أبراج برا بافد جسر (عين ديوار)

صبري رسول
عبر الرّسولُ النَّهر الكبير «دجلة» قرب نبع غيدا ذات الصّيت الطائر، في الخطوة الأخيرة قبل الوصول إلى الضّفة الغربية غاصَت أصابعُه في الطّين، ما جعله يطلب من أمير منطفة بوطان بناء جسرٍ يربط ضفَّتَي دجلة، والنّهر الكبير تسسميةٌ أطلقها الكُرد عليه لعظمته وقوته، واكتسب قدسيّة فريدة من منبَعَيْه: مرتفعان وان (مياه بوطان) ومرتفعات بستان الورد (مياه باطمان) وهذا الرافد أحد أهم المياه التي تحمل سفينة نوح.
المبعوثُ الخبيرُ في شؤون الجبال، المُرسَل من كبير الملائكة «أركانجيل تار» جبريل كان رسولاً خاصّاً لتفقد أحوال جبل «قره جوخ»، بعد القلق الذي ساور أباه، الذي يتفقّد كلّ المرتفعات الكُردية، وصغيره كان غائباً عن الأحداث فترة طويلة، وكان الطّفل المدلّل بين إخوته. وفي عودته وجد الرّسول الجسر (الرّوماني) مبنياً من الحجارة البازلتية، مع زخرفاتٍ بنكهة سريانية، رغم أنّ رحلتَه لم يستغرق سوى بضع ساعات.
عندما رست السّفينةُ على جودي، كانت المياه تحيط بها من الجهة الشّرقية والغربية، فأخرج نوح، الفائز بإنقاذ البشر، الماء مرتين، مرّة باتجاه الشّرق فكان منبع دجلة، ومرة باتجاه الغرب فكان الفرات. النّهران مازالا يسيلان، ولم ينضبا. كم كانت يداه كبيرتان. السّفينة مختبئة في مزارات هكاريا السّرية. ولا أحد يتغلّب على النهرين سوى الإرادات الإلهية (من أسرار النّهرين).
كلّما كان قره جوغ ملتاعاً من أمرٍ ما انكبّ على وجهه، حتى يأتيه مستشارون كبار لمواساته،  ورثَ هذه العادة من أسلاف بوتان، كلّما حدثت وقائع كبيرة، كان زعيم بوتان ينكبّ على نفسه أياماً، حتى يتوسّل إليه كبار مستشاريه من أجل النّاس. وورث هذا من النّوح السابع بعد الطّوفان، وآخر مرة فعل قره جوغ ذلك عندما توفّي الزّعيم الكوجري الكبير، الذي كان الجناح الأميري على غرب دجلة وبرية شنكال؟
وهناك سرديات شعبية تؤكّد أنّ المهندس الأرمني (هوستا حنا) قام ببناء الجسر الذي أصبح نقطة وصلٍ لطريق الحرير، إضافة إلى جسرين شقيقين له، جسر زاخو، وجسر أمير بوطان في الجزيرة البوطية. والخاتم النّهري الذي احتفظ به جدّ والدتي منقوش فيه صورة رجل بشوش، يُقال بأنّه مهندس القناطر هوستا حنا، وصورة جسرٍ من ثلاث قناطر ضخمة. ورثتْ أمّي الخاتم ذاك الذي ينتقل من جيلٍ إلى جيل. 
عرّب الإسلام اسم حاضرة بوطان إلى جزيرة ابن عمر بعد إن غزتها جيوشه، وأخذت نساء بوطان كسبايا، كما فعلت تلك الجيوش في كلّ مكان وصلت إليه سنابك خيولهم.  
ذكر (ابن الأثير، عز الدين أبي الحسن الجزري) بأن تاريخ بناء هذا الجسر يعود الی أواخر العهد العباسي، و قد بناه الأمير الكردي (جمال الدين أبو جعفر محمد بن علي بن أبي منصور الأصفهاني) أمير مدينة بوتان عام 559هـ / 1164م.
يتكوّن الجسر من ثلاث قناطر كبيرة، تهدَّمت اثنتان منها، وبقي واحدة، وهي مزخرفة بثماني لوحات تمثّل ثمانية أبراج فلكية، قسّمها ملاك الأفلاك، ودرج فيها أسماء البشرية كلّها. حياة كلّ شخصٍ وميلاده، ومماته. لا أحد يعرف على وجه الدّقة سبب غياب أربعة أبراج عن اللّوحة، سوى التكهُّن بوجودها على ركائز أخرى مهدّمة. حتّى الكتاب الذي يخفي أسرار لالش يحوي على ستٍّ وثلاثين صفحة مطوية، لايُسمَحُ لأحد بفكّها وقراءتها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مصدق عاشور

مصلوبةً بخيوطِ شمسِ محبتك

يا من كشفتِ لي

سرَّ التجلّي

ووشمَ الحنين على جبينِ الانتظار

أنتِ ميناءُ روحي

قولي: متى؟

قولي: لِمَ البُعادُ

في حضرةِ ثالوثِكِ السرّي؟

رياحُكِ تعبرُني

كأنّي فرسُ الطقوس

وفي قلبي

تخفقُ فراشةُ المعنى

قولي لي متى؟

قولي إنكِ

فراشةُ رؤياي

وساعةُ الكشف

أرسِميني في معموديّتكِ

بقداسةِ روحكِ

يا من نفختِ الحياةَ في طينِ جسدي

حنينٌ

كمطرٍ أولِ الخلق

كموجِ الأزمنةِ الأولى

يتدلّى من ظلالِ أناملكِ

 

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…