان برلين، لعانوا كثيراً من الصدمة الثقافية. عالمهم هو العالم الذي عرضه الفيلم”.
صوّر بهمن قبادي مشاهد فيلمه في إقليم كردستان العراق، وقد حصل على دعم الإدارة الكردية في الإقليم لإنجاز مشروعه ذاك. لقد سُرّ المخرج كثيراً بالتعاون الذي أظهرته الإدارة الكردية هناك بدعم مشروعه من ناحية المسائل المادية. وقال تعليقاً على هذه النقطة: “يفهمون مدى أهمية فيلمٍ يصل إلى الشعوب في أرجاء المعمورة”. لقد أكدّت كل من الجهة الموزّعة للفيلم ((Mitosfilm، والمنظمة الإنسانية الطبية العالمية غير الحكومية في ألمانيا
German NGO medico international) ) بأن الفيلم سيُعرض في العديد من دور السينما في ألمانيا. لقد قدّمت تلك المنظمة الألمانية غير الحكومية الكثير من المساعدة إلى ضحايا الألغام في كردستان وأفغانستان.
بالرّغم من أن الفيلم يركّز على معاناة الشعب الكردي، فإن هذا الشعب محروم من فرصة مشاهدة الفيلم، سواء كان في العراق أو في إيران –البلد المجاور. وبهذا الخصوص يقول بهمن قبادي: “في المنطقة كلها لا توجد سوى عشرة دور للسينما لأربعين مليون كردي”. وأضاف، أنه تمكن في إحدى المرّات من عرض فيلمه على جمهوره الكردي، وبعد انتهاء الفيلم: “عانقني الناس وانفجروا بالدموع”!!
الترجمة من الألمانية إلى الإنكليزية: إيزابيل كول
الترجمة من الإنكليزية إلى العربية: عمر رسول
عن: © Qantara.de 2005