دارينُ تأتي

عبداللطيف الحسيني

أنا ابنةُ الشّاعر: تقولُ دارينُ لصديقاتِها.
…..ثمّ رأتْ دارينُ المدينةَ تضيءُ كألوان ثوبِها في اﻷعياد، حاولتْ أن
تمسكَ باﻷصفر…. فأعجبَها اﻷبيضُ.. ثم البرتقاليُّ. كيفَ لها أن تجمعَ هذه
اﻷلوانَ في كفّها؟. تريدُ أن تملكَ المدينةَ، ففتحتْ كفّيها لتندفعَ
اﻷنهارُ واﻷشجارُ إليها.
اﻷنهارُ أكثرُ زرقةً فوقَ يديها، واﻷشجارُ أكثرُ خضرةَ.
كنتُ أبحثُ عنها ونحن نمشي محاذاةَ ضفّة النهر، اﻷوراقُ تراها وحدَها
لتظلَّلها دوني .
أظلُّ أبحثُ عنها بينَ خضرةِ اﻷشجار علّي أراها نجمةً تشعُّ خَلَلَ اﻷغصان.
أتذكّرُُها طفلةً…كانتْ تفرشُ سجّادةَ جَدّتِها البنيّة التي تتسعُ
لخمسةٍ من أمثالِها.
أبحثُ عنها في تلك البلاد، فأراها في هذي البلاد تقولُ لي: ما هذه
الدمعةُ الخضراءُ في عينيك يا أبي؟. وكنتُ أخجلُ أن أقولَ لها إنّها
دمعةُ بلادي المتعبة مذ فارقتُها، إنّها بلادي مذ فارقَها أهلُها.
أبحثُ عنها في متاهةِ الشّرق فأجدُها في متاهةِ الغرب حيث يصطدمُ صديقٌ
بصديقِه كغريبين، وكانَ بينهما خبزٌ وملحٌ و جلساتُ السّمر.
أسألُ البيتَ عنها، فتجيبُني تلويحتُها اﻷخيرةُ للباب اﻷخضر حين غادرتْه.
دارينُ التي تركتْ غرفةَ جَدِّها، ورأتْ كيفَ غادرَ جَدُّها الغرفةَ
والبيتَ واﻷهلَ واﻷصدقاء.
ورأتْ كيفَ انمحى البيتُ كأنّه رسمُ طفلٍ خطّه على الرمل..فمحاه أهونُ ريح.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إعداد وسرد أدبي: خوشناف سليمان
(عن شهادة الراوي فاضل عباس في مقابلة سابقة )

في زنزانةٍ ضيقةٍ تتنفسُ الموت أكثر مما تتنفسُ الهواء. كانت الجدران تحفظ أنين المعتقلين كما تحفظ المقابر أسماء موتاها.
ليلٌ لا ينتهي. ورائحةُ الخوف تمتزجُ بالعَرق وبدمٍ ناشفٍ على أرضٍ لم تعرف سوى وقع السلاسل.
هناك. في ركنٍ من أركان سجنٍ عراقيٍّ من زمن صدام…

صدر مؤخرًا عن دار نشر شلير – Weşanên Şilêr في روجافاي كردستان، الترجمة الكردية لرواية الكاتبة بيان سلمان «تلك الغيمة الساكنة»، بعنوان «Ew Ewrê Rawestiyayî»، بترجمة كلٍّ من الشاعر محمود بادلي والآنسة بيريفان عيسى.

الرواية التي تستند إلى تجربة شخصية عميقة، توثّق واحدة من أكثر المآسي الإنسانية إيلامًا في تاريخ كردستان العراق، وهي الهجرة المليونية القسرية…

حاوره: ابراهيم اليوسف

تعرّفتُ على يوسف جلبي أولًا من خلال صدى بعيد لأغنيته التي كانت تتردد. من خلال ظلال المأساة التي ظلّ كثيرون يتحاشون ذكرها، إذ طالما اكتنفها تضليلٌ كثيف نسجه رجالات وأعوان المكتب الثاني الذي كان يقوده المجرم حكمت ميني تحت إشراف معلمه المجرم المعلم عبدالحميد السراج حتى بدا الحديث عنها ضرباً من المجازفة. ومع…

مروى بريم

تعودُ علاقتي بها إلى سنوات طويلة، جَمَعتنا ببعض الثَّانوية العامة في صفّها الأول، ثمَّ وطَّدَت شعبة الأدبي صحبتنا، وامتَدَّت دون انقطاع حتى تاريخه.

أمس، انتابني حنينٌ شبيهٌ بالذي تقرّحت به حنجرة فيروز دون أن تدري لمن يكون، فوقه اختياري على صديقتي وقررتُ زيارتها.

مررتُ عن عمَدٍ بالصّرح الحجري العملاق الذي احتضن شرارات الصِّبا وشغبنا…