إخفاق التعقلن عالميا

إبراهيم البليهي
منذ ديكارت حاول الفلاسفة انتشال الفرد من الذوبان التلقائي في التيار العام لقد أدرك الفلاسفة بأن كل فرد في طفولته المبكرة يختطفه النسق الثقافي الذي ينشأ عليه وأن التعقلن يقتضي أن يدرك الناس طبيعة هذا الاختطاف المبكر الحتمي وأن يحاولوا استرداد ذواتهم المختطفة وذلك بفحص محتويات أذهانهم باستخدام التفكير  النقدي الفاحص وبأن يحاولوا أن يفكروا بانفصال عن الرأي العام السائد وأن يعيدوا  تكوين محتويات أذهانهم بشكل علمي موضوعي وأن يقوموا بذلك  بإقدام وتركيز انتباه وجرأة وتصميم …..
 لقد وضع ديكارت أوليات التفكير العقلاني الموضوعي ولكن وضع شروط التعقلن لا تعني قدرة عموم الناس بفهم هذه الشروط كما لا تعني أن الناس مهتمون بهذه الشروط ولا أنهم يدركون طبيعة المأزق الذي يعيشونه بأفكار وتصورات وولاءات معلَّبة دون أن يعلموا ثم يأتي التعليم ليكرس هذا الذوبان بتمجيد النسق الثقافي وتأكيد الانتماء إليه والتعلق به والدفاع عنه …..
وجاءت حركة الأنوار معلنة أولوية العقل لكن كل ذلك يجري على مستوى مفكرين أفراد دون أن يتأثر به عموم الناس …..
وتساءل المفكرون عما ذا تعنيه الأنوار فأجاب كانط بأن الأنوار تعني استخدام كل فرد لعقله الخاص بجرأة وثقة لكن هذا كان مجرد رأي فلسفي لا تأثير له على مستوى العموم ….
والآن وبعد كل التطورات في الأفكار والعلوم والتقنيات ما يزال العقل البشري مختطَفًا بواسطة التنشئة على أنساق ثقافية متوارثة تكونت تلقائيا وتنتقل بشكل تلقائي حتمي من كل جيل سابق إلى كل جيل لاحق….
أما التعليم فهو يرسخ الاختطاف ويؤكد الانتماء إليه ويركز بعد ذلك على تأهيل الدارسين للخدمة في المجالات المختلفة فالتعليم في كل العالم يركز على الاقتصاد وقدرات التمكين المادي ومتطلبات البقاء إنه لا يصنع وعيًا فارقًا وإنما يربط الدارسين بالبيئة ويرسخ الانتماء ويعمل على تذويبهم في البيئة ويُخضعهم لمتطلبات البقاء …..
    إن من يتأمل أوضاع العالم يظهر له إخفاق محاولات العقلنة  لقد تمت عقلنة القوانين والنظم والمؤسسات أما الأفراد والمجتمعات فهي ما تزال غير عقلانية …

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

أحمد الصوفي ابن حمص يلخص في تجربته الفنية الخصبة مقولة ‘الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح’، وهو كثير الإنتماء إلى الضوء الذي يحافظ على الحركات الملونة ليزرع اسئلة محاطة بمحاولات إعادة نفسه من جديد.

يقول أحمد الصوفي (حمص 1969) في إحدى مقابلاته : “الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح”، وهذا القول يكاد ينبض في…

عبد الستار نورعلي

في الليلْ

حينَ يداهمُ رأسَك صراعُ الذِّكرياتْ

على فراشٍ مارجٍ مِنْ قلق

تُلقي رحالَكَ

في ميدانِ صراعِ الأضداد

حيث السَّاحةُ حُبلى

بالمعاركِ الدُّونكيشوتيةِ المطبوخة

على نارٍ هادئة

في طواحينِ الهواء التي تدور

بالمقلوبِ (المطلوبِ إثباتُه)

فيومَ قامَ الرَّفيقُ ماوتسي تونغ

بثورةِ الألفِ ميل

كانتِ الإمبرياليةُ نمراً..

(مِنْ ورق)

بأسنانٍ مِنَ القنابلِ الذَّرية

ومخالبَ مِنَ الاستراتيجياتِ الدِّيناميتية

المدروسةِ بعنايةٍ مُركَّزَة،

وليستْ بالعنايةِ المُركَّزة

كما اليوم،

على طاولته (الرفيق ماو) اليوم

يلعبُ بنا الشّطرنج

فوق ذرى…

حاوره: إدريس سالم

إن رواية «هروب نحو القمّة»، إذا قُرِأت بعمق، كشفت أن هذا الهروب ليس مجرّد حركة جسدية، بل هو رحلة وعي. كلّ خطوة في الطريق هي اختبار للذات، تكشف قوّتها وهشاشتها في آنٍ واحد.

 

ليس الحوار مع أحمد الزاويتي وقوفاً عند حدود رواية «هروب نحو القمّة» فحسب، بل هو انفتاح على أسئلة الوجود ذاتها. إذ…

رضوان شيخو
وهذا الوقت يمضي مثل برق
ونحن في ثناياه شظايا
ونسرع كل ناحية خفافا
تلاقينا المصائب والمنايا
أتلعب، يا زمان بنا جميعا
وترمينا بأحضان الزوايا؟
وتجرح، ثم تشفي كل جرح،
تداوينا بمعيار النوايا ؟
وتشعل، ثم تطفئ كل تار
تثار ضمن قلبي والحشايا؟
وهذا من صنيعك، يا زمان:
لقد شيبت شعري والخلايا
فليت العمر كان بلا زمان
وليت العيش كان بلا…