أحلام يائسة

أحمد مرعان

أمي أغفت على ربوة تحلم وتسطر الأفكارِ، وتستلقي على شقها الأيمن تناجي الأسحار، وتنظر إلى جنة مليئة بالورود والأنهار، مكللة بتاج مرصع تنتظر الزوار، ترسم معالم الطريق بروية وانبهار، وتسقي الزرع لتجني أنضج الثمار، إنها قديسة تركن بحجرتها مؤنسة بالأذكار، وما زالت تدعو لنا بأحسن الأحوال ..
أمي لقد تبدلت كل المفاهيم بدياري، وأضحى الشرفاء رهن كسرة خبز بالحلال، وأصبح سيد القوم أرذلهم ينسف الجدار، ويزرع الألغام ويتاجر بدماء الثوار ..
قولي لي أين مأوهم بدرك جهنم ؟
في لظى أم سعير أم سقر أم ادنى من ذلك، في الهاوية !
في وطني المساومات والشعارات تصمم وفق المقاسات، ويستطرد الجاني الضحية إلى مقصلة الأرواح، يزرع لغماً، يغتال بمسدسه الكاتم للصوت، يتفنن بأنواع التعذيب، ربما سمٌ تجرعه دون انتظار، هدير الطائرات تقصف، غبار يعلو هناك، رائحة البارود تختلط بالشواء، غازات تثار فيختلط الدمع بالرضاب، تسيل الدماء وتعلو الحشرجات ..
سيارة دفن الموتى دوما في انتظار، أشلاء تتدحرج، تتكدس في حفرة كبيرة أسموها ( مقابر جماعية )، آليات مجنزرة تجعجع، تحفر وتردم في  المكان نفسه، ومازالت أصواتٌ تهتف، تمجد الجاني والسجان، عويل يستصرخ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، أصوات ضحكاتهم تجلجل، وصداها يهز الأركان ..
جاء الربيع، صعق البرق، هدر الرعد، زخات من وابل  تغرق المكان، فينبت العشب، وتزهر الأغصان، تتوالى الفصول بسرعة الزمان، فتجف الوريقات، وحصيدها ينقل إلى معمل الورق ليصنع منه القرطاس،  فينضد ويغلف بأجمل الألوان، يوزع إلى المحاكم والمكتبات، حصة منه تدون عليه بأقلام أصحاب القرار، صكوك الإعدام لدفعة جديدة من شرفاء الثوار، والحصة الأخرى تكتب عليها قصيدة من شاعرٍ نَفَذَ بإعجوبة من مقصلة الأرواح، دواوين تسطر، والتاريخ الصحيح يكتبه الأحرار، وما دون ذلك فهم خدمة للسلطان ..
أمي .. هذا وعيد الحياة الدنيا، فكيف هو وعيد حياة البرزخ، أهو عدلٌ كما يقال، أم إعادة ترتيب أوراق ليوم الحساب ..
أخبريني.. أيبقى الظلم سائد في عالمنا، أم سيولد المهدي ويسود العدل والمساواة، كثر الدجالون قبل مجيء الدجال، أم هم الدجال بعينه كما وعد الرحمن، حان وقت العلامات الصغرى، لقد تطاول الحفاة العراة في البنيان، أم مازالت العلامات الكبرى لم تحين، كم بقي من الوقت لإسرافيل ليصعق بالبوق، لقد ملت الشعوب من الظلم والطغاة، ولا سبيل للإصلاح بعد تمرد الولاة..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

علي الوَرْدِي ( 1913 _ 1995 ) عَالِم اجتماع عِرَاقي ومُؤرِّخ . اهتمَّ بِتَحليلِ شَخصيةِ الإنسانِ انطلاقًا مِنْ حَقيقةٍ بسيطة ، وَهِيَ أنَّ الإنسانَ لَيْسَ كائنًا نقيًّا ، ولا شِرِّيرًا خالصًا . إنَّه يعيشُ مُمَزَّقًا بَيْنَ مَا يُمْليه المِثَالُ ، ومَا يَفرِضه الواقعُ . وهَذا التَّمَزُّقُ…

صبحي دقوري

يُعد جاك دريدا من أبرز الشخصيات التي أحدثت ثورة فكرية عميقة في مسارات الفلسفة المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بفهم النصوص، وبنية المعنى، وحدود وجود الإنسان في إطار اللغة. لقد قدم مشروعه التفكيكي ليس كطريقة منهجية ثابتة، بل كحساسية فكرية تعبر عن التشكيك في كل ما يُعتبر بديهياً، أو مكتملًا، أو نهائيًا. وبالتالي،…

خالد حسو

الأغاني والأهازيج الكوردية، والرقص الجماعي الذي يتجلى في تماسك الأيدي خلال الدبكات الكوردية، ليست مجرد طقوس فنية أو تعبيرات عن الفرح، بل هي شهادة حية على حيوية هذا الشعب وإرادته الصلبة. إنها دليلٌ واضحٌ على حبه العميق للحياة، وسعيه المستمر للعيش بكرامة وسعادة، رغم كل مظاهر وأشكال الظلم والطغيان والاستبداد التي حاولت…

سمكو عمر لعلي

مقدمة

لم يكن الحاج أحمد ملا إبراهيم مجرد اسم عابر في تاريخ الحركة الكردية، بل كان رمزًا للنضال والمثابرة من أجل قضية شعبه. وُلد عام 1923 في بلدة عين ديوار، التي تقع اليوم ضمن الحدود السورية، لعائلة مناضلة تمتد جذورها إلى شرق كردستان من اقرباء سمكو اغا الشكاك ، حيث كان والده الملا إبراهيم…