برزو محمود
من المعروف أن اللغة الكردية تكتب بأبجديتين مختلفتين: تستخدم اللهجة السورانية الحروف العربية المعدلة في كردستان العراق وايران، أما أكراد تركيا وسوريا وروسيا حيث اللهجة الكورمانجية يستخدمون الحروف اللاتينية المعدلة. في السنوات الاخيرة وخاصةً بعد تعاظم دور الحركة الكردية في المنطقة وبروز الكيان الكردي في كردستان العراق، واعتبار اللغة الكردية اللغة الرسمية في العراق، هذا الوضع الجديد يطرح على المثقف الكردي مسألة ذات أهمية بالغة وهي توحيد الابجديتين في نظام كتابي واحد مما يشكل خطوة كبيرة نحو ايجاد اللغة الموحدة.
يبدو لي أن الكيان الكردي الحالي المتمثل في الحكومة الكردية في كردستان العراق ينتظر موعداً لصراع داخلي بين اللهجتين الرئيسيتين: السورانية من جانب، والكورمانجية من جانب أخر. هذا الأمر يطرح نفسه من خلال عناصر موتورة من اللهجة السورانية تحاول انتهاز الفرصة التاريخية من خلال تسخير الكيان الكردي في كردستان العراق لتثبيت وترسيخ اللهجة السورانية لتصبح اللغة الكردية الفصحى (الستاندرد) لعموم كردستان، دون حساب للهجة الكورمانجية التي تطرح هي الاخرى نفسها كلغة رئيسية باعتبارها تمثل لغة الأكثرية في عموم كردستان. لهذا السبب، بين الحين والأخر، نسمع أو نقرأ مقالة لمثقف من اللهجة السورانية يطرح أفكاراً تنم عن تعصب لهجوي مقيت، تراه مرةً يستقوي بالكم الثقافي والمعرفي المدون بهذه اللهجة، ومرة يتذرع بالاسلام من أجل اقرار الأبجدية العربية للغة الكردية الموحدة، ومرة يصور لهجته على أنها في مكانة لهجة قريش العربية بعيداً عن الموضوعية والتفكير العلمي في الطرح، ودون حساب لمشاعر ناطقي اللهجات الأخرى. في الحقيقة لم أكن في البداية أعير أي اهتمام بهكذا طرح، بسسب تفاؤلي وأملي بالنخبة المثقفة التي من المفروض أن تتمتع بذهنية منفتحة على الأخر، وتعالج القضايا بروح قومية بعيدة عن الفردية والتفرد الفئوي، وتطرح المسائل بعقلية خالية من التعصب الذاتي. ومن الاهمية جداً أن يشارك علماء كرد من كافة اللهجات لتناول ومناقشة القضية اللغوية، ويعالجوا هذه المسألة انطلاقاً من المناهج العلمية في ايجاد اللغة القومية الموحدة، واقرار الأبجدية التي تستوعب النظام الصوتي الكردي انطلاقاً من المناهج العلمية في تحليل اللغة وما يتلائم مع الخصائص الصوتية للغتنا الكردية بعيداً عن النزعات الايديولوجية في الطرح.
