قراءة في الأعمال المنجزة في سيمبوزيوم السليمانية الثالث في كردستان العراق «زهير حسيب» يقبض على إحدى وجوه نسائه في السليمانية متسائلاً إلى أين تهربين مني (10)

غريب ملا زلال
إن لوحة زهير حسيب مبنية على سلسلة متحركة من النقاط تدور بثقة حول نقطة إرتكاز واحدة، بغية الوصول إلى حركة الرغبة المرجوة التي تراوغ و هي تسفيض بالتراكيب في سيرورة من الغنى المترف، إن كانت في مستويات معينة من بلورة التقسيمات و تعميقها، أم ما كانت في الأفكار المهيمنة على سجاداته و هي تطرز كنسيج شرقي و بلا توقف و بلا إرتباك، و يخبرنا بطرق معينة عن خبرته في ذلك، و عن تفرده و غناه، كل ذلك لزيادة علاقاته بالإهتمامات الجمالية، الإنسانية و العاطفية التي لا تخلو من البهجة بمعنى ما، و التي لا نكتفي نحن بأننا قد أمسكنا بخيوط معانيه، و لا بأننا في تأملنا وصلنا إلى تفاهم مشترك معه، فتحويل بياضه إلى علامات سوداء عبر وجه قادم من عبق الماضي، من عبق الشمال الحزين يعيد ترتيب ملامحها، و يصيغها بعناية، و يتحكم في طرح قصتها بالإحتكام إلى لغة من الصعب ترجمتها إلى كلمات، 
أقول تحويل بياضه من داخل الهاوية إلى فسحات تخفيها السواد ما هي إلا الحركة الأولى التي أطلقها حسيب بأنه جاد في توسيع النسيج الموجود، و بأنه منسجم معها إلى حد الإلتزام في طرح مفاتنها الشرقية بطريقة و كأنه عازف قيثارة يغني بكل مهاراته لوجه تركض منه و هو يلهث خلفها منذ قرون متسائلاً إياها كيف هربت مني، كيف وجدت طريقك إلى هنا، أعتقد أن حسيب يثير الكثير من نشوتنا و من استغرابنا لخصوصية ما يقول، فهو يمارس النسج بمزيد من الخيوط و الخطوط و كأنه هارب من متاهة ما و ينتظر إنجاز سجادته ليمتطيها نحو السموات العشرة .
اشتغل زهير حسيب هنا في هذا الملتقى عملاً واحداً، و كعادة وجوهه ترافقه في كل مكان و زمان، بل تلاحقه و تطارده أينما حل، لا تدعه لوحده، وجوه ترتد من من ملاحم الأقدمين، من قصصهم و حكاياتهم، من سفوح الجزيرة، و عين ديوار، أو من جبال سنجار و كردستان، وجوه مخمضة بالحنين للأرض و للحب، فكل علامة ترسم منهن تحمل من التاريخ ما يشكل مفاجأة في دوار من المعاني، فهو أقصد حسيب مثله مثل كاهن شرقي يبدأ بالنظر إلى نفس شخوصه أولاً، إلى دواخلهم، بوصفها صندوق أسود لزمن و مكان ما، فهو يميز بين التي تقبل التفسير بجوانب عدة، و التي لا تقبل، وحدها تتحدث عن حكايتها و الوجع الذي تحمله، و تعلن هي عن نفسها عوضاً عن سراب من التفسيرات التي يخرج بها المتلقي معتمداً على رؤيته هو، و هنا لا تنتهي مقولات حسيب بل بإثبات حسيبي و تحت شكل ما يقوم بتمديد الملامح البصرية بهوامشه و تكراراته و اختلافاته بأبعادها المختلفة، فهو لا يبني بناءاً خيالياً بقدر ما يتجه إلى إبراز الدلالات و سائر الخصائص الأخرى، و بناء عليه فإن العلاقة بين حسيب و منتجه، بينه و بين وجوهه هي علاقة بالغة التنوع، علاقة قابلة للإشتعال في كل حين، فالحيرة و الحلم و الحب و الحنين و الجمال التي تبث من لوحته هي ذات المفردات التي تبث منه، فهو في تلاحم مع تلك المفردات التي باتت تشكل مكونات لغته، و في هذا المجال نستطيع أن نقول بأن حسيب في حالة تفاهم و انسجام مع عمله، و هذه خاصية تسجل له، و تمهد له ما تمكنه من إنتاج أشكال شتى من الدلالات الخفية و الصريحة، و التي دفعته إلى شكلنة خاصة به منحته وجوداً خاصاً . 
زين، شيرين، خجي، ميديا، الأميرة في زمبيل فروش، فاطمة صالح آغا، … إلخ، أسماء لعاشقات كرديات يتم تداولها في الوسط الكردي بقوة، بطلات لحكايات و قصص و ملاحم يحتفي بها الكورد على نحو كبير، تلك الأسماء هي التي تحل ضيوفات عزيزات على أعمال زهير حسيب، زهير الذي يشتغل عليهن كعلامات للجمال الكردي، و العشق الذي يشحن مشهده بقيمة معرفية و فنية، تلك هي وجوه حسيب الذي لا يمكن له أن يدير ضهره لهن، يمضي معهن تبعاً لحالتهن، فنجدهن أحياناً حالمات ينطحن السماء، و أحياناً حزينات و كأن الجبل دحرج على قلوبهن، و أحياناً فرحات و كأنهن في ليلة زفافهن، و في أحيان أخرى حائرات في تأملهن ينتظرن ربهن للإتحاد به، كل ذلك يصوغه حسيب بنوع من المحتوى الرمزي و إن كان لا يعترض على حضورهن بأصول و جذور ماسة للواقع و التاريخ، و كأنهن يخاطرن بهذا الحضور، و لا مشكلة لدى حسيب في ذلك، الأهم أن يكن في كامل احساسهن ككائنات من لحم و دم، و هنا يستلزم قدراً من الفضاء المباح، عليه يمارسن حبهن و عشقهم، و حزنهن و إنكساراتهن، فرحهن و رقصات قلوبهن، لعلهن يشجبن القبح الصاعد فينا، و يتخذن من نقوش و نمنمات حسيب أدوات لزينتهن، فاللحظة هي حضور لذاتهن و لهذا لا يترك حسيب تلك اللحظة أن تنفلت من ريشته، عليه أن يكون على أهبة الإستعداد للقيام بالواجب و رسمهن و إلتقاط العمق بحكمة فنان محترف متمرس .
زهير حسيب:
مواليد الحسكة – سورية
عضو نقابة التشكيليين السوريين 
متخرج من كلية الفنون الجميلة بدمشق 
من معارضه الفردية :
1980 المركز الثقافي – الحسكة
1989 قصر الثقافة، درسدن، المانيا 
1990 صالة عشتار، دمشق
1991 صالة الخانجي، حلب 
2000-2002-2005 صالة الشورى، دمشق 
2006 صالة السعيد، دمشق 
2013 صالة ميديا، أربيل 
2013 سردم، السليمانية 
2017 غاليري لو ميريديان، دبي
و من معارضه المشتركة :
معرض الشباب الدولي صوفيا، بلغاريا 
بنعلي للشباب، مسقط، عمان 
دار الندوى مع الفنان فاتح المدرس، بيروت 
2003 معرض لتكريم الفنان الراحل عمر حسيب، دمشق
2004 صالة السعيد، دمشق
2015 غاليري لمياء طوس، دبي
2017 غاليري أتيليه، القاهرة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…