عـــنِ الشِّعـرُ المحكـيِّ المُفـــارِقِ للرُّؤيـــةِ الرَّعويَّـةِ علـــى هامــــــــشِ نــــــــــصٍّ لـ (حيــــــان حســــــن)

أحمد عزيز الحسين

نشر الصديق الشاعر حيّان حسن في صفحته الفيسبوكيّةِ نصاًّ من الشِّعر المحكيِّ، وقد كتبتُ تعليقاً مطوَّلا عنه، ويسعدني أن أعيد نشرَ النّصِّ والتّعليقِ معاً احتفاءً به، ورغبةً في الحوار حوله.
النّـــــــــــــــصُّ :
مشتاق
غمّسْ دمعتي
بالملح
وشوفْ الجرحْ ضحكانْ
زعللانْ منّكْ ياصبحْ
مابتسألْ الزّعلانْ
أنت وأنا
حكايةْ صلحْ
عَ مفارقْ النِّسيانْ
التّعليــــــــــقُ :
في أغلب الشعر المحكيِّ الذي نقرؤه في هذه الأيّام، يبدو هذا الشعرُ مفارقاً لزمنه وعصره، ولا رابطَ يربطه بما يجري فيه من مآسٍ وكوارث، حتى لكأنّ كاتِبِيْهِ يعيشونَ في برجٍ عاجيٍّ لا في زمننا الأغبر، وكأنهم لايواجهون ما نواجهه من أزماتٍ مستعصيةٍ تعصفُ بحياتنا، وتشكل خطراً على وجودنا كله… أو لكأنّ أصحابه يعيشون في نعيمٍ سماويٍّ، ولا يجثمُ على صدورهم ما يجثم على صدورنا من قوى عاتيةٍ وتسلطٍ وقهرٍ .
وأغلبُ الشعرِ  المحكيِّ، الذي أتيح لي قراءته لصديقنا حيان أو لغيره، يتمحورُ حولَ الغزلِ، ويصوِّرُ حالةَ عشقٍ باذخةً يتغزّلُ فيها الحبيبُ بجمالِ حبيبتهِ، ويعيشانِ حالةً من الرخاءِ والاستقرار العاطفيّ تتيح لهما تحقيقَ ما يطمحانِ إليه من حياةٍ مفعمةٍ بالسعادةِ والطّمأنينةِ، حتّى لكأن العلاقةَ العاطفيةَ التي يتغنى بها شعراءُ المحكيِّ عموماً تجري في فضاءٍ اجتماعيٍّ آخر غير الذي نعيش فيه.
وفِي الغالب تُصوَّرُ المرأةُ، في مثل هذا الشعر، مخلوقاً ملائكيّاً مصنوعاً من السوسن والحبق والورد والغار، أما الرّجلُ ( أو الساردُ ) فيُصوَّرُ فارساً همُّهُ الأساسُ أن يظفر بالحبيبة، ويحظى بها في فضاءٍ خلبيَّ ملوَّنٍ لا وجودَ له إلا في أذهان أصحابه.
وقد قرأتُ لصديقنا (حيّان ) اليوم نصّاً تحرر من إسار هذه الرؤية الخلبية، فشعرتُ بسعادةٍ غامرة؛ لأن (حيان) في معظم ما قرأتُ من قصائده وقع في شرَكِ الرّؤية الرّعويّة، وكتبَ نصوصاً عن امرأة متخيلةٍ لاوجودَ لها في عالمنا المعاصر، واستخدم نوعاً من الجمل النمطية المألوفة الخافتة البريق، والتي يمكننا العثورُ عليها عند غيره أيضاً.
أما في نصه، اليوم، فهو لا يكتفي بالانفكاك من إسارِ الرؤيةِ الرعويةِ، والابتعادِ عن اصطناعِ صورةٍ متخيلةٍ لامرأةٍ لاوجودَ لها في فضائنا الاجتماعيِّ العربيِّ، بل إنه يكتب عن مكابداته الذاتيّةُ، وينغرس عميقاً في تربة وطنه، وزمنه، وعصره، كما يعتمد المواربة والمخاتلة، ويتحرر من القالب اللغويِّ والمجازيِّ المستهلك الذي نستطيع العثور عليه في نصوص الشعر المحكي، ويكتب جملا شعرية طازجة طافحة بالحياة والمفارقة، أفرزتْها معاناتهُ الشخصيةُ، ورغبته في التعبير عن ذاته، ومثلُ هذا النوع من الشعر جديرٌ  بأن نقرأه، ونحتفيَ به، ونشجع (حيان) وأصدقاءه على الإكثار منه؛ لأنه هو النمط الجدير بأن يبقى، ويعبر عن زمنه وعصره.
  ـــــــــــــــــــــــــــــ
ناقد سوري

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…