ياسر إلياس
(أحبُّ أفلاطون لكني أحبُّ الحقيقة أكثر )تلخص من جهتي الإشكال النفسي و الروحي و العاطفي و المأزق الثقافي العميق الذي يعيشه إخوتنا تجاه غيرهم من الأمم و الشعوب التي نهلوا ليس من أوطانها و ثرواتها لكن من ثقافاتها و أديانها و لغاتها أيضاً بجحود تامٍ و نكرانٍ مشدد النكيربعيد عن كل الآداب و الأخلاقيات و القيم التي تسمو بالإنسان في عالمٍ شديد الترابط و التمازج و التلاقح تتضح فيه كل مظاهر التأثر و التأثير بالأدلة التاريخيةو الأركيولوجية و اللغوية الدامغة .
لكن أحبابنا الذي تشربوا نظريات الاصطفاء العرقي و الجغرافي و اللغوي لا يكادون يتقبلون إلى سبيل العقل
و العلم مسلكاً ، و لا يرضون بغير أهوائهم و أمانيهم سبيلاً و حكماً .
هاجوا و ماجوا و بلبلوا و ولولوا و ظهروا على سجيتهم
التي تربوا عليها في الزوايا و التكايا و الخانكخانات الصوفية
و نسيوا أو تناسوا بأنَّ الدهر قد شبَّ عن الطوق و أنَّ العقل سمي عقلاً لا لأنه يمكن اعتقاله و إنما لأنه هو الذي يعِقل الأمور و يعتقلها ، و يضعها في نصابها الصحيح .
نحن لا نضرب في المندل، ولا نقرأ الكف ، و لا نبصر في الفنجان و دليلنا و هادينا علومٌ لغوية لسانية متجذرة في الصلابة و الاستقامة لها قواعدها و أصولها و أدواتها التي لا مندوحة عنها للاهتداء إلى القصد ومن المعروف أن العرب في ذلك الزمان كانوا أمة غزو ، و جعل رزقهم تحت ظل سيوفهم و رماحهم كما يقول الحديث ، فلماذا الغضب و اللجاجة في العداوة في حين أننا نتكلم عن مفردات في ميدان الزراعة التي لم يكن للعرب فيها كوع ولا بوع.
فإذا قلنا بأن ( الباسن ) و هو الحديدة التي تربط على الدابة للحراثة من أصل كردي فإننا نعلم ما نقول لأنها
من ga, گا ( ثور) و Hasin، هاسن : حديدة
Gasin, گاسن
و إذا كان العرب قد أطلقوا على الجمل مئة اسمٍ فإنما ذلك لفقر و شحاحة في معطيات بيئة صحراوية أكثر ما يلقاك فيها جملٌ و خيمة و صحراء .
و ما ذنبنا أن العرب لم يكن من عاداتهم لبس السراويل و السرابيل ، ما يدل عليه فحوى الحديث (( اللهم اغفر للمتسرولات من أمتي )) حين سقطت امرأة من على ظهر حمار على مرأى منه فاستحسن لبسها السروال فقال ذلك ليحث الناس على حذوها..
و ما ذنبنا أن السروال و السربال كلمات كردية صميمة
Wal الجسم من الصرة و ما تحت (وال
Bal: الجسم من الصرة و ما فوق)بال
Ser : سر ،فوق
فيكون :
سروال
سربال
ولا جدال أو مشادة أو محاجة في ذلك
هذا هو العلم ، شئته أم أبيته ، أحببته أم كرهته
و ما داعيهم لكل هذه الجلب و الصخب ؟
أو فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين
ها هو المعجم الإنكليزي و الفرنسي و المعاجم الأوربية كلها ، لا تستحي من ذكر أصول كلماتها ، و لا تخجل من إحالة مفرداتها إلى جذورها التي أنبتتها في لغات الأمم و الشعوب الأخرى ، و لا تأنف من رد الخير إلى أهله ، و تسمية الأشياء بأسمائها الأولى ، التي ولدت عليها في مهدها الذي انبثقت منه حين أبصرت النور بشعاع الحياة على طريق الموكب البشري المكافح أبداً في مسيرته الجبارة صوب الحضارة و الرقي و الازدهار .
