وبات القلب منشغلا بعواطف ومشاعر لا يمكن لصاحبه التحكم بها إلا من رحم ربك ، وتبدأ التساؤلات الأكثر رواجا ، كيف أغذي حبي الطاهر هذا من غير النظر للمحبوبة وأروي بذور العشق في قلبي بمشاهد من جسدها !!
وقبل الخوض بموضوع النظرة لا بد من وقفة هنا مع الحب الطاهر ، إذ يفهمه الكثيرون أنه التعامل الكامل مع الحبيبة تحدثا وملاقاة ، باستثناء مسها ولمسها جسديا وأعتقد جازما أن هذا ليس هو المقصود بالحب الطاهر العذري على الأقل من الناحية الشرعية ؛ لأنه ربما يتجاوز ما بين الحبيبين إلى ما هو أبعد من اللمس من خلال تبادل الحديث ، بل حتى من خلال النظرة وأحيانا أبعد من كل ذلك ، فربما السماع يهز كيان العاشق ، وفي هذا قال الشاعر قديما ، والأذن تعشق قبل العين أحيانا …
ويقف الحبيب الملتزم ويتساءل : كيف لي أن أحب وأعشق والنظر إلى محبوبتي حرام علي؟! فما فائدة حبي هذا ؟!!
هذا السؤال الذي يلازم هذا الشاب الملتزم المحافظ وأمثاله ، تؤدي بالمتأمل إلى مسألتين
الأولى : نظرة الرجل للمرأة بشكل عام ، وتصور الشريعة لهذه النظرة .
الثانية : الهدف من وراء هذا الحب الذي التهب في القلب
ولنأخذ المسألتين كلا على حدة
النظرة العاطفية الشهوانية :
وليست سواها ، هي موضوع حديثنا ، وعليه لا يمكن تصور النظرة المجردة من العواطف والشهوة بشكل عام أن يأثم عليه الإنسان ، فلا يمكن تصور من يذهب إلى مؤسسة والموظفة التي أمامها طابور من عشرات الرجال ، أن يكون الحديث معها والنظر إلى جهتها بشكل عام هي النظرة الإبليسية التي نتحدث عنها ، أو يبحث عنها من غمر قلبه بتموجات الحب ..
وهذا ما قيده أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عن النظر إلى الأمرد فقال : ( والنظر إلى وجه الأمرد بشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم،والمرأة الأجنبية بالشهوة، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء أو كانت شهوة التلذذ بالنظر،كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية:كان معلومًا لكل أحد أن هذا حرام ) .
فالنظرة نوع من اللذة ، بل هي من أهم ثمرات الحب والميل العاطفي ..
ومن هذه الفكرة انطلقت فلسفة الإسلام وموقفها من النظرة للحد منها والتشدد في خطورة الاستهانة بها .
وهنا أهمس في أذن الجميع وخاصة من يرون أن تعاليم الشرع قيود للحرية الشخصية ، هل للنظرة الجنسية المغرية من قبل الأنثى تأثير على الرجل أم لا ؟
فإن كان الجواب : لا .
فأعلنها بكل صراحة أني لست ممن يشملهم الجواب
وإن كان : نعم ، وأعتقد الجميع يعترف به
كيف يمكن للرجل أن يأخذ دوره في الحفاظ على حق المرأة في حفاظها على كرامتها وكيانها من أن تكون وسيلة إشباع للرغبات ومكانا لتفريغ الشهوات
الكثير من المنتقدين يتهمون هذه الفلسفة للنظرة أنها هي المتورط في هذه التهمة بحكم النظرة الجنسية للمرأة وكل الرجال- في هذا المقام – لهم القدرة أن يحددوا في قرارة أنفسهم ، ولا داعي للتنظير : إن كانت المرأة تمثل بالنسبة للرجل مصدر إثارة للشهوات أم لا ؟؟!!
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء
ومن يدعي أن نظرته العاطفية للمرأة هي كنظرته العاطفية للرجل ، أعتقد أن فيه خللا فيزولوجيا !!
أو أن الخلل الفيزولوجي أنا المصاب به !!!!
لأن البشر على ما أعتقده قد جبلوا على هذه النظرة
حتى في أكثر المجتمعات انفلاتا في هذا الجانب لا تسلم المرأة من هذه النظرة ..
ربما البعض لا يتصور أن تصل حال المرأة في مجتمعنا إلى ما وصلت إليه مثيلاتها في الغرب لمجرد النظرة العاطفية !!
أعود بأصحاب هذا القول إلى الوراء يوم أن كانت المرأة الكردية تلبس الضيق من الملابس تحت ملابسها الرسمية ( الكراس والخفتان ) كان الأمر معيبا !! وتوصف من تلبس ذلك بقلة الحياء !!
وتطور الأمر بالتدرج حتى وصل الأمر إلى خروج المرأة بتلك الملابس ولكن بدون الكراس والخفتان ؟!!!!
إذن :
للنظرة العاطفية النابعة من ميل قلبي تأثيره على الإنسان ولا يمكن لرجل سليم جنسيا أن ينكر هذا !!
هذا التأثير قد يكون من أهم نتائجه تقديم المرأة ما يحتاجه حبيبها من لذة يؤذيها ، ثم التتابع في التنازل له إلى أبعد من النظرة ثم إلى حد الإشباع ، ثم التخلي عنها ليبحث عن نظرة أخرى أكثر لذة .
وإزاء هذا التصرف المدمر لحياة الفتاة القاتل لمشاعرها وعواطفها ، كان لا بد من أمر يحد من حيوانية الغريزة العاطفية التي تبدأ شرارتها من النظرة العاطفية في الإنسان ، ومن هنا كانت الحكمة التي انطلقت منها فلسفة الإسلام في النظرة والتشدد في الاستهتار بها ..
كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر