ابراهيم محمود
أكتب إليكم، من الداخل الفسيح لقبري الذي يستوعبني تماماً، قبري الذي لا يمكنكم أن تبصروه، فهو ليس تحت التراب، وأنا- حقيقة- لا أسكن قبراً، كما هو المعتاد طبعاً! ثمة قبر واحد، يسكنني، نعم، يسكنني قبري، داخلي، وقبري هو أنتم، بصراحة آلمة مرلمة، أنتم قبري، أنتم الذين تضيقون علي الخناق كثيراً جداً جداً، وأنا أتفكركم، ببساطتي الكلشية، نعم، مجدداً، أكتب إليكم من قبري، كما هو المألوف عندكم، أعني الذين يعنون بأمري، لأمر جلل يخصهم طبعاً أيضاً، وليس أنا، فأنا ليس بي حاجة للخروج من مكاني الرحب هذا، مكاني الذي لا يشبهه مكان، كالذي تمنيته دائماً، دون أن أسميه، لأنني كنت كلش المغرَّر بي ، مكاني الذي هرّب مني كثيراً كثيراً جداً.
ودائماً، كرمى الكردية التي كانت تمضَّني، ومن أجلها، كنت أغض نظري عن كل ذي نظر، كانت تستحيل قبراً لي، وأنا حي، وقد أطلقَت سراح روحي، حيث كنت رهينتها باسمكم.
لا أستميح العذر من أي منكم، وأنا أتحدث، من غير ترتيب، هكذا تشكلت سليقتي الكردية الكلشية، خارج تصنيفكم المقاماتي المتنقل، رغم أن المركَّز عليه هو خلافها، كما هو المقرَّر والمحرَّر قولاً لعوباً، لا عملاً دؤوباً، أتحدث دون تلكؤ، دون تردد، دون أن أنظر إلى أي منكم، أعني الذين يعنون بأمري شديداً، لأنني….لأنني، خجلٌ منكم، ورب كعبتي الكردية، وأي حجل، حجلَ من الكردية التي حاولتم أن تحمّلوني إياها، تلبسونني بها، من الكردية التي تحف بي، خجل من كلشيتي التي ذهبت أدراج كرديتكم الاستكباراتية التي لا تكفون عن نسجها شتاتاً أشتاتاً.
ثمة هموم خاصة بي، لا أريد البوح بها، لئلا تنسجوا عليها هنا بالذات،عماراتكم الدخيلة على الهواء ذي البصيرة، ليس بي حاجة إلى المزيد من الكلمات التي استنزفت بساطتي، بالقدر الذي استهلكتم بساطتي، لا تشغلني حياتكم كثيراً، ولا بياناتكم كثيراً، ولا مشاهد الحزن التي تزنّر ملامحكم، لأنني ، ببساطة، مشغول كثيراً بقبري، أراجع آثار خطواتي السابقة، حياتي المنثورة كردستانية، بؤسي الكلشي الذي لطالما تطحلب على وقع كلماتكم غير السالكة بدروبها.
قد تكون كلماتي التي أكتبها من وحي قبري، صادمة لكم،لا بأس، تحمَّلوني لبعض بعض الوقت العابر، وقد تحملتكم سنّي عمري طويلاً، وأنتم تتخيلوني كرشي، الذي لا علاقة لم البتة، بكروش كلماتكم الحجرية، وثمة ابتسامات لا تريح، تنزلق على حوافي شفاهكم ذات الخرائب، وأنتم تلتفتون إلى بعضكم بعضاً، وأنتم تنظرون إلى وجهي المدور، والمكتنز، وهو بدوره ، مكتنز قهراً،وهو يراكم من حلال أطقم وجوهكم المستعارة، في وضح الحياة، ومشيتي البطيئة، وهي من جهتها، لا علاقة لها، بسرعة خطواتكم التي لا علاقة لها بالآمال العراض التي تعدون بها سواكم من الكرد( تسعّرون العشب حتى الركب- وقد طغى الهول حتى غاصت الركب)، وإنما بما تستبطنونه، دون التصريح باسمه، نعم أكون خلاف ما تلمستم في سيدا كلش، طوال حياته، وأنتم تلوكون اسمه المتواضع جداً كبسمة رضيع، تدعكون صورته في غفلة منه، الصورة التي عُمقها فيها، فأنا لم أتعود التخفي وراء صورتي، كعهدي بكم، صورتي كظل عافية محتجبة عبركم.
