بين يدي رواية أحمد رفيق عوض الحياة كما ينبغي

فراس حج محمد| فلسطين
في صباح يوم الاثنين 6/6/2022 تصلني عبر الواتس آب برسالة محولة رواية “الحياة كما ينبغي” مع اتصال صباحيّ من مؤلفها الدكتور أحمد رفيق عوض، يطلب مني الاطلاع على مخطوط هذه الرواية، ليطمئن على طباعتها أم التريّث في ذلك. وعلى الرغم من اكتظاظ الأعمال وكثافتها، طلبت مهلة لعلني أستطيع في ظرف أسبوع أن أقرأها وأوافيه برأيي.
كان اتصال الدكتور عوض ورسالته قبل أن أذهب إلى العمل؛ رسالة مبكرة في حدود الساعة السادسة والنصف صباحا، بدا الدكتور متشجعا جدا لروايته. لم أطق صبرا، وأخذت في مكتبي بقراءة الرواية، قرأت ثلاثة فصول منها، بسلاسة ومتعة، واندهاش. تحمست أنا كذلك للرواية، ورأيت أنه من الظلم لها أن تبقى حبيسة الأدراج، والتردد، فأسئلتها الطازجة، وحيلتها الفنية وتقنياتها ولغتها، عناصر تمنحها جواز سفر قويّ إلى دور النشر وإلى القراء والنقاد.
عبرت عن إحساسي تجاه الرواية بهذه الرسالة: “في الحقيقة فضول الناقد أخذني لأسرق بعضا من وقت لأقرأ في روايتك الجديدة. إنها مختلفة، إنك تخترع فيها ما أسميه “رومانسية المقاومة”، حيث الطبيعة الفلسطينية في أصفى تجلياتها خدمة للمقاومة، لقد أنسنت الشجر والحجر والفضاء الفلسطيني في الطبيعة الفلسطينية البكر. إنها خطوة رائعة والتفاتة قل أن توجد، ولا أدري إن كتب أحد بهذه الطريقة أم لا. من حقك أن تتحمس لها وحماسا زائدا أنتظرها بشوق لتطبع لعل الذائقة تقول فيها وتوفيها حقها”. يردّ الدكتور برسالة مختصرة: “رائع أنك عذرتني في حماسي الشديد”.
لانشغالاتي الكثيرة لم أعد إلى مخطوط الرواية، وانتظرت طباعتها، لتصلني نسخة موقعة من الدكتور، بعد أن تم تحديد موعد حفل إشهارها في متحف محمود درويش، برفقة الكاتبين تحسين يقين وأمير داوود. لم أنتظر الرواية حتى تصلني بنسختها الورقية بل عدت إلى المخطوط وأعدت قراءة الرواية من الصفحة الأولى حيث شجرة الزعرور، كنت أقرأ وأسجل ملاحظاتي في أوراقي الخاصة، انتهى يوم العمل وأنا غارق وموزع بين القراءة وكتابة الملحوظات، أكمل القراءة في البيت في المساء ذاته، وتكتمل الرواية وتكتمل وجهة نظري عنها، وتجمع لدي ست صفحات من الملحوظات والاقتباسات من الرواية. 
أخذت أفكر بكيفية الكتابة حولها، وجدت أن كل الأفكار لازمة، وضرورية، اتكأت على مقولة للوك فيري في فلسفته تجاه الحياة المعاصرة “الحياة كما ينبغي أن تعاش”، ودخلت من هذه الجملة إلى جسد الرواية وروحها، فكانت خصبة الثمر، متعددة الشجر، ممتعة في التناول، وتفتح شهية الباحث. أنجزت المقال الأول فيها وكان مقالا مطولاً تحليليا، أعدت قراءته، ثمة أشياء مهمة لم أقلها في الصنعة الروائية، فشرعت بكتابة مقال ثانٍ أردته “إضاءة” على عناصر العمل الروائي دون الخوض فيما بحثته وحللته في المقال الأول، هذا المقال التعريفي بالرواية، بعثته للنشر أولا، قبل المقال التحليلي الذي يتناول الأفكار وتشابكاتها الثقافية والسياسية والاجتماعية واتكاءاتها المعرفية.
ها أنا أكتب عن الرواية للمرة الثالثة، وعلى الرغم من ذلك، إلا أنني لم أستطع التخلص من أوراق الملحوظات التي جمعتها، ثمة أشياء أخرى تستحق الحفر والنبش لم أكتبها، لاسيما أن الرواية ذات اقتراح جمالي، تجلى في بنائها، وفي لغتها الشاعرية في حديثه عن الأشجار والورود والطبيعة الفلسطينية وفي إمكانية قراءتها نقديا حسب مناهج نقدية متعددة من سيميائية وبنيوية وأنثروبولوجية اجتماعية ورمزية، والاستعانة بمقولات علم الاجتماع والعلوم السياسية والتحليل النفسي، وأن الكاتب يضيف لتجربته الروائية بعدا آخر بعد أن جرب الرواية التاريخية، وأحرز فيها الكثير من الإنجازات، ليعد أحد الروائيين المنتمين إلى الاتجاه التاريخي للرواية الفلسطينية.
قد لا أوافق الكاتب على طروحاته السياسية في الرواية إلا أن المنطق الإقناعي في الرواية يجعلني أراها رواية يمكن أن نتحاور بشأن مقولاتها، مع الاحترام الكامل لوجهة نظر الكاتب الذي كتب رواية في المقام الأول، فروائيتها أهم من أفكارها السياسية من وجهة نظر نقدية محضة، هذان الجانبان اللذان كانا حاضرين بقوة في مداخلات المثقفين يوم حفل الإطلاق الذي تمّ بـ 17/8/2022، فحظيت الرواية بالإشادة وعبّر المتحدثون عن أهمية الرواية في سياق حركة السرد الفلسطينية والثقافة بشكل عام.
هذه الرواية “الحياة كما ينبغي” للدكتور أحمد رفيق عوض تستحق أن تقرأ للمتعة أولاً، وأن تقرأ نقديا ثانياً، نظرا لشعريتها العالية، وهي من الروايات الممتعة للقارئ العادي والمرهقة للناقد، لصعوبة السيطرة على كل مقولاتها الفكرية التي جاءت في معمار فني محكم ورصين.


