الشعور بالنقص لا يعوضه حذاء غالي الثمن

وفاء عمران محامدة| فلسطين

في “المدينة التي لا يسكنها الغرباء” كما يحلو للكاتبة “سناء عليوي” أن تسمي روايتها، تتحدث فيها عن ابن القرية الذي لا يمكنه الارتباط بحب حياته لسبب غريب جدا ألا وهو أنه ابن فلاح بينما محبوبته هي ابنة مدينة، حيث يبقى يُنظر لابن القرية على أنه فلاح كما يُنظر لكائن غريب،  ويبدو كأن العنصرية التي يحاربها العالم تتجلى في كل شيء، فالأمر لا يقف عند بشرة سوداء أو سمراء ولا عند اتجاه ديني أو طائفي أو صفات بشرية مثل طويل وقصير ومثقف ومتعلم وغير متعلم.
إن الأمر يتعدى إلى أكثر من ذلك، وكأن الانسان دائم البحث عن مجال جديد، إذاً فالكل يعاني، ولا يوجد متفوق “سوبر” لم يتعرض للعنصرية في حياته، بل إن الأمر وصل إلى الحذاء، فكتب الكاتب الفرنسي غزير الإنتاج قليل الشهرة “ريستيف دي لا بريتون” الذي كتب في سيرته الذاتية الروائية الضخمة “المونسيور نيكولاس”: “لا يغرم الرجال بالنساء لجمال عيونهن أو وسامة وجوههن أو نحولهن ورقتهن أو سموهن الروحي، وإنما أساسا بجمال أقدامهم وأناقة أحذيتهن”، وربما لذا سرد الكاتب فراس حج محمد في كتابه ” دوائر العطش” قصة قصيرة  بعنوان في “غرفة الانتظار”، صفحة 31 : “في غرفة الانتظار رأته يحمل جهاز (الآيفون)، فابتسمت له، وهمّت به لولا أن رأت برهانها بحذائه غير الملمّع، فغيرت رأيها!”.
   ألهذا أصبح الحذاء مصدر التفوق والسعادة؟ ولذا الأحذية توضع في رفوف مرتبة وتحت الأضواء الملونة وتخصص الدعايات والإعلانات والمحلات الفارهة لعرض الحذاء، بينما تُصفّ أحيانا الكتب على الأرض، وكأن تركيز الناس على خلق عالم من التفوق الجديد ليداري شعور تدهور الحياة وقلة الفرص واليأس والشعور بالنقص تكمن فيما هو سهل ومتاح وضرورة حياتية وليست معضلة.
 الإنسان الذي يبحث دائما عن الكمال، يبدأ بالتشبث بأفكار واهية ليبدو أفضل، ولأن المظاهر كثيرة ومغرقة في التفاهة نجد أن شخصيات كثيرة فقيرة الفكر والعلم تعول في التفوق على لبس حذاء غالي الثمن، فمن الطبيعي أن تمتلئ الحياة بأناس لديهم شعور بالنقص بحيث ينعكس ذلك على شخصياتهم العنيفة التي يحاولون إقناع الناس أنهم جد مؤدبون وراقون بينما ينطلق لسانهم بالسوء عند أول خلاف بسيط. 
ولذلك انتشرت تلك الشخصيات الغريبة الأطوار التي هي في حالة وسطية كأنها على الأعراف؛ فهي لا ترضى بواقع حياتها وظروف معيشتها وأصلها، وفي نفس الوقت هي ترتاح مع بيئتها، فتراها تحاول جاهدة أن تقلد الطبقة التي تعتقد أنها أعلى منها، ولكن مع الأسف تنظر إلى المظاهر فقط، فترهق نفسها ماديا لتلحق من نظرتها الضيقة، والكل يغالي في العرض ومن الداخل لا شيء يعادل جمال الروح وسعة الأدب والثقافة والسعادة التي تكمن في عمل الخير والإطلاع والثقة بالنفس.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ا. د. قاسم المندلاوي

 

فنانون الكورد في غرب كوردستان عاشوا تحت كابوس الظلم والاضطهاد والاعتقالات و التهميش خلال فترة حكم الرئيس السوري الاسبق الطاغية حافظ الاسد الذي حكم سوريا بالحديد والنار اكثر من 30 سنة ثم جاء دور ابنه النازي الجبان بشار الاسد والاكثر ظلما والذي هرب من غضب الشعب ومع عائلته الى روسيا، وفي ظل…

ترجمة وتقديم : إبراهيم محمود

عدنان حسّان شاعر كردي، يستحق أن يكون شاعراً كردياً.ما أكثر رهانه على عفوية القلب، وبساطة التعبير، وسلالة الرؤية. لا أكثر من القلب نسيجاً لكلماته، ولا أكثر من الحب تلويناً لهذا النسيج، ولا أكثر من التناوب بين الحسي خارجاً، في العينين، الشفتين، الصدر، وحتى الشعر المرفق بالمشاعر والأحاسيس، والشعوري النفسي، ومقام الشوق…

غريب ملا زلال

فنان يلاحق الذات ويتمسك بها

العلاقة وطيدة بين الكتابة الأدبية والفن التشكيلي، وخاصة الشعر، الذي كان ومازال مرتبطا بالصورة أكثر من غيره من الأجناس الأدبية الأخرى. وأن يجمع فنان بين الكتابة الشعرية وعالم الصورة ممثلا في الفن التشكيلي لا يمكنه إلا أن يخلق تجربة فريدة من نوعها على غرار تجربة الشاعر والفنان السوري محمد…

جوان سلو

 

* الجدران الصامتة تعشق العزلة. فهي تثير فيها رغبة الإنصات، الجدران التي تحتفظ بين شقوقها الأسرار والهموم، هناك يجد الاكتئاب لنفسه موضع قدم كي ينشر شبكة أوهامه في روح صاحبها المعتزل الذي يؤكد من خلال بث أحزانه للجدران مقولة: إن للجدران آذان.

في زوايا ذلك الصمت المطبق تنمو الأفكار كالأشواك في الصحراء، يتحدث الألم مع…