قراءة في ديوان «أطلس العزلة» للشاعر إبراهيم اليوسف

 نصر محمد – ألمانيا 

صدرت للشاعر والكاتب إبراهيم اليوسف ثلاثة كتب في إطار أدب الجائحة ومنها ” خارج سور الصين العظيم ” من الفكاهة إلى المأساة ” أطلس العزلة” ديوان العائلة والبيت “جماليات العزلة” في أسئلة الرعب والبقاء. 
 مجموعة ” أطلس العزلة” ديوان العائلة والبيت للشاعر والكاتب إبراهيم اليوسف والتي نشرت ضمن إصداراته الجديدة عن دار الدليل ومؤسسة أمازون في طبعتين أولاهما ورقية والثانية إلكترونية.
تتمحور نصوص المجموعة حول تفاصيل ويوميات الشاعر وأسرته مع وباء كورونا خلال فترة العزلة التي عاشوها، في أيام صعبة محرجة، ولايزال يعيشها كغيره في هذا العالم . هذه الفترة التي ساد خلالها الرعب في شتى أنحاء المعمورة، جراء انتشار هذه الجائحة الكارثية العظيمة. 
 الشاعر ابراهيم اليوسف يمضي الى مناخات العزلة طقوسها ومستجداتها . وفي الوقت نفسه يتفرغ لتناول ثنائية علاقته مع العائلة التي يبدو وكأنه يكتشفها للتو . ففي قصيدة ( طائر يفك الحجر الصحي ) يقول : 
 ليس ثمة عالم خارج الغرفة 
بقايا الأسرة الكبيرة 
كل في غرفته 
كتبي المكومة انفض عنها النعاس 
اخر اخبار مسلسل الخوف 
تنشرها الشاشات 
التلفزيون الكومبيوتر 
الهاتف اثير المدينة الكبيرة 
اعداد فرائس الفيروس 
الموتى 
مودعو المستشفيات 
عدو لا مرئي لا يهدأ
بين الاصابع
على ثياب النوم 
على الطاولة 
بلاط الغرفة 
وفي الممرات 
 تحتل نصوص هذه المجموعة 106 صفحات من القطع المتوسط تناولت جميعها محيط الشاعر . أسرته . بيته . ومقربيه، إذ يخص كل من أفرادها بنص معنون باسمه . ففي قصيدة 
( ايهم ) وهو ابنه الكبير، يقول: 
 لا يزال الوقت مبكرا 
لأعيد لك طفولتك 
وتعيد لي أبوتي 
بعد ان تبادلنا الدورين 
منذ رائحة قصيدة أولى !
 ويقول في قصيدة ( كرم ) وهو أحد أبنائه: 
بعد أن كبرت الآن
ماعدت تحتج علي 
أنا لا أصدق هذه الحكايات يا أبي !
لتعيد بدورك صياغتها الآن 
على مسمع طفلك الصغير 
وهو يكرر في كل مرة 
ما كنت تقوله لي !
ما كنت أقوله لأبي !
 جاءت نصوص ” اطلس العزلة ” عبرلغة بسيطة.
سهلة. يومية، ابتعد خللها الشاعر عن التكلف والتعقيد . حيث تصل الصورة الشعرية بلا عناء. يقول في قصيدة ” أجراس “
 1 – جرس باب البيت 
 لا يزال في انتظاره 
لا إصبع تضغط على زره
كي يبعث رنينه في البيت الصغير
 
2- جرس الكنيسة 
 وحده الكائن 
في عيدي الفصح والصعود 
يقرع ناقوس الكنيسة
على تراتيل أثر خطوات
 وروائح غابرة  
 