كفاني منكم، ما منحتموه لي، كفاني صمتي هذا، عما أدرتم باسمي، هأنذا أتبرأ من غفلتي .
أنا كلش، هكذا دون لقب، ولكم تذررني كلماتكم، وأنتم تخرجونني عن طوري الذي لم يجبل على أيديكم ذات الجبالات المقعقعة، إلا بالأسى، تعمرون ألقابكم بي، ولكَم هي أطواركم كثيرة، باسم زمزم الكردية التي اعتبرتموها محج كل كردي شهم، عتريس، نفيس، بينما كان العطش يستبد بي، وأنا لم أبخل بفيض كرديتي البسيطة الواضحة، خلاف مائكم المر، الكثيف ملوحةً، العطش إلى مقام، لا يلسعني، أنا تحركت، أو حللت، أتحدث من داخل جسدي الطيني، الذي لم يجبل بعد، لأنكم لم تدعوه ينضج، وها أنتم، تميعون فيه دمه، عظمه، لحمه، اسمه، حضوره الكردي القح..
أنظر إليكم، وللمرة الأولى، خلاف ما عهدتم فيَّ، يااااه، لكم هي الرؤية مقلقة، مؤلمة !
أين هي أسماؤكم التي تركتموها وراءكم، أين أينكم، في كتاباتكم ذات الوفود القيود الجمة؟
أسمعكم، كما لو أنكم تتكلمون بين جلدي وجلدي، بين راحتي وكفي، بين عيني وعيني، وراء أذني الوسطى، ألمسكم، حيث يدي ترتد إلي، من خشونة شوكية موجعة فيكم، تمنعون عني الرؤية السديدة، وببساطتي الكلشية، أحاول أن أراكم، وأنا، حيث لا تخطئني عيناي اللتان عهدتا قراءة سطوركم، على مقياس درويشيتي، تصعب رؤيتكم، بيني وبينكم غبار عاصف، أستشعر كلماتكم ذاتها غباراً، أجسامكم ذات المقامات بدورها تستحيل غباراً، رغم ( كلنا واحد)،و( في سبيل القضية)، تأتيني أصواتكم، فلا يلتقطها راداد أذني، إلا غباراً غباراً، والأنكى من كل ذلك، طربكم مع كلماتكم، مع سجعكم، مع فقه الشوبشة الضالعة فيكم، غباراً أكثر من كونه غباراً.
يا الله! لكَم تقلقونني في قبري الذي نأى عنكم، يا قبري الجماعي، الاشهاري المألوف،،كلماتكم ذات المديح الأدرد، تخجلني، وأنا لا أستطيع الكلام، التحرك هنا، فقبري يقول لي:دعك منكم، صرت في حماي، محميتي ذات السموات العلى! تقيدني كرديتكم، من خلال كلماتكم ذات الطنين، وأنتم تنزلون السماء من عليائها، بنجومها ذات المسد، تشدونها على رقبتي، تطبقوني على جمجمتي، تخلدونني بكم، وأنتم بائدون أحياء، حيث أنا، حتى الآن، لم أعهد خلوداً كردياً بكم أنتم، بكلماتكم التي أسمع فيها صراخ عضلات أشداقكم، وهي تتمزق ، لمطمطتها المعروفة.
لا أحد يعيب علي شعري، أنا كلش، سيدا كلش، أوسطجي اللّبنات في قرى كردية، شبت عن الطوق، وحملت آثار يديَّ، ولم تلتفت إلي عبركم، نثرتُ في أجوائها سنوات عمري، لم أعرّف بنفسي شاعراً،حكيماً، كما هم أنتم، أنتم الذين تهربون من شعركم، حكمة وجودكم، مبرّر تجسيدكم الحياتي، حين يجد الجد، تتوارون عن أنظاركم، خشية لسعة هواء مختلٌّ توازنه، لم يتقدمني شعركم، كما تروجون لشعركم وخلافه، كما يتقدمكم شعركم خادماً لم يتعهد في صاحبه وفاء لعمره واسمه، عند الضيق.قلت الشعر، فقط، لأتحدث ببساطتي، هذه التي تتحلل كل مكان، عرفتُ فيها كلشاً، الطريقة الوحيدة، لأقول وطني الذي لكَم تهاوى جفناي من الانتظار، وأنا أترقبه، ولكم أحلتم بيني وبينه( دعوا الأعداء الأعداء الآن جانباً)، على الأقل، في متعة نسبية للنظر الشفيف، لكَم ثقل علي جسدي المرضوض بكم، بشعركم الغباري، المانع لكل هواء حالم، بوعودكم التي فرطت بوعودي، أعاقت رؤيتي عما كنت أريد ببساطتي.
