في التفكير وفي النسيان الكآبة تخيم على الروح*

محمد عفيف حسيني

تتلى الكلمات، وتقرأ القصائد، والجو مشحون بالفقر البليغ: شحة المواسم، الديون الرغبة في السفر إلى ممالك الله، الحنين إلى الأهل والأصدقاء، الجيوب الخاوية، القصائد الكئيبة، الكلمات وهي تعبر ذكرى فضيلة التذكر أو النسيان بعد الأمسية، ومن ثمة هناك جهود تبذل لعدم النسيان، لتذكر ما يمكن ذلك.
الوقت يضيق بالكرد، في حفظ تراثهم، وتجميع ما يمكن جمعه، المندثر منه، والذي في قيد الإندثار، مثل المواطنين ( قيد الدرس) بإخراجات قيودهم، والتي تقيد أبداً.
لنتذكر الرحيل الفاجع لِ يلماز غوني، محمد شيخو، كنعان شيخو، وسينما عامودا، التي لا أتذكر منها سوى الإهمال الكلي منها، كيف حالها الآن كيف هو قبر سيدي ملا أحمدي نامي وهو يكتب عن الحريق المندلع في أرواح أمهات أطفال السينما.
في نهاية السبعينات، أوائل الثمانينات قرأت كتابه في حلب، كنت أمتحن الهواء الفقير و اللغة القرية، في جامعة حلب.. لا أتذكر من أين حصلت على كتابه فقرأته في حديقة حلب المركزية، وفي شقة يائسة كنا استأجرناها ستة كورد في قبو أرضي.
لا أعرف شخصياً سيداي ملا أحمدي نامي ولم أقرأ له سوى ذلك الكتاب الوحيد ، أعرف ابنه الأستاذ سامي، أعرف أحفاده أيضاً، صديقي كوركين، والفتى جوان، وهم جميعاً في كآبة اسكندنافيان يجمعنا رحيق الغياب عن الجزيرة.
هي مناسبة هذه الليلة، هذا اليوم، في الإلتفات قليلاً إلى ما بقي مما لم يندثر، لجمعه، وتدوينه.
علوم الكورد تموت بموتهم. هل هذا قول صحيح؟!
في الشهر الماضي، وفي فيينا التقيت بِ جليلي جليل، في منزل الفنان عمر حمدي، كان يائساً من الوضع الثقافي الكردي، فقد جمع الكثير (عشرة مجلات، مما هو يندثر، ويغيب) فمن سيطبع؟!
ربع قرن فضي مر على رحيل سيداي ملا أحمدي نامي.
وسيمر مثله.. قمر فضي كئيب آخر، على سيرة الأحياء.
هي مناسبة للإهتمام بالأحياء.
الكورد ليسوا فقط سياسة. هم ثقافة قوية جانحة رهيفة. لكن غائبة مع الأسف.
السويد في 2000.12.5     
*مقالة بمناسبة مرور اربعين يوما على رحيل الشاعر و الكاتب محمد عفيف حسيني، وهي من إبداعاته المنشورة في مجلة حجلنامه العائدة له 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أعلنت منشورات رامينا في لندن، وبدعم كريم من أسرة الكاتب واللغوي الكردي الراحل بلال حسن (چولبر)، عن إطلاق جائزة چولبر في علوم اللغة الكردية، وهي جائزة سنوية تهدف إلى تكريم الباحثين والكتّاب المقيمين في سوريا ممن يسهمون في صون اللغة الكردية وتطويرها عبر البحوث اللغوية والمعاجم والدراسات التراثية.

وستُمنح الجائزة في20 سبتمبر من كل عام، في…

في زمنٍ تتكسر فيه الأصوات على صخور الغياب، وتضيع فيه الكلمات بين ضجيج المدن وأنين الأرواح، يطل علينا صوتٌ شعريّ استثنائي، كنسمةٍ تهبط من علياء الروح لتفتح لنا أبواب السماء. إنه ديوان “أَنْثَى عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ” للشاعرة أفين بوزان، حيث تتجلى الأنوثة ككائنٍ أسطوري يطير فوق جغرافيا الألم والحنين، حاملاً رسائل الضوء، ونافخاً في رماد…

ماهين شيخاني

كان مخيم ( برده ره ش ) يرقد بين جبلين صامتين كحارسين منسيّين: أحدهما من الشمال الشرقي، يختزن صدى الرياح الباردة، والآخر من الغرب، رمليّ جاف، كأنّه جدار يفصلنا عن الموصل، عن وطنٍ تركناه يتكسّر خلفنا… قطعةً تلو أخرى.

يقع المخيم على بُعد سبعين كيلومتراً من دهوك، وثلاثين من الموصل، غير أن المسافة الفعلية بيننا…

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…