ولكن ما حدث في مؤتمر اربيل حول مسألة التربية والابجدية الموحدة للغة الكردية وذلك بتاريخ 22 – 24 شهر أيار أزال الستار عن أفكار لم نكن نتوقعها أن تصدر من مثقفين كرد. هذه الأفكار تم التخطيط لها اذ كان الطرح في هذه الحالة لا يخص بمسألة اختيار الأبجدية المثلى انطلاقاً من وجهة النظر العلمية، أو نابعاً من التعصب الأعمى لأبجدية معينة، بل جاء هذه المرة على شكل حملة منظمة على مؤسس الابجدية الكردية – اللاتينية، سليل العائلة العريقة في النضال القومي الكردي، المعلم الاول، الامير جلادت بدرخان، الذي ضحى هو وجميع أفراد عائلته (مدحت، وعبدالرحمن، وكاميران، وثريا … ) بكل ما يملكون في سبيل قضية شعبهم المظلوم. ومن المستغرب جداً أن يحصل هذا الأمر في مؤتمر التربية واللغة الكردية في العاصمة الكردية وبحضور السلطات الحكومية والحزبية والمؤسسات الثقافية الكردية، اذ يأتي مثقف كردي من اللهجة السورانية ليعلن[1] عن انطباعاته بأن جلادت بدرخان وأخيه كاميران كانا قد تأثرا بفكر وايديولوجية أتاتورك من خلال انطباع ذاتي يفضح عن نفسه شكلاً ومضموناً، وكأنه يريد أن يثير الشك حول كردية جلادت بدرخان[2]، الذي يعد أحد الرموز البارزة والمتميزة في عالم الثقافة الكردية، فضلاً عن أنه مؤسس ومهندس الابجدية الكردية اللاتينية، وإن كان متأثراً بعلمانية أتاتورك، وما الضير في ذلك طالما أنه قد أصاب الهدف ونجح في اختياره للحروف اللاتينية لكتابة اللغة الكردية على نحو معدل بغية استيعاب خصائصها الصوتية، علماً أن الشرق كله مدين للحضارة الغربية في مجال خدمة ورفاهية الانسان أينما كان. وأعتقد أن عملية التذرع بالاسلام لترسيخ الأبجدية العربية في كتابة اللغة الكردية هي ليست إلا ضرب من النفاق، وسياسة ميكيافيلية واضحة يبتغي صاحب هذا الطرح من وراء ذلك أهداف ذاتية وفئوية.
هذه الأفكار بحد ذاتها لا تصب في مسار توحيد اللغة الكردية بل تأتي في خدمة السياسة الشوفينية التركية التي طالما حاولت كثيراً من أجل بتر أوصال اللغة الكردية عن طريق ابعاد اللهجة السورانية في العراق عن الكورمانجية في تركيا بتبني الأولى الحروف العربية. ومن المعروف أن الحكومة التركية تنتهج هذه السياسة منذ ستينييات القرن الماضي بالاتفاق مع الحكومة العراقية وتدفع للاخيرة مبالغ طائلة لتثبيت الابجدية العربية في مدارس كردستان العراق لتتسع الهوة بين اللهجتين الرئيسيتين من أجل إضعاف الصلات القومية بين أكراد العراق واكراد تركيا.
أن أكون متعصباً أو متمسكاً بفكرة ما، أو بلغة ما، أو بلهجة ما، لا يخولني أن أسيء الى رمز من الرموز الكردية نتيجة الاختلاف اللهجوي. فمع أنني أنتمي الى اللهجة الكورمانجية، لكنني أفتخر بشخصيات كردية سياسية كانت، أو قيادية، أو ثقافية، من أمثال الرئيس مام جلال الطالباني، والسياسي اللامع بهرم صالح، والمفكر القدير مسعود محمد، وكثيرين غيرهم، وأعتبرهم جزءاً مني، وأنا جزء منهم، لأن قضيتنا في النهاية واحدة، وعدونا واحد. لذا علينا أن لا نسمح لأحد أن يفرقنا بذريعة اللهجة، أو الطائفة، علينا أن نغذي النقاء الكردي الموجود، وأن نسعى لترسيخ مشاعر الانتماء القومي، وليس الانتماء اللهجوي، أدعو الى هذه الأفكار لآنني لا أحمل بذور التعصب اللهجوي البغيض. فقد كان الاجدر بهكذا مؤتمر أن يكافىء جلادت بدرخان على ما قدمه في خدمة الثقافة الكردية وتطويرها، لا أن يثير الشكوك حوله نتيجة لنزعة فئوية ولهجوية غير مبررة، وأن نعمل جميعاً يداً بيد في سبيل الوصول الى المنهج السليم الذي يهدف الى تضييق الهوة بين اللهجات الكردية، والأخذ بالوسائل المتنوعة بما يخدم عملية التقارب اللهجوي. والخطوة الأولى تبدأ بتهيئة الارضية الخصبة لتلاقي القلوب بالتوجه والتوجيه نحو خلق وسائل التفاهم وزرع بذور الحب والود بين اللهجات عن طريق اكتساب اللهجات المختلفة لدى ناطقيها بغية هدم الجدار الفاصل بينهن.