3 – بائع البوظة 
 يومياً في الساعة الرابعة والنصف عصراً
بائع البوظة يقف تحت نافذتي 
ينشر موسيقاه 
ولعاب الأطفال يسيل من الشرفات
ولا أحد يقترب منه 
 4 – الشاعر 
 لا جرس في النص الجديد 
أية آلة وراء رعب هذا الخلل ؟!
 5 – عطلة طويلة جدا 
 حفيدي الصغير يسأل أباه 
لم لا تقرع معلمتي الجرس 
بعد أن صارت مدرستي الكومبيوتر 
 6 – جرس الهاتف 
 أنين غير مفهوم 
ينتاب جرس الهاتف 
ونحن نتحلق حوله 
 7 -جرس الموسيقار الكوني 
 أية موسيقا جنائزية 
لا أحد إلا ويسمعها في البيت الكوني 
بعد أن عزفتها اصابع كائن لا مرئي 
ومن العلامات الفارقة أن الشاعر إبراهيم اليوسف خصص في نهاية هذه المجموعة من نصوص العزلة” ما بين الصفحتين 93-105″ رسومات بعض أحفاده وحفيداته، ممن تتراوح اعمارهم بين ثلاث سنوات وتسع سنوات وهم:
 ساي آراس اليوسف ثلاث سنوات .ياشا كرم يوسف اربع سنوات . ناشا فائق اليوسف ست سنوات .شيا أيهم اليوسف تسع سنوات، . هذه اللوحات المرسومة بعفوية تحمل بصمة فنية واعدة، و فيها الكثير من شفافية الألوان والخربشات ذات الدلالة.
وأخيراً فإن الشاعر إبراهيم اليوسف لم يتخذ من الخوف من جائحة كورونا مادة عابرة للكتابة ، بل إن هذه الجائحة جاءت كعامل محفز على إنتاج خطاب جمالي، بأدوات شعرية مؤثرة، عبرلغة بسيطة، وصور مؤثرة، ومجازات غير متكلفة، عبر تكتيك لغوي ينم عن ثقة امتلاك الأدوات والمهارة الفنية والقدرة الشعرية، وهذا ليس بغريب على شاعر ذي تجربة طويلة زمنياً، ما يدل على أن الشعر لايزال ممكناً في زمن هيمنة العالم الافتراضي!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

محمد إدريس *

 

في ذلك المشهد الإماراتي الباذخ، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة، يبرز اسم إبراهيم جمعة كأنه موجة قادمة من عمق البحر، أو وترٌ قديم ما زال يلمع في ذاكرة الأغنية الخليجية. ليس مجرد ملحن أو باحث في التراث، بل حالة فنية تفيض حضورًا، وتمنح الفن المحلي روحه المتجددة؛ جذورٌ تمتد في التراب، وأغصانٌ…

 

شيرين الحسن

كانت الأيام تتسرب كحبات الرمل من بين أصابع الزمن، ولكن لحظة الغروب كانت بالنسبة لهما نقطة ثبات، مرسى ترسو فيه كل الأفكار المتعبة. لم يكن لقاؤهما مجرد موعد عادي، بل كان طقسًا مقدسًا يُقام كل مساء على شرفة مقهى صغير يطل على الأفق.

في كل مرة، كانا يجدان مقعديهما المعتادين، مقعدين يحملان آثار…

 

 

صبحي دقوري

 

حكاية

 

كان “دارا” يمشي في شوارع المدينة الأوروبية كما يمشي غريبٌ يعرف أنه ليس غريباً تماماً. العالم لا يخيفه، لكنه لا يعترف به أيضاً. كان يشعر أنه ككلمة كورديّة ضائعة في كتاب لا يعرف لغتها. ومع ذلك، كان يمشي بثقة، كما لو أن خطواته تحمل وطأة أسلافه الذين عبروا الجبال بلا خرائط.

 

في تلك الليلة، حين…

عِصْمَت شَاهِين الدُّوسْكِي

 

دُرَّةُ البَحْرِ وَالنُّورِ وَالقَمَر

دُرَّةٌ فِيكِ الشَّوْقُ اعْتَمَر

كَيفَ أُدَارِي نَظَرَاتِي

وَأَنْتِ كُلُّ الجِهَاتِ وَالنَّظَر

***

أَنْتَظِرُ أَنْ تَكْتُبِي وَتَكْتُبِي

أَشْعُرُ بَيْنَنَا نَبْضَ قَلْب

بِحَارٌ وَمَسَافَاتٌ وَأَقْدَارٌ

وَحُلْمٌ بَيْنَ أَطْيَافِهِ صَخَب

***

دَعِينِي أَتَغَزَّلْ وَأَتَغَزَّل

فِي عَيْنَيْكِ سِحْرُ الأَمَل

مَهْمَا كَانَ النَّوَى بَعِيدًا

أُحِسُّ أَنَّكِ مَلِكَةٌ لَا تَتَرَجَّل

***

دُرَرٌ فِي بَحْرِي كَثِيرَةٌ

لَكِنَّكِ أَجْمَلُ الدُّرَرِ الغَزِيرَةِ

أَقِفُ أَمَامَ الشَّاطِئِ

لَعَلَّ مَقَامَكِ يَتَجَلَّى كَأَمِيرَةٍ

***

أَنْتِ مَلِكَةُ البَحْرِ وَالجَمَالِ

لَا يَصْعُبُ الهَوَى وَالدلالُ

لَوْ خَيَّرُوكِ…