يرجني مديحكم الموجَّه إليكم أصلاً، حضوركم العرائضي، وأنتم تتحلقون حول مائدة ذكرى باسمي الكلشي، وأنتم تعملون في جسدي الذي استعاد الكثير من طراوته ونداوته بعد فراقكم غير المأسوف عليه، تعملون فيه أيديكم لحماً يتمزق تحت وقع أصابعكم التي كشفت اللثام عن مناقيرها المعقوفة، جسدي المسجى على مائدة مناسبتكم، حيث ما كنت أناسب المجمل فيكم، حيث لم أبصر إلا القليل العليل فيكم، جسدي مأدبتكم، أيها الشعراء- الحكماء الصاعدون إلى جمجمتي كالحمأ البركاني المسموم، المداحون لأنفسهم بي، المتفتحة مواهبهم الطللية ، على رحيلي المشتهى، ليستعذبوا وقوفهم الطويل على جسدي، على عيني اللتين، لم أعهدكم بهما إلا غباراً في غبار صراحةً.
ذلك هو اكتشافي الذي، فاتني الوقت لأقوله، وأنا أقول لكل الذين يزورونني، ليسمعوني ما يريدونه ترقية لأسمائهم، وهم يحاولون تزويري، وكعادتي الكلشية Ez shukra we dikim !
دعوني في قبري، وقبركم الذي.. الذي أهديتموني إياه وأنا حي، وتضيقونه علي أكثر وأنا مغادركم غير مصدق، خذوه إذاً، مباركاً عليكم، حسنة مني لكم، دثّروا عريكم به، يكفيني عرائي عزائي القدسي، دعوني وشأني، لأحسن الكلام أكثر مع كائنات السماء، وهوام الأرض التي شغفت بها، ونال مني حبها الكردي، لأحسن النوم، وقد بقيت عيناي مفتوحتين على غباركم الذي لم ينقطع، وأنتم تشدون علي ، طويلاً طويلاً.حيثما تحركت، تقودني جهاتي الكلشية، بينما تمارس فيَّ جهاتكم تمزيقها المعهود، خواريقها التي منعتني بساطتي الكردية من أن أسمّيها، لأفقد كل جهة، في كردستانيتها، وأنتم تخلطون الجهات مع بعضها بعضاً، تعدمون الجهات، لترفعوا من شأن جهاتكم التي أسكنتني تيهها، أنا وغيري، وهأنذا أطلق لساني وأسميها بتمامها.
القادمون إلى قتلي، من حدب وصوب، الساعون باتفاق جمعي، أو اقلَّه، الحاملون قراطيسهم التي تئن تحت كلماتها، المناسباتيون كعادتهم، التذكاراتيون نهب الصور المريبة، المساوماتيون عليَّ، الطليقة قرائحهم الشعرية، النثرية ذات الهبوب الخماسيني، القرائح التي يكاد جسدي يلفظ صراخ عمر كامل، وتحسر آمال قلب كامل، ليقول: عودوا من حيث أتيتم، أنتم أولى بالرثاء، لا بالمديح، قائمة الشعراء الذين يخيفهم مطلع كل قول يشير إلى الوطن الحقيقي، وفي هوائه الطلق، قائمة النثارين الذين يطلقون ألسنتهم ذات التوابل النافقة، عودوا إلى أجسادكم التي تسقط منكم، عودوا إلى أنفسكم التي تشرذمت بكم، عووا أنفسكم الأجدى بالحنين إلى لحظة صحوة واحدة، قبل أن يطويكم ثرى،لا يطيق ثقل أجسادكم المتعالية على ذاتها، إلى كردية أقضَّها الانتظار إلى كلمة واحدة، لا تثير غباراً، لحظة إطلاقها، لتستحقوا، ولو كلمة واحدة، تشهد على أنكم، عشتم اللحظة الأخيرة من عمركم، وأنتم تحتضرون، نادمين، على الغبار الذي لم تتوقفوا عن جنونه بكم..