وفي الوقت الراهن تعد كردستان العراق الموطن المرشح لخلق هذه الارضية الصالحة من أجل بلوغ هذا الهدف المقدس، باعتبارها تتمتع بحكومة كردية ومدارس تعليمية ومؤسسات علمية قادرة على إقرار أبجدية معينة، بينما كردستان تركيا أو أكراد سوريا لا يتمتعون بهذا الحق ليقرروا هذه الابجدية أو تلك. اما من الناحية الموضوعية نجد أن الثقافة العلمية، في العصر الحالي، كلها تميل الى الكتابة بالحروف اللاتينية.
وفي الختام أريد أن أؤكد على هدف واحد وهو أن نبتعد عن تسييس الصراع اللغوي، أن ننبذ النزاعات الهامشية التي تضر بوحدة الصف الكردي، وأن لا نجعل من الاختلاف الموجود في اللهجات الكردية أو في نوعية الابجدية وسيلة لأغراض سياسية تخدم مصالح فئوية على حساب المصالح العليا للشعب الكردي. الكرد، وخاصة في العصر الحالي، اينما كانوا بأمس الحاجة الى الوحدة والتوحد، الى الوفاق والاتفاق، من أجل تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الكردي سوراناً وكورمانجاً وهوراماناً وزازاً.
ولكن ما حدث في مؤتمر اربيل حول مسألة التربية والابجدية الموحدة للغة الكردية وذلك بتاريخ 22 – 24 شهر أيار أزال الستار عن أفكار لم نكن نتوقعها أن تصدر من مثقفين كرد. هذه الأفكار تم التخطيط لها اذ كان الطرح في هذه الحالة لا يخص بمسألة اختيار الأبجدية المثلى انطلاقاً من وجهة النظر العلمية، أو نابعاً من التعصب الأعمى لأبجدية معينة، بل جاء هذه المرة على شكل حملة منظمة على مؤسس الابجدية الكردية – اللاتينية، سليل العائلة العريقة في النضال القومي الكردي، المعلم الاول، الامير جلادت بدرخان، الذي ضحى هو وجميع أفراد عائلته (مدحت، وعبدالرحمن، وكاميران، وثريا … ) بكل ما يملكون في سبيل قضية شعبهم المظلوم. ومن المستغرب جداً أن يحصل هذا الأمر في مؤتمر التربية واللغة الكردية في العاصمة الكردية وبحضور السلطات الحكومية والحزبية والمؤسسات الثقافية الكردية، اذ يأتي مثقف كردي من اللهجة السورانية ليعلن[1] عن انطباعاته بأن جلادت بدرخان وأخيه كاميران كانا قد تأثرا بفكر وايديولوجية أتاتورك من خلال انطباع ذاتي يفضح عن نفسه شكلاً ومضموناً، وكأنه يريد أن يثير الشك حول كردية جلادت بدرخان[2]، الذي يعد أحد الرموز البارزة والمتميزة في عالم الثقافة الكردية، فضلاً عن أنه مؤسس ومهندس الابجدية الكردية اللاتينية، وإن كان متأثراً بعلمانية أتاتورك، وما الضير في ذلك طالما أنه قد أصاب الهدف ونجح في اختياره للحروف اللاتينية لكتابة اللغة الكردية على نحو معدل بغية استيعاب خصائصها الصوتية، علماً أن الشرق كله مدين للحضارة الغربية في مجال خدمة ورفاهية الانسان أينما كان. وأعتقد أن عملية التذرع بالاسلام لترسيخ الأبجدية العربية في كتابة اللغة الكردية هي ليست إلا ضرب من النفاق، وسياسة ميكيافيلية واضحة يبتغي صاحب هذا الطرح من وراء ذلك أهداف ذاتية وفئوية.