و لا يمر بك سطر في معاجمهم دون التنويه إلى أصول مفرداتهم ، و تعج بالإحالات إلى الآفستانية و البهلوية و الإيرانية و اليونانية و اللاتينيةو السنسكريتية و غيرها من اللغات القديمة و الحديثة .و مع ذلك فإننا لم نصادف يوماً بريطانياً أو فرنسياً أو ألمانياً يتنقص الإغريق أو الميديين أو الزرادشتيين أو الإيرانيين أو الهنود بأنهم بويجية و بلا هوية و تاريخ .. و العكس بالعكس صحيح !!
و أنا أقول : تغيروا أو اندثروا ، و من لا يحسن التكيف مع محيطه فإن مصيره آيل إلى الانقراض بمرض نقص التأقلم المكتسب ..!
أما بعد ، فإني أبدأ بالكلمة الأهم بين كلمات اليوم و هي
مفردة ( الجنابة ) الكردية نخرجها للنور مشعة منيرة بزيها الكردي النوروزي المبارك ، هذه الكلمة لا يوجد ما يقابلها في كل لغات العالم بلفظها لأنها مقتبسة من الكردية ، يمكنك الحصول على ما يقابلها بالمعنى في كل لغات العالم بنقرة على ما تدل عليه ( المني ) ( ماء الجماع) كما تفسره كل معاجم العربية ، لكن لا أحد منهم أخبرنا بالمصدر الذي أوردوا منه هذه الكلمة ، هذه الكلمة لم تنزل من السماء و لم تكن رتقاً من الإبداع فتقها خيال من يسمون بالفقهاء وليست طلسماً ماورائياً عجيباً كما يتخيل الكثير من الكرد الذين حادوا و نأوا عن كنوز حضارتهم الزاهية و لنستعرض المادة العربية ثم نبسط الأصل الكردي القح لها :
الجُنب هو مصطلح إسلامي يُوصف به الشخص الذي وجب عليه الغسل بالجماع أو خروج المني. أي من جامع ولو لم ينزل منياً، أو أنزل منياً ولو لم يجامع، ويستوي في هذا المرأة والرجل. الجُنب من مُبطلات الصلاة.
الجنابة اصطلاحًا: إنزال المني، أو التقاء الختانين، وسميت به لكونها سببًا لتجنب الصلاة شرعًا.]
كتاب التوقيف على مهمات التعاريف،ص١٣١
فيكون: بنزول المني أو بالتقاء الختانين ولو من غير إنزال: كتغييب الحشفة في الفرج قبلًا أو دُبرًا. ولو كان غير بالغٍ ولا عاقل (مذهب الشافعية والحنابلة) فلا يشترط أن يكون مكلفًا.]
الفقه الإسلامي و أدلته ، ص١/٥١٧
وشدد أئمة الحنفية على أنه يجب الغسل إن رأى بللًا ظنه منيًا بعد إفاقته من سكر أو إغماء. ويتوجب عندهم الغسل أيضًا لمن كان يغتسل وبعد انتهاءه خرج مني منه.
و قد جاء في القرآن : ((وإن كُنتم جنبًا فاطهروا)) [المائدة: 6].
و في ذلك حديث “” (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن)).4
الترمذي ، كتاب الطهارة،٢٣٦/١ص
و جاء في لسان العرب : ٢٧٧/١ص
وَالْجَنَابَةُ: الْمَنِيُّ. وَفِي التَّنْزِيلِ : وَإِنْ ڪُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا. وَقَدْ أَجْنَبَ الرَّجُلُ وَجَنُبَ أَيْضًا – بِالضَّمِّ – وَجَنِبَ وَتَجَنَّبَ. قَاْلَ ابْنُ بَرِّيِّ فِي أَمَالِيهِ عَلَى قَوْلِهِ جَنُبَ – بِالضَّمِّ – قَالَ: الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَجْنَبَ وَجَنِبَ – بِكَسْرِ النُّونِ – وَأَجْنَبَ أَكْثَرُ مِنْ جَنِبَ.
قَاْلَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْجُنُبُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِالْجِمَاعِ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ. وَأَجْنَبَ يُجْنِبُ إِجْنَابًا، وَالِاسْمُ: الْجَنَابَةُ .
