عقوبة آدم وحواء وحفنة التّراب المقدّس

صبري رسول

كانت عقوبة آدم وحواء طردَهما من الجنّة. عقوبة قاسيةٌ جداً، الحياة على الأرض تختلف عنها في الجنة. لم يتأقلما هنا، كان الحنين يجرفهما إلى أيام الجنّة. 
وأصبحت عقوبة استبعاد المرء عن بلاده أو مدينته، سنةً ينفّذها البشر، يعاقب بها صاحب الحكم ضدّ خصمه. ومازالت يحتذي بها السّلطات البشرية. النّفي من أقسى العقوبات، وكان الإله يُدرك حجم ذلك على نفسية آدم وحواء. 
باتت حياتهما بمثابة الطّفولة الضّائعة، ومنذئذ يحنُّ المرءُ إلى ماضيه، إلى طفولته؛ فيتذكّران بألم أيام الجنّة ومتعتَها، يريدان استعادة مكانهما؛ يبقى المرءُ أسيرَ مكانه الطّفولي؛ الحنينُ خيط يربط بينه وبين موجودات ماضيه، حيث الذّاكرة الطّفولية قوية، تشدّه إلى الضّوء الطّفولي. ومايزال حتى الآن الإنسان يحنّ إلى تراب مكانٍ ولد أو عاش عليه، أو مكانٍ ارتبط به روحيّاً، إلى موطنٍه. 
بكى آدم وحواء بكاءً شديداً، تضرّعا إلى آهورا مزدا لإعادتهما إلى الجنة، لكن كان الأمرُ (كن فيكون) لم يستطع الملاك المسؤول عن الجنة، (Keyfda، Approval رضوان)  تلبية طلبهما، لكن أمرَهُ الله بأن يرسل إليهما حفنة من تراب الجنة، استلم الملاك ( Bablisok  ميكائيل)  مهندس تصاريف المطر وقيادة الغيوم حفنةً من تراب الجنّة، الزّاوية التي احتوت آدم وحواء.
وقف الملاك Bablisok  فوق ذرا جبل آرارات، نادى آدم وحواء، لكنّهما لم يظهرا، اتّجه إلى المشرق، دار دورةً كاملةً من الشّرق إلى الجنوب وثم إلى الغرب والشّمال، واستنشقَ هواءً كثيراً، ومنذ ذلك الوقت يُنظَّم الوقتُ بهذا الاتجاه، حيث تدور عقارب السّاعة، رشّ التّراب في كلّ اتجاه، ليكون مكاناً مؤنساً لآدم وحواء، شمّ كلاهما رائحة الجنّة، فخرجا من المعتزل، من كهفٍ جبليٍّ عميقٍ (ميوه Mêwe) قرب ساقية قرية بيرانان متجهَينِ إلى أماكن يشمّان منها رائحة الجنّة، حيث ذرّاتٍ من ترابها، فعاشا سنين طوال عاشقين، يركضان في السّهول والجبال، لم يفترقنا، لم يرد أحدهما أنْ يرجع إلى الجنّة من دون شريكه. ومازال النّاس يطلبون حفناتٍ من تراب بلادهم وهم في المهجر، مازال حنين السّلالة يسري في دمائهم. 
تقول السّرديات الكُردية المؤكدة في الكتاب المخفي في لالش: إنَّ آرارات موطن آدم وحواء، ومن هذه الجبال انتشر البشر على الأرض، ومن هذه الجبال اكتشف الإنسان النّار، فكان خطوة نوعيةً للانتقال إلى حياةٍ جديدة، فاتّجه أبناؤهم غرباً حتى سفوح هضبة سيفاس وجنوباً حتى سكنوا آرك. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

 

 

1-في التقصّي وجهيّاً

 

هي ذي أمَّة الوجوه

غابة: كل وجه يتصيد سواه

 

هي ذي أمة الوجوه

سماء كل وجه يزاحم غيره

 

هي ذي أمَّة الوجوه

تاريخ مزكَّى بوجه

 

ليس الوجه التقليدي وجهاً

إنه الوجه المصادَر من نوعه

 

كم ردَّدنا: الإنسان هو وجهه

كم صُدِمنا بما رددناه

 

كم قلنا يا لهذا الوجه الحلو

كم أُذِقْنا مرارته

 

قل لي: بأي وجه أنت

أقل لك من أنت؟

 

ما نراه وجهاً

ترجمان استخفافنا بالمرئي

 

أن…

كاوا عبد الرحمن درويش

 

شهرٌ كاملٌ مرَّ اليوم على اجرائي عملية استئصال المرارة، شهرٌ مرَّ على مفارقة جسدي لقطعةٍ صغيرةٍ في حجمها، جبارةٍ عظيمةٍ في عملها.

عشت قبل توديعها صراعاً مريراً مع الألم الذي اعتدت على زياراته الثقيلة كضيفٍ غير مرغوبٍ فيه، لا يطرق أبواب مضيفه إلا بعد انتصاف الليل على مدار سنواتٍ عديدةٍ بلا رحمة ولاهوادة.

كنت…

أصدر الكاتب والشاعر والمترجم الكردي السوري عبدالرحمن عفيف مجموعة قصصية جديدة بعنوان “جمال العالم الموجود”، عن دار نشر “سامح” في السويد 2025، بتصميم غلاف من إبداع الفنان الكردي لقمان أحمد. المجموعة، التي تضم أكثر من ٣٠ قصة قصيرة، تأخذ القارئ في رحلة عبر تفاصيل الحياة اليومية في بلدة عامودا السورية ومحيطها، حيث تلتقي الشخصيات العادية…

عبدالوهاب پيراني

 

(عتيقة انت

كأنك رصيف في مدينة مهجورة

تركه المطر ليجف وحده

وترك لك خطوات الراحلين مثل آثار نوم

حين كتبتك

نزف القلم عطرا

وغصت الورقة بأسمائك القديمة

كان الزمان واقفا

يراجع ذاكرته

 

اعترف

لم اعد احتاجك

لكنني اشتاقك كما يشتاق الباب صوت الطرق

وكما تشتاق المرايا

ملامح من رحلوا

تظنينني نسيت

لكنني ما زلت اخبئك

في درج السرير

بين تذكرة قديمة)

 

في عالم تغلفه أنسجة الغربة والشتات، يخاطبنا لوركا پيراني بنص…