التوقيع : سيد كلش، من خارج القبر الذي تحدَّد موقعه.
———–
ملاحظة من الكاتب :
ما كتبته، ليس بمناسبة أربعينية الشاعر الكردي سيد كلش، والذي عاش بسيطاً، ورحل بسيطاً، والتي ستصادف يوم الجمعة 27 تموز، 2007، فلكم أكره المناسبات، وما كتبته، لم يصَغ باسم المناسبة هذه، وإنما باسم آخر، يتحرك خارج دهليز المناسبة، كما يعلم المناسباتيون ذلك، ودون تمييز.
لا أستميح العذر من أي منكم، وأنا أتحدث، من غير ترتيب، هكذا تشكلت سليقتي الكردية الكلشية، خارج تصنيفكم المقاماتي المتنقل، رغم أن المركَّز عليه هو خلافها، كما هو المقرَّر والمحرَّر قولاً لعوباً، لا عملاً دؤوباً، أتحدث دون تلكؤ، دون تردد، دون أن أنظر إلى أي منكم، أعني الذين يعنون بأمري شديداً، لأنني….لأنني، خجلٌ منكم، ورب كعبتي الكردية، وأي حجل، حجلَ من الكردية التي حاولتم أن تحمّلوني إياها، تلبسونني بها، من الكردية التي تحف بي، خجل من كلشيتي التي ذهبت أدراج كرديتكم الاستكباراتية التي لا تكفون عن نسجها شتاتاً أشتاتاً.
ثمة هموم خاصة بي، لا أريد البوح بها، لئلا تنسجوا عليها هنا بالذات،عماراتكم الدخيلة على الهواء ذي البصيرة، ليس بي حاجة إلى المزيد من الكلمات التي استنزفت بساطتي، بالقدر الذي استهلكتم بساطتي، لا تشغلني حياتكم كثيراً، ولا بياناتكم كثيراً، ولا مشاهد الحزن التي تزنّر ملامحكم، لأنني ، ببساطة، مشغول كثيراً بقبري، أراجع آثار خطواتي السابقة، حياتي المنثورة كردستانية، بؤسي الكلشي الذي لطالما تطحلب على وقع كلماتكم غير السالكة بدروبها.
قد تكون كلماتي التي أكتبها من وحي قبري، صادمة لكم،لا بأس، تحمَّلوني لبعض بعض الوقت العابر، وقد تحملتكم سنّي عمري طويلاً، وأنتم تتخيلوني كرشي، الذي لا علاقة لم البتة، بكروش كلماتكم الحجرية، وثمة ابتسامات لا تريح، تنزلق على حوافي شفاهكم ذات الخرائب، وأنتم تلتفتون إلى بعضكم بعضاً، وأنتم تنظرون إلى وجهي المدور، والمكتنز، وهو بدوره ، مكتنز قهراً،وهو يراكم من حلال أطقم وجوهكم المستعارة، في وضح الحياة، ومشيتي البطيئة، وهي من جهتها، لا علاقة لها، بسرعة خطواتكم التي لا علاقة لها بالآمال العراض التي تعدون بها سواكم من الكرد( تسعّرون العشب حتى الركب- وقد طغى الهول حتى غاصت الركب)، وإنما بما تستبطنونه، دون التصريح باسمه، نعم أكون خلاف ما تلمستم في سيدا كلش، طوال حياته، وأنتم تلوكون اسمه المتواضع جداً كبسمة رضيع، تدعكون صورته في غفلة منه، الصورة التي عُمقها فيها، فأنا لم أتعود التخفي وراء صورتي، كعهدي بكم، صورتي كظل عافية محتجبة عبركم.
كفاني منكم، ما منحتموه لي، كفاني صمتي هذا، عما أدرتم باسمي، هأنذا أتبرأ من غفلتي .
