ريبر هبون
بعد أن قام أحد الصبية بالاقتراب خلسة من أحد الحيطان المشقوقة جالباً عصا
ملفوفة بكيس شفاف، لم ينتبه أحد أمراء البرص من وجود كمين فمد رأسه واذ بالنار تمتد لرأسه الرمادي الصلب فراحت النار تسحبه من رأسه إلى ذيله فخر يسقط ملاقياً حتفه ورائحة جسده المشوي تزكم أنوف حيوانات البرص التي سكنت بين تلابيب ذلك الحائط وزواياه ،فقام الحداد لسبع أيام، قامت على إثره تلك البرص بقطع ذيولها قهراً، وتنكيس أعلامها حزناً وكمداً على رحيل الأمير الصغير، الأمير الذي ظل دوماً يحتمي بجلالة الأب الكهل ومنظره العملاق الذي يشبه التمساح إلا قليلاً
هذه المرة استقبل قدره الأرعن دون أن يخبره حتى كابوس أنه سيموت في ذلك اليوم، اغتاظت جموع حيوانات البرص واضربت عن الطعام واصطياد الذباب حزناً عليه، أقسمت كتيبة الانتحاريين الأقزام ممن كانت وظيفتهم التربع في سقف غرفتي المطبخ والحمام على الزحف المقدس انتقاماً لحرق الأمير الوديع فزحفت ليلاً للأواني والملاعق والأشواك ولوثتها بحوافرها حتى أنها لم توفر البراد المعطل دخلت إليه وتبرزت على صحن الهريسة المكشوف بداخله، وتوزعت على الأطباق
قام أحد البرص الانتحاريين وكان أكثرهم عناداً وجرأة ورشاقة وصغراً في الحجم بالتوغل الرشيق والسلس بين فخذي أم ذلك الصبي، لم تكن تلبس الكلسون
حينها، نامت على بطنها فاتحة فخذيها فباتت مؤخرتها الكبيرة مثل قبة
فراح البرص ينسل لفخذيها عابراً بيسر لرحمها بخفة لاعب سيرك قزم، إلا أن البرص خرج من الفزع لمكان مظلم تفوح منه عفونة أشبه برائحة السمك، تاركاً ذيله في رحمها، حيث استيقظت أم الصبي بغتة لتتحسس، جهازها التناسلي
!ما الذي حدث، يبدو أنه كابوس، كابوس في ساعة القيلولة ! أوه ربي –
:رأت في غفوتها النهارية، أن عرافة تقول لها
سيولد لك ابن له ملامح برص الجدران-
ومضت الأيام ببطء بالتزامن مع نمو وتعاظم قلقها عندما كشف الأطباء النسائيون عليها فوجدوا أن رحمها فيه بويضة عجيبة وحولها شيء يتحرك، ثم يختفي فيظهر، لم يستطيعوا التقاط صورة إشعاعية له نظراً لسرعة ظهوره واختفاءه في أقل من ربع الثانية، إلا أنها وككل امرأة أحست بالغبطة أنها ستنجب أخيراً بعد انقطاع طويل ،أختاً لابنها الذي يمتهن صيد البرص كل صيف، كان غسان مثالاً عن الشقاوة على مستوى قريته بل والقرى المجاورة أيضاً
الصبي لم يتوقف عن امتهان هوايته وإحراق البرص الكبيرة بدهاء لا يقل عن خفة حركتها ودقة نظرها بل إنه قد وسّع من حربه إذ قام بإشراك الآخرين من صبية القرية الذين رابضوا عند كل صبيحة من قيظ الصيف الحار لشحذ عصيهم وكبرتاتهم وتلك الأكياس التي يلفّون بها رأس عصيهم لتبدأ تلك الحرب الشاملة على زوايا وأطراف الجدران الخارجية الخلفية منها تحديداً.، حرب تغطيه إعلامياً نسوة القرية اللاتي كنا يجلسن عند العصر قبيل غروب الشمس قرب الأبواب يمدون أكياس الخيش أو الكراسي ويجلسن وأحياناً يتجمعن عند دكانة القرية الوحيدة عندما تنقطع الكهرباء خاصة ويصبح الجو لا يحتمل لشدة الحرارة.، البرص يتجمعون عند تشييع بقايا جثة محترقة ولو كان تشييعاً رمزياً يقومون بفصل ذيولهم حزناً واستنكاراً فيعم هرج بين أعضاء مجلس الشيوخ
: لديهم
.كل ذنبنا أننا كائنات قبيحة الشكل عندهم فيقومون بحرقنا للاستئناس.-
لم أجد أكثر حقارة من بني البشر لم ينفذ من شرهم لا زرع ولا حيوان أو حتى
. حجر
لا خيار لنا سوى أن نصب لعناتنا صبا على ذلك الصبي اللعين-وعلى نسله الملعون
: علا دوي في المجلس عند قول
. آمين آمين-
ارتفعت زغردة نسائية وأخرى سخط نسائي لتكذيب الخبر السعيد ،خبر مجيء ذكر أبيض البشرة أصفر الرموش ،عاري الرأس
ولد لك صبي يا أبا غسان –
لا قد لا يكون ذكراً تماما –
انه يشبه الأنثى –
جهازه التناسلي معقد الهيئة لا يبدو ذكراً ولا أنثى-
لم يستطع أبو غسان التريث طويلاً دخل ليرى المولود
كان أبيضا جداً، أحس بفزع له لون برص الجدران
!أوه يا إلهي ،ماذا سأقول للناس –
من قد يكون مريضاً من أسرتنا أو أسرة زوجتي بهذا المرض-
تم أخذ المولود بعد أن أتم ست شهور إلى أحد الأطباء.