هذه الأفكار بحد ذاتها لا تصب في مسار توحيد اللغة الكردية بل تأتي في خدمة السياسة الشوفينية التركية التي طالما حاولت كثيراً من أجل بتر أوصال اللغة الكردية عن طريق ابعاد اللهجة السورانية في العراق عن الكورمانجية في تركيا بتبني الأولى الحروف العربية. ومن المعروف أن الحكومة التركية تنتهج هذه السياسة منذ ستينييات القرن الماضي بالاتفاق مع الحكومة العراقية وتدفع للاخيرة مبالغ طائلة لتثبيت الابجدية العربية في مدارس كردستان العراق لتتسع الهوة بين اللهجتين الرئيسيتين من أجل إضعاف الصلات القومية بين أكراد العراق واكراد تركيا.
أن أكون متعصباً أو متمسكاً بفكرة ما، أو بلغة ما، أو بلهجة ما، لا يخولني أن أسيء الى رمز من الرموز الكردية نتيجة الاختلاف اللهجوي. فمع أنني أنتمي الى اللهجة الكورمانجية، لكنني أفتخر بشخصيات كردية سياسية كانت، أو قيادية، أو ثقافية، من أمثال الرئيس مام جلال الطالباني، والسياسي اللامع بهرم صالح، والمفكر القدير مسعود محمد، وكثيرين غيرهم، وأعتبرهم جزءاً مني، وأنا جزء منهم، لأن قضيتنا في النهاية واحدة، وعدونا واحد. لذا علينا أن لا نسمح لأحد أن يفرقنا بذريعة اللهجة، أو الطائفة، علينا أن نغذي النقاء الكردي الموجود، وأن نسعى لترسيخ مشاعر الانتماء القومي، وليس الانتماء اللهجوي، أدعو الى هذه الأفكار لآنني لا أحمل بذور التعصب اللهجوي البغيض. فقد كان الاجدر بهكذا مؤتمر أن يكافىء جلادت بدرخان على ما قدمه في خدمة الثقافة الكردية وتطويرها، لا أن يثير الشكوك حوله نتيجة لنزعة فئوية ولهجوية غير مبررة، وأن نعمل جميعاً يداً بيد في سبيل الوصول الى المنهج السليم الذي يهدف الى تضييق الهوة بين اللهجات الكردية، والأخذ بالوسائل المتنوعة بما يخدم عملية التقارب اللهجوي. والخطوة الأولى تبدأ بتهيئة الارضية الخصبة لتلاقي القلوب بالتوجه والتوجيه نحو خلق وسائل التفاهم وزرع بذور الحب والود بين اللهجات عن طريق اكتساب اللهجات المختلفة لدى ناطقيها بغية هدم الجدار الفاصل بينهن.
وفي الوقت الراهن تعد كردستان العراق الموطن المرشح لخلق هذه الارضية الصالحة من أجل بلوغ هذا الهدف المقدس، باعتبارها تتمتع بحكومة كردية ومدارس تعليمية ومؤسسات علمية قادرة على إقرار أبجدية معينة، بينما كردستان تركيا أو أكراد سوريا لا يتمتعون بهذا الحق ليقرروا هذه الابجدية أو تلك. اما من الناحية الموضوعية نجد أن الثقافة العلمية، في العصر الحالي، كلها تميل الى الكتابة بالحروف اللاتينية.
وفي الختام أريد أن أؤكد على هدف واحد وهو أن نبتعد عن تسييس الصراع اللغوي، أن ننبذ النزاعات الهامشية التي تضر بوحدة الصف الكردي، وأن لا نجعل من الاختلاف الموجود في اللهجات الكردية أو في نوعية الابجدية وسيلة لأغراض سياسية تخدم مصالح فئوية على حساب المصالح العليا للشعب الكردي. الكرد، وخاصة في العصر الحالي، اينما كانوا بأمس الحاجة الى الوحدة والتوحد، الى الوفاق والاتفاق، من أجل تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الكردي سوراناً وكورمانجاً وهوراماناً وزازاً.
[1] حسب تصريح الاستاذ حسن سليفاني من خلال مقاله المنشور في موقع روجافا الانترنيتي.