غريب ملا زلال
عدنان الأحمد والكلمات في ترحال لا حول لهما فيه و لا قوة من حلب إلى اسطنبول، من حلب فتحي محمد قباوة (1907-1958)، و وحيد استانبولي ( 1940-1994)، و لؤي كيالي ( 1934-1978)، و فاتح المدرس ( 1922-1999)، و عنايت عطار( 1948) إلى اسطنبول عابدين دينو ( 1913-1993 ) و الخوجة علي رضا ( 1858-1930) و جلال أسعد (1875-1971) و برهان دوغانجاي ( 1929-2013) و شوكت داغ (1876-1945) و جواد درلي (1900-1990)، في ترحال لم يحمل فيه عدنان الأحمد غير حلمه الجميل مع كلماته و زاده و كنوزه من تلك الأعمال التي يقتنيها لأسماء معروفة و أسماء هو قدمها للشارع التشكيلي، فكان ترحالاً شاقاً جداً و متعباً جداً، ترحالاً كان مرغماً على السير فيه و خوض غباره و رياحه العاتية، بل و السير على أشواكه حافياً، الترحال الذي سيحمله لاحقاً إلى مدى المستحيل و التحدي، و ينجح في تحقيقها رغم الأوجاع المرافقة و الناخرة حتى للروح،
لو لم يكن عدنان الأحمد عاشقاً للفن إلى حد الجنون، لو لم يكن مسكوناً بالفن و ضاجاً به، لما استطاع أن يحقق كل هذا الإنجاز الممتد كقوس قزح ما بين حلب و إسطنبول، هذا القوس الذي يعجز على خلقه و رسمه منظمات و جمعيات و مؤسسات بكل إمكانياتها و كوادرها، أن يقوم شخص واحد بمفرده مع عدد قليل من أفراد عائلته بكل هذا الفعل و يحصد هذا النجاح و بإمكانيات ذاتية لا تكاد تسد رمق عدد من العصافير في حرم تكية ما، لربي هذا بحد ذاته معجزة و خلق للمستحيل و تجسيمه و بعث الروح فيه و هو يقفز بين الأعمال التي تزين جدران روحه و كلماته .
عدنان الأحمد حين أطلق مبادرة الكلمات كصالة عرض في حلب عام 2002 ثم كدار عرض و نشر، كان يدرك بأن الأفق الذي يمشي إليه لن يكون مفتوحاً بالشكل الذي يحلم به، فالطريق إليه سيكون غير سالك بسهولة بسبب تراكم الصعوبات والمطبات، كان يدرك بأن مهامه ستكون كثيرة و مسؤولياته ستكون كبيرة جداً، فكانت اللبنة الأولى نحو مشروع جمالي، مشروع يقول بأن الإنسان فيه فعل بناء لا فعل عواء، فعل حب لا فعل حرب، و بأن الحياة حين تنبض بالفن تستحق أن تعاش، وحده الفن القادر على الديمومة و بالطريقة التي يرغبه و كأنه يردد مقولة القباني : ” كل الدروب أمامنا مسدودة، و خلاصنا في الرسم و الكلمات “، كما أنه أطلق مشاريع فرعية تكون الرافد لمشروعه الأهم فكان أمام / رؤية تشكيلية شابة / قد يكون السباق في طرحها، فقدم من خلالها أسماء راهن عليها و نجح في الرهان إلى حد بعيد كفاروق محمد و آزاد حمي و جوان يوسف و إيمان حاصباني …. و آخرين، ورغم إنفتاحه نحو مشاريع أخرى كبيرة إلا أن ذلك المشروع بقي مرافقاً له في ترحاله و في كل خطواته، و إن بات الآن مشروعه الأهم لا خلق جسور بين حلب و إسطنبول، و لا بين الشرق و الغرب فحسب، بل العمل كخلية نحل لجعل الفن لغة الإنفتاح على الآخر، و لغة لكل قنوات التواصل بين الإنسان مهما كان لونه و همه و أرضه، و مهما كان إيقاع نبضه، لغة الخلاص، فهذه اللغة بوصفها الأكثر تعبيراً و الأكثر مقدرة في كسر الحواجز و تبايناتها، هي اللغة التي أرادها الأحمد في كتابة رسالته في هذه الحياة .
و ها هو يصفق بيد واحدة في إسطنبول، فبعد النجاح في إعادة الروح لغاليري الكلمات للفن التشكيلي و الذي بدأ بمشروع المحترف السوري تحت عنوان ( رحلة عبر الزمان و المكان ) و كان عبارة عن معرض كبير ضم أكثر من مئة عمل تشكيلي سوري يمتد من ستينات القرن الماضي و إلى الآن، و من خلال رؤية تشكيلية سورية ليصل حالياً إلى إطلاق معرض محترفات عربية بالتعاون مع مجموعة أزاميل العراقية كمدخل جديد نحو الحداثة الجمالية، يضم مشاركات لأكثر من خمسين إسماً، هم عناوين لفن تشكيلي معاصر، كمحمد العامري و نزار صابور و إبراهيم بريمو و عزيز أزغاي و خزيمة العابد و وضاح مهدي و آخرين، و هم من بلدان مختلفة، من سورية، الأردن، السودان، مصر، ليبيا، البحرين، سلطنة عمان، السعودية، تونس، فلسطين، الجزائر، العراق .
إستطاع الأحمد أن يجمعهم في المحترف العربي الأول في إسطنبول كشكل من أشكال تنشيط الدائرة التشكيلية المعاصرة على أمل توسيع هذه الدائرة للمحترف ليعرض لاحقاً في أكثر من عاصمة عربية، و هل من إنجاز يفوق هذا الإنجاز و على يد رجل يصفق بيد واحدة و بصوت عال كاسراً قاعدة اليد الواحدة لا تصفق، عدنان الأحمد، الذي بات شهيقه و زفيره الفن، دون أن يكلف أحد ما نفسه كيد ثانية تصفق معه، و تزيد تصفيقه تصفيقاً .
لا حدود لحلم عدنان أحمد، فإذا نجح إلى حد كبير في كل مشروع يطلقه من بناء جسور التعاون بين الفنانيين السوريين و الفنانيين الأتراك، إلى إحياء رؤية تشكيلية شابة، إلى إطلاق المحترف العربي الأول، فهو يسير برحلته الحاملة لحلمه نحو محترفات عربية في أكثر من بلد عربي، و ليس آخراً نحو إنشاء متحف يضم كل تفاصيل هذا الحلم و نبضه .