من حفل توقيع الرواية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شكري شيخ نبي

 

يا ليل أما أضناك هرج السمار

وانت تشيح مرودك عن الإصباح

 

أما آن للياسمين المعرش على

لسان اللظى أن يغفو عن البواح

 

أنا وانت و قنديل البدر ساه

وهزار يشدو الشجى كأنه المزاح

 

صاح يا نديم الصفا والليالي

لا تحرم شفاه الأقداح من الراح

 

دع الكؤوس تدنو للأقدار بنا

فلا إنفكاك هرم ولا لجم السراح

 

أراني والراحلين في مطي…

خالد إبراهيم

نيسان: الممرُّ بين وجهين، بين صراخٍ وتوابيت

نيسانُ ليس شهرًا، بل شقٌّ في زمنٍ يُجيدُ الانهيارَ على مهل.

كأنّ اللهَ، وقد أرهقه التوازنُ، قرّر أن يُفلت الزمامَ في هذا الشهرِ وحده، فجعلني بابًا تُطرَقه الحياةُ برِضيعٍ يشبهني، وتدخلهُ الوفاةُ بأمٍّ كنتُ أُشبهها… ثم انكسرتُ.

نيسان…

أأنتَ بابُ الولادةِ أم نعشُها؟

أأنتَ طَرقٌ سماويٌّ على نافذةٍ كنتُ نائمًا فيها، أم…

علي شمدين

– 1 –

يعد صدور العدد الأول من جريدة (KURDISTAN )، الذي أصدره الأمير مقداد مدحت بدرخان في القاهرة في (22 نيسان 1898)، بمثابة البداية الحقيقية لإنطلاقة مسيرة الصحافة الكردية التي أخذت على عاتقها خلال أكثر من قرن من الزمن- وبإمكاناتها المتواضعة- مهمة إيقاظ الجماهير الكردية وتعريفها بقضيتها القومية والمساهمة الفعلية في بلورة وعيها القومي…

عن منشورات رامينا في لندن، صدرت حديثاً رواية “الباستيل الصغير” للكاتب الكردي السوري عبد القادر سعيد، في عمل سرديّ يمزج بين التخييل الروائي والتوثيق التاريخي، حيث يغوص في أعماق التجربة الكردية مع القمع، السجون، والخذلان الوطني، عبر بناء سردي محكم يذكّر بسجون الباستيل الفرنسية، لكن بلغة محلية تنبض بالألم السوري والكردي.

تتناول الرواية، الصادرة في طبعتها…