بين التنميط والتغيير طرقٌ وعرة

هيفي الملا

هل الطريق الذي آلفنا المشي فيه هو الآمن فقط! 
سؤالٌ يخطر ببالِ من اعتاد التفكر الجاد و الذود بالنفس عن معمعة القطيع و اعتاد التمحيص والنقد و قراءة ماوراء السطور، ليس مخالفةً وزهواً بل فهماً وثقةً .
التنميط كما هو معروف استنساخٌ غير مدرك وقناعة منقولة ُيقصد بها التعميم، وقد غُرِست هذه الصورة النمطية في ذواتنا منذ نعومة أظافرنا، وذلك من خلال التنشئة الاجتماعية والأخلاق والسلوكيات المكتسبة من العائلة والمدرسة والمحيط وبعض أشكال الثقافة المحنطة المتوارثة .
الكثير من الناس يدركون أخطاء وتبعات هذا التعميم، ولكنهم أكثرُ ميلاً أن يكونوا متمثلين لها خاضعين بهزِ الرأسِ قبولاً ، ومبرر ذلك عندهم، القبولُ بواقعٍ ووعيٍ زائف وافتراضٍ مسبق  يكون أسهل من تبعاتِ الخروج على السائد الموجود ومنافسة الواقع.
كبرنا على مقولة الرجل قوي لايبكي، والمرأة مركز الضعف والمشاعر،  وتم إلصاق فكرة إن اللون الزهري الفاتح للبنات والأزرق للذكور، نشاهدُ الآن مايمكنُ تسميته بأيقوناتِ الجمال، بشفاهٍ منفوخة وحواجب عريضة، وبمقاييس جسدية معينة
 صارت نمطاً، فخضعت للتعميم والتقليد فهل نكونُ بمنأى عن صفات الجمال إذا لم نخضعْ لتلك المقاييس!
أم أن صوت الوعي والاختيار الحر وكسر القوالب الجاهزة سيغلبُ ضوضاء الأجراس المرافقة للقطيع .
وللتأكيد أعيدها، الصور النمطية مرهونة بدايةً بالتنشئة الاجتماعية، ومن ثم بالمدرسة ثم  بوسائل الإعلام التي تشرعن  هذا التنميط وتصنع اليقين الجاهز لمن لا يحلو لهم التفكر وإعادة النظر، ومكابدة عناء الخروج عن السائد .
وموضوع النمطية ليس جندرياً، فالرجل والمرأة كلاهما عندما يحاولان الخروج عن الصورة السائدة والتصرف بشكل مختلف مما هو متوقع من نوعهما الاجتماعي سيعتبرهما المجتمع  شاذيَن ومخالفيَن للطبيعة.
وهذا لايعني أن الصور النمطية كلها سلبية، وتقتضي الثورة والتغيير الجذري، ولكن الأهم هو الاقتناع الجدي لا الظاهري حتى يكون الإنسان متصالحاً مع ذاته، لا أن يساير النمطية شكلاً ، وعقله الباطن يرفضها ومعاوله الهدَّامة تتناطحهُ ولكن من الداخل فقط .
الصراع بين الاختلاف والتنميط والحكايات الخارقة للعادة موجودة ابداً، وترتبط بمدى وعي الإنسان وتوسيع دائرة معرفته ومهاراته للقيام بتغييرات فكرية ضد قوالب متروكة بفعل العادات والتقاليد، بعضها متوارثة وبعضها مستوردة وبعضها مُورِست بشكلٍ عفوي.
 تربية الأبناء على الانفتاح والقدرة على ممارسة الفكر الناقد واكتساب مهارات المشاهدة النقدية لوسائل الإعلام وتعزيز الثقة بالنفس والجرأة في طعن الخلل، هو الحلُ لتغيير الصورة النمطية، ولو اقتضى ذلك الغناء خارج الجوقة والتحليق بعيداً عن السرب. وإلا فأننا اليوم أو غداً سنميل إلى الصمتِ الكئيب لاستنفاذ طاقة مترددة نخافُ ان نتفقها من أجل اللاشيء .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…