أنا كلش، هكذا دون لقب، ولكم تذررني كلماتكم، وأنتم تخرجونني عن طوري الذي لم يجبل على أيديكم ذات الجبالات المقعقعة، إلا بالأسى، تعمرون ألقابكم بي، ولكَم هي أطواركم كثيرة، باسم زمزم الكردية التي اعتبرتموها محج كل كردي شهم، عتريس، نفيس، بينما كان العطش يستبد بي، وأنا لم أبخل بفيض كرديتي البسيطة الواضحة، خلاف مائكم المر، الكثيف ملوحةً، العطش إلى مقام، لا يلسعني، أنا تحركت، أو حللت، أتحدث من داخل جسدي الطيني، الذي لم يجبل بعد، لأنكم لم تدعوه ينضج، وها أنتم، تميعون فيه دمه، عظمه، لحمه، اسمه، حضوره الكردي القح..
أنظر إليكم، وللمرة الأولى، خلاف ما عهدتم فيَّ، يااااه، لكم هي الرؤية مقلقة، مؤلمة !
أين هي أسماؤكم التي تركتموها وراءكم، أين أينكم، في كتاباتكم ذات الوفود القيود الجمة؟
أسمعكم، كما لو أنكم تتكلمون بين جلدي وجلدي، بين راحتي وكفي، بين عيني وعيني، وراء أذني الوسطى، ألمسكم، حيث يدي ترتد إلي، من خشونة شوكية موجعة فيكم، تمنعون عني الرؤية السديدة، وببساطتي الكلشية، أحاول أن أراكم، وأنا، حيث لا تخطئني عيناي اللتان عهدتا قراءة سطوركم، على مقياس درويشيتي، تصعب رؤيتكم، بيني وبينكم غبار عاصف، أستشعر كلماتكم ذاتها غباراً، أجسامكم ذات المقامات بدورها تستحيل غباراً، رغم ( كلنا واحد)،و( في سبيل القضية)، تأتيني أصواتكم، فلا يلتقطها راداد أذني، إلا غباراً غباراً، والأنكى من كل ذلك، طربكم مع كلماتكم، مع سجعكم، مع فقه الشوبشة الضالعة فيكم، غباراً أكثر من كونه غباراً.
يا الله! لكَم تقلقونني في قبري الذي نأى عنكم، يا قبري الجماعي، الاشهاري المألوف،،كلماتكم ذات المديح الأدرد، تخجلني، وأنا لا أستطيع الكلام، التحرك هنا، فقبري يقول لي:دعك منكم، صرت في حماي، محميتي ذات السموات العلى! تقيدني كرديتكم، من خلال كلماتكم ذات الطنين، وأنتم تنزلون السماء من عليائها، بنجومها ذات المسد، تشدونها على رقبتي، تطبقوني على جمجمتي، تخلدونني بكم، وأنتم بائدون أحياء، حيث أنا، حتى الآن، لم أعهد خلوداً كردياً بكم أنتم، بكلماتكم التي أسمع فيها صراخ عضلات أشداقكم، وهي تتمزق ، لمطمطتها المعروفة.
لا أحد يعيب علي شعري، أنا كلش، سيدا كلش، أوسطجي اللّبنات في قرى كردية، شبت عن الطوق، وحملت آثار يديَّ، ولم تلتفت إلي عبركم، نثرتُ في أجوائها سنوات عمري، لم أعرّف بنفسي شاعراً،حكيماً، كما هم أنتم، أنتم الذين تهربون من شعركم، حكمة وجودكم، مبرّر تجسيدكم الحياتي، حين يجد الجد، تتوارون عن أنظاركم، خشية لسعة هواء مختلٌّ توازنه، لم يتقدمني شعركم، كما تروجون لشعركم وخلافه، كما يتقدمكم شعركم خادماً لم يتعهد في صاحبه وفاء لعمره واسمه، عند الضيق.قلت الشعر، فقط، لأتحدث ببساطتي، هذه التي تتحلل كل مكان، عرفتُ فيها كلشاً، الطريقة الوحيدة، لأقول وطني الذي لكَم تهاوى جفناي من الانتظار، وأنا أترقبه، ولكم أحلتم بيني وبينه( دعوا الأعداء الأعداء الآن جانباً)، على الأقل، في متعة نسبية للنظر الشفيف، لكَم ثقل علي جسدي المرضوض بكم، بشعركم الغباري، المانع لكل هواء حالم، بوعودكم التي فرطت بوعودي، أعاقت رؤيتي عما كنت أريد ببساطتي.