قال الطبيب؛ المولودة بنت والجهاز التناسلي أقرب للمهبل منه إلى القضيب
بينما كان غسان الشقي يواصل حروبه الاستئناسية ضد ممالك البرص الرمادية والبرص المنزلية التي تستوطن أسقف المطابخ والحمامات والتواليتات، ومما زاد حنقه ما آل إليه أخيه أو أخته عدا، عن كون المولود غامض الجنس فإن لعنة البرص قد حلت عليه، الأمر الذي أوغر في صدره الغيظ، فأقسم ألا يبقي برصاً على قيد الحياة، وعندما لم يكف الصبي وأقرانه عن هذه اللعبة العبثية قام والده بحبسه في البيت وكذلك صفعه على وجهه عله يقلع عن هذا الأمر الذي
. بات موضع نقمة واستنكار أهالي القرية
حيث قام السكان وكإجراء ضروري بملء كافة الزوايا وتشققات الحيطان بالاسمنت كي لا يكون ملاذاً للبرص ،في حين مضت الأيام وساءت رؤية الطفل
. ولم يعد يبصر جيداً نتيجة مرض البرص الجيني.
تكرِّر أم غسان سرد ذلك المنام النهاري لتحاول اقناع زوجها
ماقالته لي العرافة العجوز قد تحقق ،انها لعنة البرص قد حلت علينا من وراء ابنك الشقي
كفي عن التخريف يا امرأة؛، ألم تسمعي ماقاله الطبيب، ان البرص مرض جيني وراثي لا علاقة له بمنامك ولا بابنك قد يكون أحد أفراد عائلتينا قد أصيب به.
دمعت عيناها وقالت
وماذا عن جنسه، الطبيب قال انه أقرب للأنثى فهي ابنتي
لا لم اقتنع بذلك، انه ذكر، وحركاته وصوته يشيران إلى ذلك-
المولود أو المولودة لم تطل مدة بقاءها على قيد الحياة وقد توفيت بسرطان الجلد وهي لم تكمل السنة بعد
أما غسان فقد كبر ولم تكن تفارقه كوابيس رؤيته لبرص عملاقة غريبة الشكل، تنطق بلغات البشر، وبإمكانها أن تبدل ألوانها وأحجامها بشكل يشبه المسدسات والسكاكين والسواطير، كوابيس تفزعه لم يستطع الفرار منها لا من خلال المعوذات ولا عبر ذهابه مع أمه عند أحد الشيوخ أو الروحانيين
وعند التحاقه بالجامعة أحب الفلسفة كثيراً وشغف بها إلى حد الهوس
لكن عندما بدأت الحرب السورية التي عانى منها كبقية أهله وناسه
ووجد إقدام السلطات التركية على قصف بيته في “سري كانيه”، وعانى النزوح والتشرد، وتذكر طفولته وحرقه للبرص للاستئناس بها بعد أن شاهدته مجموعة من الجندرمة التركية مع آخرين يفكرون بالخروج إلى تركيا عن طريق مهرب، تمكن من الافلات من الموت، إثر ضرب حرس الحدود لهم وإشباعهم صفعاً، ظلوا يضربون ويلكمون ويسحلون والضحك لايفارقهم
كأنهم يتسلون في لعبة قد تنسيهم أجواء الحراسة المملة في تلك الرقعة، الحدودية البور، من ثم ألقوهم خارج السكة الحديدية كما أكياس القمامة
. السوداء
حينها أدرك غسان أن العنف يمارس أحياناً كشكل من أشكال التعبير عن التنفيس والاستئناس تماماً كما كان يفعل مع صبية القرية في زمن الطفولة الشقية عند مطاردة البرص وإحراقهم والتلذذ بذلك حد النشوة، العنف ذلك الظل العملاق الذي يغطي العالم كسحابة سوداء تبتلع قيظ الصيف وقر الشتاء وتسحب البساط من بين أرجل الربيع وتمطر الدنيا قنابلاً وبراميل متفجرة، عندما يحين طيش
. البشري المارد لتحيل الحياة إلى خريف طويل لا يكاد ينتهي