شنكالنامه وتأريخ الوجع لابراهيم اليوسف

ريبر هبون
دراسة نقدية
لقد أعطى الكاتب الوقت المتأني لإنجاز الرواية بنفس سردي يحتوي في طياته حقيقة ما جرى لشنكال من فظائع وأهوال ، فركز على التوثيق راصداً حيوات ممن لاقوا حتفهم وعانوا المرارات، فكان التنقل بين الأحداث والتفاصيل مشبعاً بالرصد ولم يتدخل الخيال وإنما الواقع الذي أبرزه الكاتب بعيون وكاميرات الحواس ما حدث بالفعل استناداً لشاهدي العيان والأشخاص الناجين وعبر اعتماد شخصية رئيسة لبست هيئة الصحافي الذي آلمه ما حدث في شنكال والجرائم التي وقعت فيها خاصة بحق الإيزيديات فقد عبر البطل دهاليز هذه الرحلة التي تتخللها الإثارة والمغامرة مع الكثير من المأساة ، فلا تحتمل الرحلة الشاقة هنا أي عبث أو لهو فني وإنما تعتمد الدقة في بيان الوقائع ، فشنكال محطة موجعة من التاريخ الكوردستاني، تكرار الإبادة بحق سكانها يجسد دلالات هامة تتصل ببؤس ومظلومية الكورد ومدى تمكّن المحتلين منهم وتركهم لوحدهم يواجهون محنتهم ، في ظل تطاحن الكبار على تقاسم تركة الخراب الأهلي والتصارع المستمر على الموارد وأثر صراعات الحيتان الكبيرة لأجل حيازة المكتسبات بواسطة المرتزقة . والمشغلين وكذلك أبناء الرقع المنكوبة وتضحياتهم لأجل البقاء وخدمة لتلك الصفقات والمعارك الربحية على الدوام،
:فهم السرد في رواية شنكالنامه *
 ديدن الكاتب التحليق المنفرد والانتقال الرشيق منعاً من رتابة أو تقليدية تجتاح تلابيب النص الإبداعي-
 أتاح الكاتب المجال اليسير لأن يتحرك خيال القارىء تبعاً لوصفه  تجارب الناجيات من براثن داعش، وكذلك وصف مكان زعيم-
.داعش والغرف المحضرة لممارسة النكاح الجهادي
.تتابع الأحداث ووصف البيئة الداخلية لشنكال والمناخ النفسي للشخصيات ما قبل وأثناء غزو التنظيم الإرهابي للمدينة الآمنة-
 ربط الكاتب بين ممارسات البعث العراقي البائد مع ما يقابله من ممارسات التنظيم، ليشيد ذلك الجسد الرؤيوي ما بين وجع –
.الأمس واليوم ومدى ذلك الترابط الحتمي بين الوجعين والضحية واحدة وهو الكردي بمعزل عن ديانته
:طبيعة الرواية*
استناد الكاتب ابراهيم اليوسف لشهادات أناس عاشوا هذه التجربة إلى جانب عدم تدخله الشخصي في إلصاق ما يؤمن به شخصياً، ذلك أعطى للحيز الزماني والمكاني والشخصيات المساحة الكافية لتعبر عن ذواتها بكل حرية فما قيل بصدد شنكال بخاصة ما
. تداولته الألسن تجسد بصورة دارماتيكية في حيثيات النص الروائي
يتحدث هنا الكاتب عما جرى في أروقة العلاقات بين الناس في المدينة الواحدة المتعرضة للغزو ، ما بين دمهات وروكا مثالاً، ذلك التناقض الإيديولوجي كان الفصل في إنهاء علاقتهما العاطفية، لنتأمل هذا المقتطف ص 73 : “ سأقاتل من أجل أن تتحقق الأحلام التي خططنا لها، سأقاتل من أن أجل تحرير أسيراتنا وأسرانا، من أجل تحرير شنكال” وفي موضع آخر : “تمنى لو أنه لم يفتح هاتفه، ولم يتلق هذه الرسالة، إذ لم يكد يمضي يومان لروكا هناك فها هي تتمرد عليه، لقد حاولتُ جعلها وشقيقتي الصغرى
” في حرز من حزب العمال، كانوا يبحثون عن موطئ قدم بين الإيزيديين، أفكارهم طوباوية، يريدون أن يكون كل شيء لهم
في إشارة لعظم الخلاف الإيديولوجي الذي يقصم ظهر العلاقات الاجتماعية عدا عن قصم العدو للمجتمع وبتر أواصر الحب والوئام بين شرائحه، أيضاً ركز الكاتب على العادات والتقاليد وكذلك الأدعية الإيزيدية والطرق الدينية ومراتبها ودور ذلك في
. الصمود في عز الأزمات والمصائب فأجاد التعبير مقدماً للقارىء مناخاً حقيقياً يحوي الوعي اللاجمعي للمجتمع الإيزيدي
:الرواية الحديثة بكونها مناهضة للممجوج السائد *
إن فهم الإبداع متأتٍ من تمايز سرد عن آخر وتمايز إسلوب عن الدراج وما يميز الكاتب فضاءه السردي وتقديمه للرواية بوصفها حاوية لأصناف القضايا والمشاهد الإنسانية على فوضاها وتزاحمها وما تحاول الرواية هنا تقديمه للمتلقي كي تأخذه لمجاهل رحلة مؤثرة وماتعة يتعانق فيها خيال المتلقي مع واقعه وإدراكه له،، وفي ذلك دعوة صريحة من الكاتب للثورة على القوالب النمطية والدخول في تقنيات إخراجية متعددة هدفها إخراج النص من دائرة الرتيب والتحليق به بعيداً عن الإرهاصات المؤذية للعمل الفني
. وبذلك يمكن فهم الكتابة الحديثة على أنها محاولات تخطي ونأي بالإبداع  من الوقوع في مزالق العادية والوضوح الإبتذالي
 :خلاصة * 
مما لا ريب فيه فإن الدراسة المقتضبة تساعد في تقديم موجز مكثف حول النتاج الإبداعي ولا يكفي ذلك للإحاطة بكامل العمل ودراسته من زوايا عدة، يبقى القارئ هو الحكم، فالناقد مبحر في محيط العمل الإبداعي القائم ليستنبط ويقيّم ويوضح ويقدّم مغاز من تفكيكه للعمل ومحاولة إيفاءه حقه من العناية والفهم والتحليل، وما قدمته هنا محاولة مني لتسليط الضوء على هذا العمل الإنساني الذي يؤرخ ويوثق للإبادة الأخيرة التي لحقت بالكورد الإيزيديين وفي ذلك مدعاة اعتبار وتأمل وفهم لما يدور بهذا العالم
. من انقسام وتصدع
15.02.2022

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…