يرجني مديحكم الموجَّه إليكم أصلاً، حضوركم العرائضي، وأنتم تتحلقون حول مائدة ذكرى باسمي الكلشي، وأنتم تعملون في جسدي الذي استعاد الكثير من طراوته ونداوته بعد فراقكم غير المأسوف عليه، تعملون فيه أيديكم لحماً يتمزق تحت وقع أصابعكم التي كشفت اللثام عن مناقيرها المعقوفة، جسدي المسجى على مائدة مناسبتكم، حيث ما كنت أناسب المجمل فيكم، حيث لم أبصر إلا القليل العليل فيكم، جسدي مأدبتكم، أيها الشعراء- الحكماء الصاعدون إلى جمجمتي كالحمأ البركاني المسموم، المداحون لأنفسهم بي، المتفتحة مواهبهم الطللية ، على رحيلي المشتهى، ليستعذبوا وقوفهم الطويل على جسدي، على عيني اللتين، لم أعهدكم بهما إلا غباراً في غبار صراحةً.
ذلك هو اكتشافي الذي، فاتني الوقت لأقوله، وأنا أقول لكل الذين يزورونني، ليسمعوني ما يريدونه ترقية لأسمائهم، وهم يحاولون تزويري، وكعادتي الكلشية Ez shukra we dikim !
دعوني في قبري، وقبركم الذي.. الذي أهديتموني إياه وأنا حي، وتضيقونه علي أكثر وأنا مغادركم غير مصدق، خذوه إذاً، مباركاً عليكم، حسنة مني لكم، دثّروا عريكم به، يكفيني عرائي عزائي القدسي، دعوني وشأني، لأحسن الكلام أكثر مع كائنات السماء، وهوام الأرض التي شغفت بها، ونال مني حبها الكردي، لأحسن النوم، وقد بقيت عيناي مفتوحتين على غباركم الذي لم ينقطع، وأنتم تشدون علي ، طويلاً طويلاً.حيثما تحركت، تقودني جهاتي الكلشية، بينما تمارس فيَّ جهاتكم تمزيقها المعهود، خواريقها التي منعتني بساطتي الكردية من أن أسمّيها، لأفقد كل جهة، في كردستانيتها، وأنتم تخلطون الجهات مع بعضها بعضاً، تعدمون الجهات، لترفعوا من شأن جهاتكم التي أسكنتني تيهها، أنا وغيري، وهأنذا أطلق لساني وأسميها بتمامها.
القادمون إلى قتلي، من حدب وصوب، الساعون باتفاق جمعي، أو اقلَّه، الحاملون قراطيسهم التي تئن تحت كلماتها، المناسباتيون كعادتهم، التذكاراتيون نهب الصور المريبة، المساوماتيون عليَّ، الطليقة قرائحهم الشعرية، النثرية ذات الهبوب الخماسيني، القرائح التي يكاد جسدي يلفظ صراخ عمر كامل، وتحسر آمال قلب كامل، ليقول: عودوا من حيث أتيتم، أنتم أولى بالرثاء، لا بالمديح، قائمة الشعراء الذين يخيفهم مطلع كل قول يشير إلى الوطن الحقيقي، وفي هوائه الطلق، قائمة النثارين الذين يطلقون ألسنتهم ذات التوابل النافقة، عودوا إلى أجسادكم التي تسقط منكم، عودوا إلى أنفسكم التي تشرذمت بكم، عووا أنفسكم الأجدى بالحنين إلى لحظة صحوة واحدة، قبل أن يطويكم ثرى،لا يطيق ثقل أجسادكم المتعالية على ذاتها، إلى كردية أقضَّها الانتظار إلى كلمة واحدة، لا تثير غباراً، لحظة إطلاقها، لتستحقوا، ولو كلمة واحدة، تشهد على أنكم، عشتم اللحظة الأخيرة من عمركم، وأنتم تحتضرون، نادمين، على الغبار الذي لم تتوقفوا عن جنونه بكم..
التوقيع : سيد كلش، من خارج القبر الذي تحدَّد موقعه.
———–
ملاحظة من الكاتب :
ما كتبته، ليس بمناسبة أربعينية الشاعر الكردي سيد كلش، والذي عاش بسيطاً، ورحل بسيطاً، والتي ستصادف يوم الجمعة 27 تموز، 2007، فلكم أكره المناسبات، وما كتبته، لم يصَغ باسم المناسبة هذه، وإنما باسم آخر، يتحرك خارج دهليز المناسبة، كما يعلم المناسباتيون ذلك، ودون تمييز.