طفولتي في زمان ومكان ( سيرة الصبا ) لسليم بركات

بهزاد عجمو 

الجزء الأول : 
إن لمن دواعي الفخر و الاعتزاز أنني عشت في مرحلة الطفولة في مدينة وفي حي بل وتقريبا في شارع واحد كان يقيم فيه كاتبنا المبدع سليم بركات حيث كنا نسكن في تلك الفترة في الجهة المقابلة للمطحنة ومعمل الجليد على طريق عامودا كان يكبرني ببضع سنوات أي أنه كان في مرحلة الصبا بينما كنت في مرحلة الطفولة هذا الكاتب الذي خرج من بين الركام والحطام منطلقاً على صهوة جواد يسابق الريح تاركاً خلفه غبار السنين العجاف ويرفرف على كتفه عباءة الأدب مطرزة بخيوط ذهبية من الرواية والشعر وممسكا بيده القرطاس واليراع ويضرب بكعب أرجله بقوة على بطن جواده ليسرع أكثر ويظل في المقدمة 
وليثبت للقاصي والداني بأنه فارس لا يشق له غبار فتابع مسيرك أيها الفارس ونتمنى أن تكون دائما في المقدمة كما هو الآن لكي تصل إلى هدفك المنشود وتكتب اسمك  بأحرف من نور على جدار الزمن ولنفتخر بك بين الشعوب والملل بأن هذا الكاتب هو من أبناء جلدتنا بل ومن أبناء مدينتنا وحينا ولتفتخر مدينة القامشلي بأنها مدينة ولّادة أنجبت العديد من الشعراء والكتّاب وأملنا بك قوي وإنْ كان ينتابه أحيانا الحزن والأسى والمرارة لأنك لم تصل بعد إلى الهدف الذي تنشده وتريده بسبب ما أُلحِقَ بك من الظلم والغبن فكنا نرى بأنك كنت الأجدر من الكاتب التركي أورهان ياموك الذي نال جائزة نوبل للآداب قبل عدة سنوات بل وأجدر من الذين نالوا هذه الجائزة بعده ولكن يبدوا بأنه لا يوجد عدالة في منح هذه الجائزة وباعتراف الكثير من المثقفين العالمين بأن هناك اعتبارات سياسية ومحسوبيات في منح هذه الجائزة ولكن كما عرفتك منذ أكثر من نصف قرن لا توجد كلمات الإحباط والجمود في قاموس حياتك ولا يوجد باب في الحياة تقف عاجزاً عن اختراقه لأن المفاتيح التي في جيبك هي عديدة لفتح بوابات الحياة ومن هذه المفاتيح كما قال الكاتب الفلسطيني قبل عدة سنوات عنك ( ذلك الكردي الذي يحمل مفتاح اللغة العربية في جيبه ) ولكن كلما أسمع باسم سليم بركات تعود بي الذاكرة إلى مرحلة الطفولة وبالتحديد إلى بداية الستينات من القرن الماضي حيث كان كاتبنا في مرحلة الصبا بينما كنت في مرحلة الطفولة التي هي أجمل مراحل الحياة والشيء الذي كان يميز سليم بركات من بين صبية الحي بأنه كان دائما كامل الأناقة في ملبسه بينما كان صبية الحي وحتى الأطفال ثيابهم مهلهلة فكان سكان الحي من الطبقة الوسطى وما دون حيث كانت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية تمتاز بالبساطة فلم يكن يوجد فارق طبقي ولا الأغنياء الجدد ولا الفاسدين ولا لصوص النهار كما هو الآن فكانت المنافسة بين رجال الحي على القيم والمبادئ والرجولة والشيمة والشهامة ، الذي كنت ترى في الحي رجال بكل معنى للكلمة وقد تعلمنا من هؤلاء الرجال الكثير في مدرسة الحياة لذا فإن كاتبنا رغم أنه كان في مرحلة الصبا كان يعتقد أنه في مرحلة الرجولة أي أكبر من عمره الحقيقي بكثير حيث كان متحدثا بارعاً وسلساً ويفضل أن يصادق من هو أكبر منه بالعمر بكثير لأن عقله وفكره كان أكبر من عمره الحقيقي وعندما كان يتكلم محدثه يظل صامتا ويحدق في عين محدثه بنظرات ثاقبة يريد أن يعرف ما يجول في فكر محدثه ويريد أن يغوص في أعماق عقله الباطن ويتجنب الدخول في المناكفات والجدال العقيم مع متحدثه ويحترم رأيه حتى لو كان على خلاف في الرأي مع الطرف المقابل كما أنه كان يريد أن يتعلم من انجازات بعض الناجحين ليقتاد بهم فهذا الذي جعل منه انساناً ناجحاً في هذه الحياة ولم يكن مثل صبية الحي يهوى العراك والمشاجرات بل كان مسالما يلجأ إلى عقله وليس يديه في حل مشاكله وعندما كان صبية الحي الغربي وصبية قرية هلالية يتشاجرون ويقذفون بعضهم بالحجارة حيث كانت الحدود الفاصلة بينهم نهر خنيس الذي كان يفصل هلالية عن مدينة قامشلي كان يقف بعيدا عنهم ويتجنب الدخول في معاركهم الصبيانية لأنه كان يشعر بأنه فوق هذه المهاترات والعراكات الطائشة ولكن هناك نقطة لابد أن أذكرها ، فإن كاتبنا في مرحلة الصبا وبداية سن المراهقة كان يهوى الجمال وكل شيء جميل وخاصة الفتيات الجميلات ويملك الجرأة في توطيد العلاقات مع الفتيات في كل حي من أحياء القامشلي و أي شارع يوجد فيه فتيات جميلات كنتَ ترى سليم بركات هناك وكما يقال ( لكل جواد كبوه ) وهنا أضيف ( لكل مبدع بعض الهفوات والشطحات ) . . . . . .
يتبع ……………

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

“كنتُ قصيدةً تائهة” – للشاعرة شيرين دريعي

هناك نصوص لا تُقرأ… بل تُرتَجَف

وقصائد لا تُنشَد… بل تُبكى في القلب.

“كنتُ قصيدةً تائهة”… ديوانٌ نسجته أنثى من خيوط الغربة، وبقايا الحنين، ونبض القلب حين يخذله الحب، وتخذله الحياة.

هنا، لا تكتب الشاعرة الشعر، بل تكتب نفسها، بكل ما فيها من شروخ وهمسات، من خوف واشتهاء، ومن ضياعٍ جميل يبحث…

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…