هي من :
Gan : گان
بمعنى ( الجماع ، الاتصال الجنسي ، المضاجعة )
القاموس الكردي الإنكليزي ، محمد تقي الدين ابراهيم ص ٩٣٢
و :
، آب ، Ab: ماء
و أصلها : ganab، ganaba,گانآب ، گان آبه
( مني الجماع )
طريقة الاقتباس : رد الكلمة ( ganab) گانآب
إلى الثلاثي العربي ( گنب) ال ( g) لا نظير لهافي العربية
استعيض عنها بالجيم و وضعت المادة اللغوية في الجذر
( مادة) : جنب ، و نفس الإجراءت المتبعة في تعريب هذه الكلمة اتبعت في كلمات أخرى مثل ( جُلاب ) و ضعت في مادة جلب ، و هي من gul: ورد ، و ab, ماء
وگُنِهايه gunihaye, التي أصبحت جناية و وضعت في مادة جني ، و الأمثلة أكثر من أن تحصى ..
دخلت الصيغة المعربة كما هي في
الفارسية : جنابه
التركية : janaabah
الأوردية : جنابتْ
السندية : جنبه
٢-جاء في لسان العرب :
مادة ( خمن):
خمن: خَمَنَ الشَّيْءَ يَخْمِنُهُ خَمْنًا وَخَمَنَ يَخْمُنُ خَمْنًا: قَاْلَ فِيهِ بِالْحَدْسِ وَالتَّخْمِينِ أَيْ بِالْوَهْمِ وَالظَّنِّ؛ قَاْلَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَحْسِبُهُ مُوَلَّدًا. وَالتَّخْمِينُ: الْقَوْلُ بِالْحَدْسِ. قَاْلَ أَبُو حَاتِمٍ: هَذِهِ ڪَلِمَةٌ أَصْلُهَا فَارِسِيَّةٌ عُرِّبَتْ، وَأَصْلُهَا مِنْ قَوْلِهِمْ خُمَانًا عَلَى الظَّنِّ وَالْحَدْسِ.
يقابلها في الإنكليزية من حيث المعنى كلمة ( guess)
أصلها الكردي لا يزال في الاستعمال و هي من
Goman, guman : قاموس جلادت بدرخان ص١٤٨
و قاموس كردي انكليزي ، ص٩٨٧، محمد تقي ابراهيم پور
آلية التعريب : رد الكلمة إلى الثلاثي : گمَنَ
ال ( g) صوت لا كفء له في العربية ، استعاضوا عنها بالخاء ( خمن ) .
و لا تزال اللغة السندية تشترك مع الكردية في الاحتفاظ بهذه الكلمة لكونها من نفس العائلة الهندو أوربية
گمان
أما الفرس فأحلوا محلها : حدس بزن
أما التركية و الأوزبكية ( الشعوب التركية) فتسعمل الصيغة المعربة عن الكردية :
Tahmin
Taxmin
٣-كلمة توأم :
توأم : طفلان يولدان معاً ، في ولادة واحدة
في السريانية : Tôma
في الإغريقية: tomas
Twinsودخلت الإنكليزية أيضاً
و هذا من الكردية من الرقم : Do ، اثنان
Dowem
نظائره الآفستانية الميديةو البهلوية موثقة و معروفة
ومثل dowem:
Yekem
sêyem
Çarem
Pêncem
و في الكردية كلمة أخرى للدلالة على الطفلين المولودين في ولادة واحدة (Cêwî)
و الكلمة الأخيرة موجودة في السنسريتية
و الأوردية و الطاجيكية و الهندية أيضاً
جوڑے ، جڑواں بچے
çuft
जोड़ा
जुडवा
و مثل هذا كلمة dual، في الإنكليزية ( مثنى ، مزدوج)
و كلمة ( dozen) في الإنكليزية و دزينة في العربية، و بقية اللغات الأوربية بمعنى
الحزمة المكونة من ١٢، متحولة عن العدد اثني عشر و هو في الكردية Duwazde
Dozde
و على نفس المنوال جاءت كلمة ( دوبيت)
التي تعني زوجاً من أبيات الشعر .
٤-كلمة ( سندان )
السَّنْدَانُ]: ما يطْرُقُ الحدَّادُ عليه الحديد.
(وهي كلمة معرَّبة).
ويقال: “هو بين المِطْرقة والسَّندانِ”: بين أَمرين كلاهُما شَرٌّ.
المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
لكن أين البيان و التبيين في معاجم العربية
لتوضيح أصول هذه الكلمات و الإيفاء بحقوق شعوبها أدبياً و أخلاقياً و علمياً و حضارياً
سندان
Sindan
Sin , Hasin : ، سِن ، هاسن حديد
Dan , دان ,
اسم مكان من الفعل الكردي Danî , ( وضع ) داني
و مصدره : دانين ، Danîn، بمعنى موضع
……………..