شيءٌ عنِ الجنود

فراس حج محمد| فلسطين


1
الجنود “يغتصبونني”
ويأخذون منّي لغتي
ويسرقون ملامح صوتي
يعلو صوتهم على بقايا جثّتي
ويحتفلون بنخبِ دمْ
***
الجنود المدجّجون بي
يستعمرون الحبر والأوراقْ 
والجملةَ الصائبةْ
ويكسرون إيقاع القصيدةِ والشّعاعْ
ويفرغونني من السّاعات السّتّ
الّتي تركتها امرأةٌ لا تبيض قصائدَ
ولا تلد الأمَةُ ربَّتها إلّا على نعشي المكسّر فوق ظهري
***
الجنود يغسلون دمي المدنّس بالشّظايا
بدمٍ يشوّش موتتي المتناهية في تفاصيل الحكايةْ 
وينقلون عبر مكبّرات الحفل نهاية صلبي 
على غرار الموتْ
ويولدون على المقابرِ تترى
***
الجنود الراحمون بقيّتي 
سيطلقون سرباً من النّملِ الكسيح 
لينخر آخر ما تبقّى من عظام الحَقْوِ
ويبحثون في حواجزهم عنّي
لعلّي لم أمت ليعيدَ ذاك الوقتُ المصفّد فيّ قتلي
2
وأنت تطلّين على الجنود المنهكين 
ارميهم بجملتين ساخرتين وضحكة ملوّنة 
وقصفة زيتون
لا تغلقي النوافذ والأبواب 
مرّري الأرواح والألواحَ من خَلَل الجدارِ وقاومي صخب الليلِ والأصواتْ 
برسوم طفلةٍ، بغناءٍ أجنبيٍّ، بحذاءٍ دعائيٍّ، ولا تعطي لهم بالاً
وأعدّي الصباح المخمليّ بمائدة الفطور البلديّة 
بالزيت والزيتون والزعترْ
بحليب وجبنة وطنيّةْ 
ورغيف قمح ناضجٍ أسمرْ
وقدح من الشايْ
واجمعي كلّ الشباب النشامى العالقين على الحواجز 
ورمّمي صور الجنون الوافدةْ
وأسمعيهم صباح الورد والنسرينْ
وقطعة من لحنْ 
قصيدةَ شعر غزليّة؟
واتركيهم يضحكونْ
يَذّكّرونْ
يستعيدون بعض مشاهد الليل العنيفةْ
واتركي دمْعاتهم تربو على صفْحاتهم 
إن مرّ بين اللحن والشعر نورُ دمٍ لشهيد البارحةْ
وبين الحين والآخرْ
تفقّدي جنود الحيّْ
وطيّري من فوق رؤوسهم سرب حمامْ 
وعلّقي عيونهم في مشهد السماء التي تنذر بمزيد من يقين المرحلةْ
3
أما زالوا هنالك مُقْعَدينَ على الأبوابْ 
يطاردون تاريخ المدينةْ
ويدخلون الريح في متن الحكاية؟
كذّبت هذي الدماءُ القارئينَ جميعهمْ 
والليل أطول ممّا قد يظنّ الجنرالْ
يتكدّس الطينُ على البسطارْ
ويشدّهم خوفٌ جبانْ
***
هم مثل خرافة شابت ذؤابتُها على أطراف سيّدةٍ عجوزْ
لا يَصْدُقونَ إلّا بفعل قذيفة منطلقةْ
وزخّ من رصاصْ 
وأرتال من الولهى لنشر الحقد في جوٍّ من العتمةْ
وينتشرون مثل طنينٍ وصدى
***
أما زالوا هنالك يحفرون خنادق الموتى
ويقطعون الماء في الوادي
ويعلّقون على طرف المصابيح الخفوتة نارهم؟
ألم يتعب أولئك من أولئكْ؟
يتربصون فيَتعبون
يداهمون فيَخسرون
يحاصرون فيُحصرونْ
يعربدونَ فيُحشرونْ
وينشرون صحائف القتلى على صفحاتهم إذ يَقْتُلون ويُقْتَلونْ
***
وعلى ما هم عليه من استباحة روحهم 
سنظلّ نعزف ما تراءى من رؤى
تروي شُجَيْرات المدينة والقرى 
ونسير في شوارعنا كما نبغي 
نوظّف آخر جملةٍ منّا 
في مغازلة النساء العائماتِ في بحر من النشوةْ
نربّي الظبيَ في الفلواتْ
ونهدي الياسمينةَ بيتَ شِعرٍ ودفقة أرجوانْ
ونبعث للسماء حصتها، ولا نبكي…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…